5 نوفمبر، 2024 1:42 م
Search
Close this search box.

تناقض الخطاب الديني

تناقض الخطاب الديني

كم من الندوات والمحاضرات والمناقشات أقيمت حول أهمية الخطاب الدينى سواء كان سلبياً حيث ينشر أفكار الكراهية والتعصب والطائفية والعنف الناتج الطبيعى لتلك الأفكار، وسواء إيجابياً حيث يندر الحديث فيه أو يعرف المتحدثين فيه مسبقاً بأنه لا يجذب ولا تستحسنه آذان السامعين وعيون المشاهدين، فالخطاب الدينى واضح جداً فى أيامنا هذه أنه أستحوذ على مشاعر الجميع حتى وصلت نتائجه السلبية إلى قمة الخطاب نفسه، حيث الخطاب الدينى الإرهابى فى وسائل الإعلام والمنابر غير الرسمية هو المدخل لتشجيع الجماعات الإرهابية على القتل والتعذيب وتشويه الجثث بأسم الدين، والعالم العربى والإسلامى يقف مكتوفى الأيدى، منهم من يشجع تلك الجماعة ومنهم من يشجع الجماعة الأخرى، مما جعل الإسلام ديانة جماعات كل منها يعطى لنفسه الحق فى أن يكون لسان الله والإسلام نفسه.

الساكت عن الحق شيطان أخرس، لو أتفقنا على صدق هذا القول المأثور، سنجد لدينا ملايين الشياطين الخرساء رغم أن وظيفتهم وعقيدتهم هى قول الحق بغض النظر عن العقيدة أو المذهب أو الطائفة، لا يريدون أن يعيشوا مثل بقية شعوب الأرض فى عصرنا الحديث وإنما يريدون أن يعيشوا حسب تفسيرات موتاهم الذين ماتوا منذ مئات السنين، وعقولهم التى تثقفت بثقافة عصورها البدائية ومن المستحيل أن تصلح أفكار مجتمعهم الجاهلى لمجتمعنا الحديث، يقولون بالأجتهاد فى الدين لكنهم يقتلون المؤمنين من أجل الجمود الذى تحتويه بعض النصوص الثابتة والتى تعد على أصابع اليد ويعتبرونها شريعة، بالرغم من الدول والمجتمعات الحديثة تحتاج إلى آلاف القوانين والنصوص التشريعية التى تناسب عصرنا المتقدم ولا يمكن تطبيقها على العصور المتخلفة فى الزمن القديم.

لو كانت حقاً دول الخلافة تطبق شريعة إسلامية سواء كانت خلافة راشدية وأموية وعباسية وفاطمية وعثمانية، لكان لدينا الآن الكثير من المخطوطات والكتب التى تحتوى على تلك الشريعة التى طبقوها جاهزة للتطبيق وطبيعى أنها صالحة لكل زمان ومكان، لأن الشريعة ثابتة غير متغيرة لكن الذى حدث أنه حتى اليوم كل الصارخين بتطبيق الشريعة لا يملكون كتاباً واحداً يقولون هذه هى الشريعة ولا نحتاج إلى دساتير أو قوانين بشرية، بل خرجت فى تلك المجتمعات الماضية مصطلح الفتاوى لتحل محل الشريعة وهى فتاوى يشرع بها رجل الدين ويقول للمسلم أن هذا الأمر حرام وذاك حلال، حتى وصلوا إلى أيامنا هذه وقامت القوى العالمية بإحتضان الجهاديين لتصنع منهم قوى إرهابية تنفذ مخططات أمريكا والغرب، وفى نفس الوقت يعملون على توسيع وأنتشار جماعاتهم لتأسيس فكرة عودة الخلافة الإسلامية من جديد.

هذه الحقائق لا يوجد رجل دين لديه الجرأة على مخاطبة ومصارحة سامعيه بها، لذلك تستغل الجماعات الأصولية عدم شجاعة القيادات الدينية فى شرح وتفسير القضايا التى يهتم بها الشباب، لتقوم تلك الجماعات بأستغلال هذا التجاهل الخطابى والثقافى والإعلامى، ليستحوذوا على عقول الشباب بالشعارات التى تثير فيهم الغيرة والحماسة للدفاع عن دينهم ورسولهم لإقامة صحيح الدين أو حكم الله كما يعتقدون،

الصورة الحقيقية والواقعية تقول بأنه منذ سنوات عديدة تآمرت النظم السياسية مع جماعات دينية لكسب تأثيرهم الجماهيرى، فى الوقت الذى يعترف الجميع بأن الإسلام لا يوجد فيه جماعات دينية تعطى لنفسها الحق فى إصدار الأحكام والفتاوى التى تبيح لها التكفير وسفك الدماء، وهكذا تعاظم خطر الأفكار الدموية فى ظل صمت المؤسسات السياسية عن تنفيذ القانون وترك تلك الجماعات أحراراً.

إن صمت المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية عن التجاوزات فى خطابات أقلية دينية فى وسائل الإعلام وعلى منابر المساجد، أدى إلى سيطرة هؤلاء على مصادر الخطب والثقافة الدينية وأصبحوا مرجعيات دينية على أرض الواقع، وسحبوا البساط من تحت أرجل الغالبية من رجال المؤسسة الدينية مما أدى إلى أنتشار الفكر الجهادى والأصولى المتطرف الذى لا يعرف إلا التكفير والقتل لكل من يخالفه، وهكذا أصبحت الأقلية الأصولية المتطرفة تناطح بأفكارها رؤوس الأغلبية من الدعاة والفقهاء والشيوخ والعلماء والمثقفون الذين لزموا الصمت وخانتهم الشجاعة فى قول ما يريده حقاً دينهم الإسلامى أو العكس أى لديهم نفس قناعات الجماعات التكفيرية!!!

إن الخطاب الدينى الروتينى المتكرر عن أن المسلم خير البشر وفى نهاية الخطبة يختم بالدعاء على الضالين والمغضوب عليهم، متى سيتعلم هذا المسلم قبول الآخر والأعتراف بالمواطنة حق لكل مواطن بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون؟

إن طغيان وتوحش الفكر الإرهابى الذى تتبناه الجماعات المسماة جهادية هو نتيجة طبيعية للخطاب الدينى المتناقض مع بعضه، الذى لايستطيع الخطباء الأتفاق على عقيدة أو فكر واحد يتعامل مع التعددية التى تمثل المجتمعات الحديثة، فكيف يقول الخطيب للمستمعين

بالرحمة والتسامح وقبول الآخر المختلف فى الدين، ثم يجيبون على أسئلة المسلمين بفتاوى تحرم إلقاء السلام على اليهود والنصارى وأنهم من الكافرين المغضوب عليهم والضالين، إذن مشكلة الخطاب الدينى النفاق والأكاذيب التى تدفع الشباب إلى قبول وتصديق أفكار الجماعات الإسلامية بمختلف ألوانها الأولية المتطرفة.

هذا التناقض هو مسئولية الدولة لأن دينها الإسلام ومسئولية المؤسسات الدينية فيها، والحل هو إنقاذ الخطاب الدينى مما يحتوى من تلاعب بعقول السامعين، لأننا لا نعيش فى قرون الجهل والتخلف بل فى عصر شيوع المعرفة فى الأنترنت ولابد أن يضع الباحثين والقادة فى حسابهم أن عقول الأمس لا وجود لها فى أيامنا هذه إلا الذين تخلفوا عن قافلة التقدم، لكنهم سيستيقظون يوماً ويزيلون سحابات الوهم من على عيونهم وعقولهم.

الحل يحتم خروج الدولة ومؤسساتها الإسلامية للعلن لتحارب بالكلمة والحوار المستمر شعبياً، وتقديم فكر واحد يقول بأن عصرنا لا مكان فيه للتكفير!!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات