22 ديسمبر، 2024 7:16 م

تناقضات في السياسة العراقية

تناقضات في السياسة العراقية

الشعب العراقي الثائر الدائم على طغاة العصور بات يخضع لمجموعات من الشتات السمجة لا عنوان جامع لها سوى الفوضى , كيف وصلنا الى هذه المرحلة .

ان يصل شخص بليد مثل مصطفى الكاظمي الى رئاسة وزراء بلد مثل العراق يعني حدوث تدني في الوعي الى مستوى مرضي اجتماعياً , وتعقيد خطير في مستوى السياسة . وان يتقبل جمهور قارع الاستعمار الأجنبي في كل صوره ان يحكمه حاكم موظف صريح لدى البريطانيين وتابع ذليل لدى موظفين عراقيين في الدوائر الامريكية فهناك انحدار قيمي كبير .

لعبت المدارس والاعلام الحكوميان دوراً بارزاً ومحورياً في الوصول بالعقل والضمير العراقي الى الغربة والانعزال وبالنفس العزيزة الى الانكسار , كما لعبت كذلك التدابير البريطانية قبل 200 عام من الاحتلال العسكري للعراق دورها في تفتيت النهج الواعي بكسر وتشتيت التجمعات القبلية الوطنية وزيادة تركيز تأثير قبائل البدو المهاجرة في الأساس السياسي والإداري العراقي بالتعاون مع الولاة الاميين المتعصبين الشرهين العثمانيين , من خلال تطويق الاقتصاد الجنوبي وزراعة المشاكل القبلية وتسليم الإدارة المالية لليهود وخلق الصراعات على مصادر المياه والأراضي . حتى وصلنا اليوم الى غياب شبه تام لأثر زعماء القبائل الوطنيين وجهل وامية الكثير منهم , وانشغالهم في ظاهرة المشيخات الجديدة المدعومة حكومياً واجنبياً , في نسخ لتجربة المشيخات المستحدثة البريطانية العثمانية قبل عقود .

وان أتذكر ما لا تصنع مرجعية ( عليا ) مشهورة ( إعلاميا ) مثل مرجعية اليزدي كيداً بثوار النجف الاشرف في عهد الاحتلال البريطاني لتجعلهم فريسة مسكونة بالصمت المبيح لدمها للسكين البريطاني ادرك فلسفة ما لا تصنعه مثيلتها اليوم , مع وجود زعماء قبائل متواطئين كتواطئ شيخ قبيلة العبودة مع الحكومة الملكية العميلة للبريطانيين ضد الثوار ومحاولة ظهوره بمظهر ( المصلح ) , وربما تكرر المشهد اليوم . اما زعماء الاكراد فيذكروني بما كانت عليه أربيل من ملاذ للحاكم البريطاني ارنولد ويلسون في ثورة العشرين , وكيف كان يعقد فيها اجتماعاته الامنة والعراق يشجر ناراً ودما , فيما كانت محادثات الزعماء الاكراد معه في تلك المدينة الغريبة تتركز حول مشاهراتهم التي كانوا يقبضونها من الإنكليز , سواء بما كان يفعله الكثير من زعماء البدو العرب وما فعله الكثير من زعماء السعدون في العهدين العثماني والبريطاني . وكلاً منهم حصيلة مباشرة لافرازات الحكم العثماني المتخلف الذي انتج زعامات نهبوية لا نخبوية , فيما دق عظام الزعامات القبلية النجيبة المتمدنة في العراق , ليجد البريطانيون عراقاً جاهزاً لاغراقه بالفتنة كما وجده الاميركيون بعد عصر صدام المضاف لعصور التخلف الأسود .

 

أن تعنون أحزاب وتيارات اسماءها بشعارات إسلامية وهي في السلطة دون أن تكون قادرة على سن قانون إسلامي واحد ، ولازالت تحتكم إلى ما كتبته الشيوعية نزيهة الدليمي في عهد عبد الكريم قاسم في أحوالها الشخصية ، فضلاً عن قدرتها أو رغبتها في إخراج العراق من مستنقع الإقتصاد الربوي الذي تغرق هي ذاتها فيه وتجبن عن ترسيخ حقوق الأغلبية الشيعية التي أحرقها داعش بسبب اعتراض شخصية كانت كل همها الظهور في برنامج طبخ على قناة الشرقية بداعي الطائفية رغم أن القانون مسنون ومعنون لأسباب طائفية ويحمل عناوين لمكونات دينية صريحة كالايزيديين والمسيحيين ، كما جبنت أمام موظفة ألمانية هي هناء أدور التي تملك نفوذاً في سن القوانين أكثر من مجموع هذه الأحزاب والتيارات . لاسيما التيار الذي يتبع مقتدى الصدر الذي كان وجوده فسحة ذهبية لأدور بالتعاون مع نائبة سائرون لمى الحلفي ، فيما وجدت الحكومة في قواعده آلة ضخمة لضرب الانتفاضة الشعبية التشرينية ، ووجد الفاسدون من خلال سيطرته على الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومفاصل الإدارة في الجنوب ما وجدوه في ظل الحزب الديموقراطي الكردستاني العائلي العشائري للانتشار والاستحواذ على المال العام ، من خلال واجهات غير حزبية مؤجرة ، كما جاء في مضمون تقرير وزير الداخلية عثمان الغانمي عن اوضاع أكثر المدن العراقية تضرراً وانتفاضة ودماء ، وهي الناصرية ، التي ظهر أنها محكومة فعلياً من خلال حازم الكناني نائب المحافظ عن التيار ، دون أن تدرك قواعد التيار الفقيرة حقيقة ما يراد لها بسبب الجهل المطبق الذي تعيشه ، وبسبب عدم رغبة الإعلام الخاص – الذي هاجم حكومة عبد المهدي – مهاجمة التيار قبل القضاء على خصوم الامريكان من الشيعة الآخرين . الذي يعني أن هذه الأحزاب والتيارات سبة على الإسلام وهي تعلم ذلك ، وأنها مدعاة صريحة لا يستطيع حتى خصوم الاسلام الوصول لما تسببه من نفرة الشباب الناشئ عن الدين .
فيما يعيد الشيوعيون على الموقع التوثيقي wikipedia كتابة تاريخ ثورة العشرين العراقية الوطنية التي قادها مجتهدو المسلمين الشيعة وقاتل فيها رجالات القبائل وزعماء العشائر بدافع ديني ، لتصنع هذه الأقلام وهماً معقداً جديدا ، لا يختلف عن ما أنتجه إعلام نظام صدام حين أراد سرقة تاريخ تلك الثورة ونسبها لآخرين ، مستغلين مساحة التدخل المفتوح في كتابة هذه الموسوعة العالمية . في الوقت الذي يغيب أحفاد قادة ورجال تلك الثورة التي تسببت بقيام الدولة العراقية الحديثة عن ساحة التوثيق هذه ويتم إشغالهم بشأنهم اليومي من غياب للخدمات العامة والصراعات الحزبية . كما يتم النفوذ إلى بعض زعماء عشائريين شباب خليجياً لخلق فجوة اجتماعية ترى في البداوة الحضارية للخليج عمقاً استراتيجياً تحت تأثير المال والحماية الدولية ، لنجد زعيماً قبلياً مطلوباً للقضاء يدور في العراق تحت حماية حكومة الكاظمي ويتم تقديره بما يفوق أي زعيم قبلي حقيقي في انتمائه الوطني وعمقه الحضاري .
ومن هنا يجب توضيح مستوى التعقيد الذي يعيشه سياسياً وثقافياً بلد مثل العراق من خلال أحزاب سلطوية تحمل شعارات دينية غير مطبقة ومخالفة للدستور الذي يمنع سن أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية ، لكنها تعتمد بصورة شبه كلية تتزايد باستمرار على إدارات علمانية أو لا دينية مطلقا . لاسيما بعد أن أعاد رئيس حزب يحمل عنوان اسلامي هو نوري المالكي – الذي تحتسبه جهات إيرانية عديدة على محور المقاومة – اغلب الكوادر البعثية إلى السلطة ومفاصل الدولة في خطوة غبية جداً ومستفزة لضحايا الإرهاب الصدامي ، حتى باتوا يسيطرون على إدارات كبرى تصنع القرار كما عبر الرئيس السابق للبرلمان العراقي المشهداني بعد عرض قناة العربية السعودية للإرهابية رغد صدام حسين على شاشتها التي كانت تعتبر فيما مضى أباها مجرما . فيما تعرض youtube صاحبة اشهر وأوسع موقع فيديو عالمي مقترحات عن حياة المجرم صدام حسين بسبب وبدون سبب حتى وإن قام مواطن عراقي برفضه أو التبليغ عن تعمد هذه الفيديوهات تضليل المشاهد ، لإغراق الشاب العراقي بالضلالات والأوهام .
لهذا ليس مستغرباً أن يكون أول قرار تصدره حكومة الكاظمي بعد لقاء العربية هذا هو علاج العراقيين المقيمين في الاردن على نفقة الدولة العراقية وتسهيل جميع معاملاتهم إلكترونيا ، في قرار خاص بهذه الجالية فقط ، رغم أننا جميعاً نعلم أنها الكتلة البعثية والإرهابية الأكبر التي تخطط ضد العراق الديمقراطي الجديد .
أن تتعمد حكومة ما خفض قيمة عملة البلاد التي تحكمها دون جدوى اقتصادية يشير فقط إلى دعمها للعملة المقابلة ، ومن ثم تبعيتها للدولة المقابلة ذاتها . حين تنبه العالم إلى كون الدولار الأمريكي عملة فارغة غير مقومة بالذهب أو غيره لم ينقذ الولايات المتحدة من الانهيار المالي أمام الدول المطالبة برصيد ما لديها من دولار الا الاشتراط السعودي على بيع النفط بالدولار الفارغ هذا . فيما عومت الحكومة العسكرية في مصر الجنيه لتجعله بلا قيمة فعلية أمام الدولار وتتسبب بارتفاع الأسعار في بلد افقره العسكر وحولوه إلى مستورد للغذاء بعد أن كان سلة العالم الغذائية .
كان الملفت في انقلابات العسكر على الملكية في العراق وفي مصر وفي غيرها من بلدان الشرق الأوسط المنتجة الكبيرة زراعياً سنّها في أول شهر من تلك الانقلابات لقوانين معنونة بالاصلاح الزراعي ، رغم أن هذا التشريع المتشابه غير ممكن في الشهر الاول لمنظومة عسكرية غير واعية لما تفعل فنيا ، الأمر الذي يعني أنه كان مكتوباً قبل الانقلاب في بلد آخر ، وكانت النتيجة واحدة دائماً في كل البلدان ، التحول من منتج إلى مستورد ، ومن غني إلى فقير . لكن لازال يدرّس على أنه إنجاز ، بسبب استغفال الناس بالاعلام ودوره منذ الطفولة لجعل هذه القوانين المجرمة ترسخ في ذهن المتعلم حتى يكبر ويدرّسها هو لغيره في المستقبل . ومن الغريب أن تحاول تلك الأنظمة إحداث تغييرات اجتماعية غير سوية داخل المجتمع المسلم بحجة تقليد تطور الغرب ، لكنها تسن قانوناً يخالف تماماً توجه الغرب ذاته في منح الاقطاعيات الزراعية الكبيرة للأفراد . وليس هناك تفسير سوى الإضعاف المتعمد لبلدان تلك الحكومات العسكرية , بما لا معنى له سوى كونها موظفة لدى الغرب المستفيد الوحيد من انهيار المنظومة الزراعية هنا .
وكدليل مباشر على سوء نية حكومة مثل حكومة مصطفى الكاظمي تجاه الإقتصاد الوطني العراقي أنها لم تعد إلى سعر الصرف القديم رغم إرتفاع أسعار النفط المقوم الرئيس للعملة العراقية ، مما يعني قبولها إرتفاع الأسعار في بلد يستورد ٩٥٪ من سلعه . دون تحقيق أي تقدم على مستوى المنتج الوطني ، بل كانت موازنتها الغريبة استهلاكية ١٠٠٪ .
وهذا يعني الرغبة في نهب المزيد من المال العراقي باتجاه الخارج بلا مقابل ، كما في سن قانون رفحاء الغريب سابقاً الذي لولا كون معظم المستفيدين خارج العراق لما تم ضخ هذه الكمية من الأموال لهم بما فاق ما تم ضخه لعوائل الشهداء . وكذلك ما شاهدناه من اتفاقيات جولات التراخيص النفطية التي أعطت الحق للدول في جلب سجنائها للعمل في العراق بأجور للعامل غير الخبير تفوق أجر المهندس النفطي العراقي المتمرس ، فوصل إلى البلد عشرات الآلاف من سجناء الدول التي بدأت تنهب ما وجدت نهبه سهلا . فيما نلاحظ أن بطاقة الماستر كارد المتفق عليها مع الحكومات العراقية ذات منفذ واحد نحو الخارج ولا يمكن التحويل المالي باتجاه العراق من خلالها .
لذلك ليس من الغريب أن نلاحظ تقارب حكومة مثل حكومة الكاظمي مع حكومة السيسي في مصر . بل يمكن من خلال ملاحظة سير العملية الإقتصادية في ظل الحكومتين فهم ما يدور . فحكومة السيسي ببرلمانها الصوري لم تعد تناقش تقريباً إلا قوانين فرض الضرائب المستمرة والغريبة والمنهكة وربما المضحكة على المواطنين المصريين ، حتى تجاوزت فلسفة وجود الحكومات كعقد اجتماعي لتشارك الناس في أموالهم ونسائهم واراضيهم فعليا ، في ظل ميزانيات استهلاكية تعتمد منهج تخريب وإفلاس وبيع القطاع العام ، ونمو القطاع الاستهلاكي الخاص الممول أجنبيا ، أو المسيطر عليه عسكريا ، في تعزيز لعسكرة مصر الذي بدأه جمال عبد الناصر ، حتى لم يعد هناك محافظ أو مسؤول كبير في مصر لا يحمل رتبة لواء الا نادرا ، بعد أن تم نقل لقب الباشا العثماني عملياً لمن يحمل هذه الرتبة ونشر هذه الفكرة إعلاميا . وبحسب توقعات خبراء فإن الواقعين تحت خط الفقر مستقبلاً في مصر سيتعدون ال ٦٠٪ . فيما تركز الحكومة المصرية على خفض الانجاب كحل غريب لا تأتيه حكومات لديها انفجار سكاني كما في اليابان والهند بلغت من النمو الاقتصادي حداً مذهلا . وراحت هذه الحكومة الديكتاتورية تبني القصور الرئاسية والمدن الحكومية في ظل مديونية ضخمة متزايدة للخارج تزيد التبعية ، وإلى جوار فقر مدقع شعبيا . وتشترك حكومات البلدين في رغبة جارفة لبيع مستعجل وبخس لأصول الدولة ، دون وجود أية خطة إقتصادية .
وفي السياسة الخارجية تتحالف الحكومة المصرية مع حكومة العسكر في السودان . الذي تركز حكومته الانقلابية العسكرية التي سرقت ثورة السودانيين على تغيير المناهج الدراسية والتخلص من النصوص الدينية وتغيير ثقافة المجتمع والتطبيع في ظل أزمة اقتصادية لا تجد لها حلا ، رغم انها حكومة عسكرية انتقالية ليس لها الحق في تغيير الثقافة المجتمعية . وتنتشر ميليشيات الجنجويد السودانية في اليمن وليبيا لدعم الحكومات غير الشعبية العسكرية أيضا ، مثل حفتر وهو أحد بقايا نظام القذافي القمعي ، وعبد ربه في اليمن وهو أحد بقايا نظام علي عبد الله صالح العسكري . وهما مدعومان غربيا ، في ظل تصوير اعلامي مصري زائف وخليجي معاد أن الجيش الوطني في ليبيا واليمن يمثله هؤلاء فيما الحقيقة أن الجيوش الوطنية الحقيقية انضمت في غالبها للحكومات المركزية في طرابلس وصنعاء ، وأن ما يمثله حفتر وعبد ربه تجمعات عشائرية ومليشيات مرتزقة أجنبية وبقايا صغيرة إرهابية أو قمعية سابقة .
وهذا التصوير الإعلامي العالمي الزائف ليس غريبا ، ففي سوريا تم دعم الحكومات المتعددة لفصائل إرهابية بما تحمله الكلمة من معنى دولي ، وتصوير النجاح الثوري الشعبي في اليمن على أنه انقلاب ، وحجب الثورة السلمية في البحرين ودعم الإعلام لنظامها المستبد الغريب عن بلادها اصلا .
فيما تملك دولة استبدادية تصدر الإرهاب للعالم أجمع وهي السعودية وسائل الإعلام الناطقة بالعربية في الجهة المتطرفة دينيا والجهة المنحطة أخلاقيا ، ومع ذلك يتم دعمها وحمايتها دوليا .
هذا العالم الغريب المستبد هو من تريد حكومة مصطفى الكاظمي العودة لأحضانه والتعاون معه ، في ظل دعم إعلامي هائل من وسائل القطاع الخاص لقنوات مثل التغيير والسومرية و utv وغيرها من المحطات الممولة أجنبيا .
ووسائل الإعلام هي ذاتها من صنعت رمزين صنميين متخاصمين وغبيين ، هما مقتدى والمالكي ، في ذهنية بسيطة فقيرة معرفيا ، كانت بطولة أحدهما في ذاكرة قواعده أنه قاتل الآخر ، ثم أنهما تحالفا ، فكانت هذه بطولة أخرى ، ثم تقاتلا فكانت كذلك ، ثم تحالفا ، ومن ثم كل ما يفعلانه سيكون عملاً بطولياً بسبب سيطرة وسائل الإعلام على العقل الفقير لقواعدهما .
وأن يصل الشعب العراقي الى هذا المستوى من الانحدار السياسي والثقافي يعطي صوراً واضحة لما فعلته سياسيات الحكومات الملكية والعسكرية التي أفسدت الأجيال بالعهر الإعلامي .
لكني حين أجمع صور واحاجي هذه المفارقات في عالم غبي جداً سياسياً عند النظرة الأولى أجد لها جامعاً واحداً فقط هو العمل تحت ظل الأمريكان أو خوفاً منهم .