7 أبريل، 2024 10:58 م
Search
Close this search box.

تميم ومنهج الفرار من الهاوية

Facebook
Twitter
LinkedIn

أصبح اسم دولة قطر في الفترة الأخيرة يتكرر قرينا بالولايات المتحدة ودول كبرى أخرى بوصفها لاعبا مؤثرا في الحدث العربي والعالمي . وقد رافقت هذه الشهرة السريعة مواقف وتفسيرات لا يمكن حصرها ، تمثلت بانزعاج الكثير من الحكومات العربية المعلن أو الخفي لهذا الدور الذي لا يرونه متناسبا مع حجم قطر وموقعها ، ومثل في جهات أخرى موضع ترحيب ورغبة نظرا لأثر الخيرات القطرية في تحقيق تلك الجهات لمآربها ، وكان موضع جدل ونقاش كبير في الأوساط العالمية حول حقيقة القدرات القطرية وتناسبها مع الموقع والمكانة التي تحاول أخذها في الحدث العالمي ، وكذلك حول سلامة وصحية هذا الدور على العلاقات الدولية والأمن العالمي .
وفي إطار الوقوف على سبب هذه القفزة الكبيرة التي عاشتها قطر وسياستها الخارجية بالذات ، يقدم الكثير من المختصين تحليلات تتفق على أن هناك  مشروعا  في المنطقة يتحرك بآلية ما يسمى بـ”العمل بالنيابة” .وتعد قطر (حمد/جاسم) هي اللاعب الفاعل لتنفيذ هذا المشروع ، وأما المالك الأصلي لريعه ، فهناك من يرى أنه (إسرائيل) ، وآخر يرى أنها (الولايات المتحدة والغرب) ،وثالث يدعي أن صاحب الملك الأصلي (تركيا الأوردغانية الطامحة ) ، وبعض ينسبه إلى مشروع (الإسلام السياسي في المنطقة بقيادة الإخوان المسلمين ) .
بغض النظر عن دقة هذا التصوير من عدمه ، يبقى السؤال المهم : ما هي المنافع الحقيقية التي كانت قطر (حمد/جاسم) ترغب في الحصول عليها جراء القيام بهذا الدور؟ وهل أنها كانت ساعية بنفسها للقيام بهذا الدور أم أن ظروفا وتحديات أجبرتها على القيام بذلك ؟ وهل أنها كانت مدركة لخطورة اللعبة وتداعياتها ، أم أنها تورطت في حلبة أكبر من حجمها ؟
قطر الغنية بالموارد والثروات ، والمتقدمة نسبيا في التنمية ، والمنسجمة إلى حد ما ديمغرافيا ، كانت محكومة بثلاثة رؤوس فاعلة : “الأمير حمد” و “رئيس الوزراء ووزير الخارجية جاسم” و “الزوجة المدللة القوية الأميرة موزة” ، وتنقسم القوى الثانوية كل خلف راية من تتوافق معه كليا  أو جزئيا من هذه الرؤوس الثلاثة .
لا يمكن القول بأن هناك تنافس وتضاد بين الرؤوس الثلاثة ، وأن العلاقة بينهم تمثل صراعا على مصادر القوة ، لكن لا يمكن الإغضاء عن وجود اختلافات (قد تصل إلى الخصومة ) في وجهات النظر بينهم ، وخصوصا فيما يتعلق بإدارة الملفات الخارجية .
في الآونة الأخيرة مثل ( توجه جاسم) ، الذي قد يكون متوافقا نسبيا مع توجهات  الأمير حمد منهجا يرى بأن مكانة قطر الجديدة يمكن تحقيقها من خلال الالتحاق بركب “مشروع الإسلام السياسي/الإخوان” ، والذي تقوده تركيا الأوردغانية الطامحة ، وتتناغم معه نسبيا مصالح الولايات المتحدة والغرب عقيب تبدل وجهات النظر بالحكومات التي توصف بالعلمانية ، والذي يخدم أمن ومصالح إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر ، لأن من أول أولويات هذا المشروع تكثيف المواجهة والعداء مع إيران . كما أن هذا المسار اتبع سياسية الاستغناء التدريجي عن التجمع الخليجي ، بل أحيانا الاستعلاء على سياسات ذلك التجمع . يقابل هذا التوجه رؤية اللاعب الثالث “الأميرة موزة ومريديها” ، والتي لا ترى مصلحة في هذا الاندفاع للدور القطري خصوصا في بلدان التحول ، وسورية بالذات ، كما أن توجهاتها الليبرالية لاتنسجم مع المرجعية الإخوانية القرضاوية السلفية الأوردغانية ، وترى أن التركيز على التنمية الداخلية ، والإهتمام بالملفات الداخلية ، وتعظيم الصوت العلماني الليبرالي (داخليا) ، يمثل مفتاح تقدم قطر ، حيث تشاطر “دبي الصاعدة” في مسيرتها .
على أثر وعي الأمير بحجم المخاطر التي لحقت بقطر (حمد/جاسم) ، وتلمس الآثار السلبية لسياسة الإندفاع القطرية ، ونظرا لظهور علامات الفشل والانتكاس على مشروع (الإخوان) في أكثر من مورد ، ولتكشف وقائع يومية مختلفة حول ما يجري في سورية ، ولنصح متكرر يتلقاه الأمير من أجل ترشيد وتعديل تلك التوجهات ، ولقوة “الأميرة الزوجة وتيارها” ، وللشعور بخطر ما يجري من تحولات في المنطقة ، وللحفاظ على ماء الوجه والإبقاء على المكانة المعنوية لنفسه ، ولإدراكه بضرورة التحول الكلي عن المسار الذي انزلقت فيه قطر الطامحة ، قرر الأمير وبشكل مفاجىء نقل السلطة إلى ولده المخصوص بعنايته ، ومحل ثقته “الأمير تميم ” ، ليقوم بمهمة إعادة قطر إلى المكان المناسب الذي ينبغي أن تكون فيه ، ولترميم التصدعات التي ألحقتها “إندفاعات جاسم” بقطر دولة ومكانة ، وللرجوع إلى الحضن الخليجي مجددا .
في العاصمة القطرية الدوحة ولد تميم في 3 يونيو سنة 1980، وهو ثاني أبناء الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني . تدرج في تحصيله العلمي والمعرفي فحصل على شهادة الثانوية من مدرسة شيربورن بالمملكة المتحدة ، وهو من خريجي مدرسة ساندهيرت العسكرية البريطانية الشهيرة .
بعد فترة ليست بالطويلة عينه والده وليا للعهد خلفا لأخيه الشيخ جاسم بن حمد . ومنذ تلك المرحلة انطلقت مسيرته نحو عالم السياسة ونحو الأضواء وبرز على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية ، حيث شارك ومثّل بلاده في عدد من المؤتمرات . كما  أشرف عندما كان وليا للعهد على قيادة القوات المسلحة بالنيابة عن والده . وشغل منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار . ثم بعد ذلك  تولى رئاسة عدد من المجالس والهيئات الرئيسية في البلاد ، كالمجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمجلس الأعلى للبيئة ، وهيئة الأشغال والتطوير العمراني ، ومجلس قطر للاستثمار ، الذي تقدَّر استثماراته بمليارات الدولارات في مختلف بلدان العالم . كما أنه  ترأس اللجنة الأولمبية القطرية ، ويُعرف عنه حبه للرياضة . وسيشرف على ملف مونديال العام 2022 لكرة القدم ، الذي تستضيفه قطر . وهو من محبي فرنسا والثقافة الفرنسية شأنه شأن والده ، كما أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة . ويعشق الشيخ تميم التراث والإرث الثقافي الخليجي وقد بنى لنفسه قصرا تراثيا ساحرا في الصحراء .
الحاكم الجديد له زوجتان وستة أبناء ، سنّ الكبرى بينهم سبع سنوات ، أما نجله الذكر الأكبر فيبلغ من العمر خمس سنوات .
بداية من العام الماضي ، تولى الشيخ تميم بن حمد صلاحيات واسعة في القضايا المحلية من أمن وتنمية ، والملفات الخارجية ، وفي مقدمتها تعزيز التواصل مع دول الخليج .
ليست الطريق معبدة بالورد أمام الأمير الجديد ، فداخليا له من المنافسين والحساد ، بل وحتى المتآمرين عليه ، وخارجيا ورث وضعا قطريا مرتبكا ومنزلقا في واد سحيق تكاد قطر أن تصل إلى قعره ، خصوصا عقيب اندفاعها المحموم في الملف السوري .
الابن الشاب تدعمه بقوة والدته المدللة ، وهي تضغط على الأمير المترنح تحت المرض والمشكلات ، من أجل فسح المجال له باتخاذ قرارات حاسمة وقوية ، خصوصا في مجال العلاقات الخارجية ، كما أنها تحاول أن تنصح الأمير الجديد  بالتروي في نهجه الإصلاحي .
ظهرت معالم القوة ، والرغبة الواضحة في مغادرة مكان (قطر حمد/جاسم)  عند الأمير الطموح ، إلى موضع جديد يراه “الأمير تميم وأمه ” الأنسب لقطر ، لذلك عمد إلى إقصاء (الخصم جاسم) من كل مجالات التأثير السياسية والمالية بخطوة استباقية شجاعة ، وركز على ضرورة العودة إلى الحضن الخليجي ، والبدء بتحسين العلاقات المتوترة أو الباردة مع السعودية والإمارات ، وعموم دول مجلس التعاون ، وهناك رغبة واضحة للتراجع عن الاندفاع الانزلاقي في الملف السوري ، بل عموم ملفات دول التحول .
رغم القدرة الإقتصادية الكبيرة لقطر ، ووفرة الخيرات فيها بالقياس إلى حجم السكان الصغير فإن استحقاقات تنموية كبيرة تنتظر الأمير الجديد ، خصوصا فيما يتعلق بملف العمالة الأجنبية ، وملف الحريات العامة ، وخفض مستوى تأثير النهج القرضاوي في مسارات الحياة العامة .
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فهناك قاعدة العديد العسكرية وما ترتب عليها من التزامات استراتيجية أمنية بين قطر والولايات المتحدة الامريكية ، كذلك عقدت في الفترة السابقة تحالفات أمنية عسكرية مع إسرائيل ولها التزامات استراتيجية ، كما أن قناة الجزيرة الممثلة لدولة قطر ألحقت بالكثيرين جروحا بالغة ما زالت تداعياتها سارية إلى هذه اللحظة ، ويبقى التيار القرضاوي والسلفيون عموما لهم سطوتهم في الداخل القطري ، كما أن جاسم لن يرفع الراية البيضاء بسهولة أمام الابن الطامح .
هذه التحديات الداخلية والخارجية هل تسمح للأمير الجديد بتحقيق نقلات نوعية وجذرية في السياستين الداخلية والخارجية ، وخصوصا في الملفات المهمة المتمثلة بـ الانسحاب من لعبة النيابة ، والتخلص من مستنقع الدفاع عن النهج التكفيري العدائي ، ووعي المصالح القطرية الحقيقية ورسم دائرة العلاقات على أساسها ، فبدلا من تصعيد اللهجة العدائية مع إيران والعراق ، التحول إلى سياسة تعاون واعية مبنية على أساس المصالح المتبادلة والتعاون المشترك . فالثنائي القطري الإيراني يشكل أكبر مصدر للغاز ويمكنه أن يتسيد السوق العالمية للطاقة ، بالإضافة الى آفاق التعاون التي يمكن أن تنفتح بين البلدين . وأما العراق فمن الأفضل لقطر التحول من منهجية السياسة الحذرة أو لهجة التعالي على التجربة العراقية الجديدة إلى سياسة التعاون والتشارك ، فالعراق بلد محوري لا يمكن لقطر مهما استطال ظلها أن تتجاوز مكانته الدولية والعربية .
الأيام ستكون الحكم أمام ما يمكن أن يحققه الأمير الجديد ، والذي نتمنى له أن ينتهج بدولته مسارا يبعدها عن سياسة الصدامات والعدائية ، والدخول في الشراكات الإيجابية النافعة لقطر وشركائها .

مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب