يعتمد داعش إستراتيجية تعدد موارد التمويل ولا يقتصر على مورد واحد ، وذلك لإدامة أنشطته وعملياته في حالة انقطاع مورد معين ، وقد تطورت تلك الموارد مع توسع هذا التنظيم وتمدده في مساحات كبيرة من الأراضي العراقية والسورية.
كما إن المتابع لموضوع موارد تمويل داعش يجد انه قد استغنى عن بعض الموارد أما بسبب توفر موارد حديثة أكثر درا للأموال ك ( سيطرته على آبار النفط في سوريا والعراق وبيع الإنتاج إلى تركيا ، وفرض الجباية على المنتوج الزراعي للفلاحين في الأراضي التي يسيطر عليها ، واستيلائه على وسائل الإنتاج الغذائي كالسايلوات الخاصة بإنتاج الحنطة والدقيق والمعامل ، وتفكيك المعامل الكبرى في سوريا وبيعها الى تركيا ، وكذلك سرقة وبيع الاثار العراقية والسورية ) او بسبب انقطاع بعض الموارد كانقطاع تمويل قاعدة الجهاد العالمية له والتي كانت تقدم كمعونات دورية قبل الاختلاف مع تنظيم داعش ، وكذلك حث شيوخ السلفية الجهادية للمتبرعين على عدم تقديم الزكوات والهبات الخيرية إلى تنظيم داعش كونه – بحسب الشيوخ – انحرف عن الجهاد الحقيقي ، وتم اصدار فتاوي بذلك .
لقد مارس تنظيم داعش في العراق الكثير من اساليب التمويل عن طريق ممارسة جرائم السطو المسلح على المصارف ومحلات الصاغة والصيرفة ، كما مارس اسلوب الخطف والمساومة ، وأسست لذلك مفارز امنية وعسكرية اطلق عليها مفارز الغنائم ، وقد برز هذا الاسلوب بشكل ملحوظ في بغداد ايام ولاية الارهابي (مناف الراوي) الذي نفذ فيه حكم الاعدام مؤخرا في بغداد ، وقد اشرف معاونوه على هذه العمليات بشكل مباشر وهم من عتاة الارهابيين في تنظيم القاعدة في العراق من امثال الارهابي (عباس نجم ) الشهير ب(حاتم ) الذي كان يشغل منصب عسكري عام ولاية بغداد منذ 2008 الى حين القاء القبض عليه في 2010 ، وكذلك الارهابي
السعودي الجنسية ( عبد الله عزام القحطاني ) الشهير ب(سنان ) الذي كان يشغل امني عام ولاية بغداد ، وهو ضابط برتبة ملازم اول في الامن السعودي ، وتم القاء القبض عليه في عام 2010 في عملية كبرى ضد تنظيم القاعدة في العراق قامت بها خلية الصقور الاستخبارية افضت الى مقتل زعيم التنظيم في ذلك الوقت ( ابو عمر البغدادي ) ووزير حربه ( ابو حمزة المهاجر ) .
وادلى حينها مناف الراوي باعترافات تخص هذه الموارد اذ ذكر بأن مجموع المبالغ المستحصلة من تلك العمليات يذهب الى زعيم التنظيم ليصرف على عمل التنظيم بعد خصم 5% منه الى ولاية بغداد .
تعد الاضطرابات السياسية التي حصلت في سوريا ابان ما يسمى ب(الربيع العربي ) عام 2012 ، من اهم العوامل التي أثرت في إستراتيجية التمويل عند تنظيم داعش وتطورها ، اذ سمح الفراغ الامني في سوريا لداعش بتطبيق استراتيجية ( طريق التمكين ) التي تطبقها الحركات المسلحة الجهادية في المناطق المنتخبة ، بمراحلها الثلاثة ، وهي تأسيس مجاميع قتالية من كل انحاء العالم وتجمعها في سوريا لتخوض عمليات ما يسمى ب( النكاية والانهاك ) للعدو المتمثل بالجيش السوري وقواته الامنية ، وتنتقل بعد ذلك الى مرحلة السيطرة الامنية على المناطق التي خرجت من يد الحكومة السورية لتطبق مرحلة ادارة فوضى التوحش والسيطرة على الموارد والثروات الطبيعة والثروات المستخرجة من باطن الارض كالنفط والغاز وغيرها مؤسستا بذلك مايسمى ب( ديوان الركاز ) تيمنا باسمه التاريخي في العصر الاسلامي الاول . ثم تبدأ مرحلة ما يسمى بشوكة التمكين وهي بسط النفوذ بشكل تام وهي المرحلة الممهدة لاعلان الخلافة الاسلامية .
لقد لعبت عدة دول اقليمية دورا كبيرا في تمكين داعش من ارض سوريا وكذلك تمدد نفوذه وسيطرته على اجزاء كبيرة من الاراضي العراقية ، وذلك من اجل تحقيق مصالحها واهدافها الجيوسياسية .
لقد حاولت قطر استنساخ تجربتها في سوريا بعد ان نجحت في ليبيا والمعروفة بالجيش الحر والتي افضت الى نهاية نظام القذافي ، بقيادة مرتزق قطر السلفي الجهادي المعروف ( عبد الحكيم بالحاج ) ، وتشير
المعلومات الى ان قطر قامت بسحب السلاح المكدس بالملايين في ليبيا الى الاراضي السورية عبر تركيا وقد وافقت الاخيرة على هذا العبور مقابل 10% من قيمة الداخل الى سوريا ، وكذلك وافقت على دخول المقاتلين عبر حدودها الى سوريا وبمختلف صنوفهم سواء كانوا من مقاتلي القاعدة أو من مرتزقة قطر المستأجرين للقتال في أي ارض تنتخبها قطر وتمول كل ذلك من غازها المصدر .
تعتبر التنظيمات المسلحة الكردية بمختلف مسمياتها سواء على الحدود مع العراق او في شمال شرق سوريا من الد اعداء تركيا والتي تعتبرهم الأخيرة العدو التقليدي رقم واحد وهي على استعداد للتحالف مع الشيطان من اجل إنهاء وجودهم كقوة في تلك المناطق .
وحتى لا تتعرض تركيا للحرج والضغط الدولي فيما اذا دخلت بجيشها الى سوريا والعراق لمقاتلة الاكراد فقد لجأت لمقاتلتهم بيد ثالثة وهي تنظيم داعش .
ولكي تستطيع داعش ان تفتح جبهة عريضة وقوية لتقاتل الاكراد كان لابد لها من موارد تمويل وتسليح كبيرة وادامة للامور اللوجستية كالوقود والذخيرة وعلاج الجرحى والتنقل واستقبال وايواء المقاتلين… وغيرها . من هنا التزم الجانب التركي ولحد الان على مايبدو بتسهيل ومساعدة داعش لادامة زخم القتال والوجود ، من خلال شراء النفط المسروق من قبل داعش ، وتسويق الاثار التي يسرقها داعش من سوريا والعراق وتسهيل مرورها الى اسواق اوربا ، وكذلك السماح للدواعش بالتنقل والعبور من والى سوريا عبر اراضيها ، وكذلك للعلاج لدرجة ان يصل علاج جرحى داعش في مستشفيات تركيا بالمجان .
ان الفعاليات العسكرية للحشد الشعبي العراقي والجيش العراقي، وكذلك الضربات الجوية النوعية للتحالف الدولي ضد داعش افقده الكثير من موارد التمويل الهامة التي اخذ يعتمد عليها وخصوصا واردات حقول النفط في شرق سوريا ( الحسكة ودير الزور) ، وحقول النفط العراقية (عجيل وعلاس ) التي تعتبر من الحقول السريعة وسهلة الاستخراج والتصدير وتقدر بمائة بئر نفطي ، فقد سيطر الحشد الشعبي والجيش العراقي بشكل
تام على تلك الحقول وحرم تنظيم داعش من استثمارها ، الذي كان يدر عليه ملايين الدولارات .
وبسبب ذلك قام داعش مؤخرا باعتماد مورد تمويل جديد تساعده تركيا بإدامته وهو تهريب اللاجئين السوريين والعراقيين الى اوروبا عبر تركيا ، ولقد بلغت كلفة تهريب الشخص الواحد من الموصل الى تركيا عبر سوريا الى 1250 دولار امريكي وبأشراف وادارة داعش ، واما في الجانب التركي فالطريق سالكة عبر المياه الواصلة بين الجانب التركي واليوناني وبدون أي اعتراض من خفر السواحل التركية واعداد اللاجئين تقدر بالمئات يوميا .
يبدو ان الاوربيون ادركوا اخيرا بأن الهجرة الحالية وبهذه الاعداد الكبيرة الى اوربا ماهي الا مورد من موارد تمويل داعش ، كما ان هناك امكانية كبيرة لتسلل الدواعش بين اللاجئين الى اوربا لتشكيل خلايا نائمة او فاعلة تعمل على زعزعة امن اوروبا بالكامل ، فقرروا اغلاق الطريق امام اللاجئين ، وشددوا من اجراءات المنع ليصل الى اعطاء الاوامر باستخدام الرصاص المطاط ضد متجاوزي الحدود واستخدام الحرب العسكرية ضد المهربين في مناطق شرق اوروبا التي تعتبر كمعابر رئيسية للغرب الاوربي .
مما تقدم يتبين ان داعش وبعد ان خسر اهم موارد التمويل ، فأنه قد يلجأ الى العودة الى اساليب الجريمة المنظمة التي سبق ان مارسها لجمع الاموال وتمويل عملياته الارهابية وادامة وجوده في هذه المنطقة من العالم ، وقد نشهد قريبا وجود لمفارز الغنائم وهي تسطو على مصارف ومحلات بغداد ، كما سنشهد عمليات خطف ومساومة وابتزاز للتجار والمقاولين .
من هنا يجب ان تتخذ الجهات الامنية العراقية كافة السبل والاجراءات لحماية الاهداف الحيوية في البلاد ، وتفعيل الجهد الاستخباري ، وكشف نوايا داعش والعمل بطريقة المعلومة الاستخبارية .
ان الوقت مناسب جدا ليلعب التعاون بين العراق وباقي دول العالم دورا في مكافحة تمويل داعش عبر سلسلة من الاجراءات لسد المنافذ عليه ، ويمكن اعتبار إفشال الطريق الى اوربا عبر التهريب هو واحد من اساليب مكافحة تمويل داعش .