23 ديسمبر، 2024 6:44 ص

تموز يا شهر العطاء.. هل نحتفل بذكراك ام نرثيك؟

تموز يا شهر العطاء.. هل نحتفل بذكراك ام نرثيك؟

تموز يا شهر الانتفاضات و الثورات.. لا ندري هل نحتفل بمناسبة عيدك الثالث و الخمسون ام نرثيك يا زهونا الدائم و شمس عراقنا التي لا تغيب.. هل المطلوب منا ان نتذكرك كل عام ام نمر عليك مرور الكرام؟
تموز كم كنت عظيماً و مبهجاً.. و حليماً و حاسماً.. ففرحنا بحق كان غامرنا حين ملئت اهازيجنا عنان السماء و كم حفزنا التغيير عندما كنا مجرد صبية في ذلك الوقت فتحركنا بعواطفنا كي نظهر عدائنا للنظام الملكي و الاتحاد الهاشمي و نمجد بفخر الوحدة العربية بين مصر و سوريا..
جاء الحدث في يوم ليس كباقي الايام.. صحواً مبهجاً رائعاً و بهي ليعلن عبر المذياع ان الحكم الملكي قد انتهى و ان عصر الحرية قد حلّ فاندفعنا الى شارع الرشيد و بدئنا بالهتافات تأييداً للنظام الجمهوري الجديد و يالها من فرحة غامرة اثلجت القلوب عندما شاهدنا كيف تمت الاطاحة بتمثال الجنرال المتغطرس (مود) امام السفارة البريطانية و الذي كان يمثل رمزاً للهيمنة و باجراءات حاسمة عظيمة و متلاحقة تم اطلاق السجناء السياسيين و اعيد المفصولون الى اعمالهم و خرج العراق من حلف بغداد الاستعماري و من الكتلة الاسترلينية و صدر قانون النفط و قانون الاصلاح الزراعي و منحت الحرية للاخرين و الحق بتشكيل نقابات العمال و اتحاد الجمعيات الفلاحية و بوشر بتشكيل المقاومة الشعبية للدفاع عن الثورة و التي استغلها الحزب الشيوعي بصورة و كانه هو من صنع الثورة و مهد لها و ساهم في تنفيذها.. الفرحة غمرت الجميع و كانت جبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت عام ١٩٥٧ و ضمت احزاب لها تاريخ نضالي مشهود في مقارعة النظام الملكي و حلف بغداد و المعاهدات المكملة له.
الجماهير بدأت تدرك ان السيطرة على الشارع من قبل الشيوعيون قد احدث شرخاً كبيراً و تصدعاً واسعاً في اللحمة الوطنية و هدد في حينها بانفراط عقد التحالف و حول الشارع الى ساحات للصراع و فرض شعارات لم تكن معروفة في محاولة للايقاع بالبعض قصد اسقاطهم و انتقل الصراع الى صراع دموي مع الاسف و خلال العام الاول للثورة حدثت جملة من الاحداث و خاصة محاولات الحزب الشيوعي استغلال الشارع للضغط على الزعيم عبد الكريم قاسم بهدف المشاركة بالحكومة و لربما انتزاع السلطة في نهاية المطاف.
هكذا كانوا يعتقدون و لربما يخططون لذلك كما تشير الاحداث و الظروف التي رافقت نمو الحزب عددياً و في العام الاول ايضاً حدثت محاولات انقلابية في اعقاب انتفاضة الموصل و احداث كركوك الدامية و محاولة رشيد عالي الكيلاني و استفراد الشيوعيون بالمقاومة الشعبية و ذلك باستخدام القسوه المفرطة بانهاء تلك الاحداث في كركوك مما ادى الى صراع بين الاكراد و التركمان و بتحريض من الحزب الشيوعي و تنظيماته العسكرية في الفرقة الثانية.
لا نريد ان ندخل في تفاصيل الاحداث المؤلمة مهما كانت احقية هذا الطرف او ذاك و لكنها شكلت انعطاف كبير في تاريخ العمل السياحي و يتذكر الآم تلك الفترة من عاصروها و واكبوا احداثها و قد شعرالحزب الشيوعي ان سيطرته على الشارع و قوته التنظيمية في صفوف العسكر و النقابات و اتحاد الفلاحين و المقاومة الشعبية ان الطريق اصبح سالكاً، ففي الاول من ايار عام ١٩٥٩ نظم الحزب الشيوعي تظاهرة كبرى قيل في وقتها ان عدد المشاركين وصل الى مليون متظاهر رفع خلالها شعار (اشراك الحزب الشيوعي في الحكم) ساعدته و مهدت لظروفة محاولات الاتحاد السوفيتي في الستينات التمدد على حساب طموحات الشعوب و الاحزاب الاخرى و كذلك ملائمة الظروف الدولية من هنا ظهرت بوادر الخلافات السياسية و المذهبية بالاضافة الى وقوف الحزب الشيوعي مع انتفاضة الاكراد بقيادة الملا مصطفى البرزاني مما زاد الطين بلّة، حيث تجذرت تلك الخلافات و اصبحت لها شعارات و منها (السحل بالحبال، راس الشهر ماكو مهر) و شعارات اخرى لم تكن معروفة وخاصة ما يتعلق بتاجيج الصراع بين المطالبين بالوحدة العربية و بين الحزب الذي تبنى شعار اتحاد فدرالي و صداقة سوفيتيه.
و عموماً اصبح شهر تموز محنة و نقمة و الكل يدعي انه مفجر الثورة و في جو الفوضى المشحون الذي اصبح يهدد النظام الجمهوري برمته و هنا جاء خطاب الزعيم عبد الكريم قاسم الشهير بكنيسة مار يوسف و كان واضحاً و قاطعاً من خلال قولته الشهيرة (بانه سيحطم راس كل فوضوي) و يقصد بذلك الشيوعيون خاصة بعد ان فرض شعار الحزب الشيوعي بالحكم و محاولات الضغط على الزعيم عبد الكريم قاسم بالدخول للحكومة و كمرحلة لاستلام السلطة و بهذا فقد اضاف الحزب الشيوعي اخطاء جديدة الى اخطاءه الكثيرة و المتكرره و الحقيقة كان الافضل للحزب التريث لحين الانتهاء من فترة الانتقال و سن دستور دائم و اجراء انتخابات برلمانية في ذلك الوقت و لو تم ذلك لحصل الحزب الشيوعي على الاغلبية حيث كان الشارع مستقطب له و كذلك تسرعه باعلان موقفة الواضح من النزاع مع الاكراد و كذلك اتهامة الجمهورية العربية المتحدة بالتآمر فظهر ذلك بالشعارات الغريبة (شيلوا سفارتكم منريد وحدتكم) و شعار (ماكو مؤامرة تصير و الحبال موجودة) و غيرها من الشعارات. و بهذا فقد كان الحزب الشيوعي في ذلك الوقت يمثل دولة داخل الدولة و يتذكر الكثير محاكم الحزب في عين زاله بمحاكمة المتآمرين باحداث الموصل الى المساهمين باحداث كركوك الدامية مع الوقوف مع الاكراد و هناك الكثير من الشواهد بحيث اصبحت العلاقة اشبه بكسر العظم بين القوى السياسية المتناحرة وخلال انقلاب ٨ شباط الاسود الذي تجسد بقرار الحاكم العسكري رشيد مصلح بالرقم ٣١ الذي يتضمن الدعوة الى ابادة الشيوعيين و كل ذلك ساهم باضعاف الجانبين.
رغم مرور ٥٦ عام و استشهاد الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم و ضمور و تقلص حجم الحزب الشيوعي عددياً و انهيار الاتحاد السوفيتي لكن الظروف التي يمر بها العراق اليوم تؤكد التشابه في الاحداث و في ادوات الصراع بين الكتل السياسية مع ان الزمن قد تغير لكن الطموح للتسلط و لغة الانا و الصراع الدامي و مصير البلد المجهول هو ذاته مما يدعو الى التشائم و الخوف على وحدة العراق و امنه و استقراره.. و سنرى..