تأكيد العقل تعبير عن تأكيد الحسم في عدّ العقل هو لا غيره الميزان الذي يُتخذ بوقوع الخيار عليه كسبيل من بين سبيلين، لتحديد كيف نفهم ونحيى الإيمان؛ أهو سبيل الدين الذي هو خاضع للفهم البشري غير المعصوم، والمتمسك بخطئه إن أخطأ، بسبب القداسة المضفاة على الخطأ، لتوهم استمداد الخطأ من الوحي الإلهي مما يُحوِّله بالضرورة إلى حق مُسلَّم به، أم هو العقل، الذي حتى إذا ما أخطأ، أو إذا ما أخطأنا في استخدامه، لا يكون خطؤه مقدسا وغير قابل للمناقشة؛ فهو مع احتمال أن يؤدي استخدامه إلى ثمة خطأ، إلا أنه يبقى الأقرب إلى الصواب، كونه ليس أسيرا للمقدسات والمسلمات، ولا مُكبَّلا بالنصوص، ولذا فخطأ العقل قابل للترشيد والتصحيح، أكثر مما هو الحال مع الفكر الديني. لأن الفكر الديني كوحي إلهي – بحسب ادعاء أو اعتقاد القائلين به – في الأصل، بقي رهينة لعقول الفقهاء واللاهوتيين والمفسرين الدينيين، الذين غالبا ما يكونون أسرى قوالب المسلمات والضرورات والتوقيفيات والتعبديات، وبالتالي فهو أي الفكر الديني كنتاج بشري واجتهاد ممكن الصواب وممكن الخطأ، لا يجب أن يكون مساوقا للدين كوحي إلهي، إذا سلمنا بأنه وحي إلهي، ذلك من قبيل أن فرض المحال ليس بمحال، هذا علاوة على أن المؤمنين الظنيين يُبقون الباب مفتوحا أمام حقيقة مصدرية الدين، إلهية هي أم بشرية، ففي حال صحة احتمال بشريتها، ومهما كان هذا الاحتمال ضعيفا عندهم، فيكون من قبيل الأولى وجوب إخضاع الدين للعقل، مع إن هناك من الدينيين اليقينيين ممن يتخذ في كل الأحوال العقل قاعدة لفهم العقيدة والتصديق بها، ولذا فهم منعوتون بالعقليين، مقابل النقليين أو النصيين أو الوحيويين. وفي حال صحة إلهية مصدر الدين، وهذا ما لا يصح عندي، فيبقى كما أكدنا مرارا الفهم الديني بشريا، وبالتالي نسبيا، فيما هو الصواب والخطأ، ويكون إذن من قبيل الأولى أقرب إلى الصواب، عندما يُعتمَد العقل ميزانا لهذا الفهم، ولتأويله بما يحقق نفي التنافر بين الدين والعقل.
وفي الخامس والعشرين من نيسان لعام 2011، وجدت أن أسمي كتابي «الله: من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، بمعنى «[تحرير] الله [أو تحرير مفهوم الله] من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، وتعمدت اختيار صيغة الجمع دون المفرد، فهي فضاءات متعددة، أي طرق فهم وتصورات متعددة لنسبيتها بسبب بشريتها، وليست فضاءً واحدا، فالنسبية توجب التعددية، أما الواحدية فهي من لوازم اليقينية.