22 ديسمبر، 2024 8:04 م

تمهيد فكري لنقد الدين 2/5

تمهيد فكري لنقد الدين 2/5

وحيث أن الفكرة، أية فكرة لا يتم فهمها إلا بمعرفة مفكرها، لا بد من أن يُوضَّح للقارئ شيء عن خلفية اهتمام المؤلف بموضوعات الكتاب الذي بين يديه. كانت بداية اهتمامي بعلوم العقيدة بشكل مركز عام 1997، عندما كُلِّفتُ يوم كنت مؤمنا بالإسلام بتدريس العقائد لطالبات إحدى الحوزات العلمية، وهي التسمية الشيعية لمدارس العلوم الدينية، ومنذ البداية وجدتني مضطرا لأن أؤسس لمنحى خاص بي، في فهم العقيدة وتدريسها، ليس رغبة مني للتميُّز، بل لأني وجدتني منذ البداية لا أملك إلا أن أفهم الكثير من مطالب العقيدة خلافا للمألوف، وخلافا للكتب المعتمدة للتدريس، ذلك من حيث المنهج وطريقة الاستدلال، ولا أنكر الفضل للمدارس الإلهية العقلية، بما فيها المدرسة الشيعية الإمامية التي كنت أنتمي إليها، التي وضعتني على الطريق، وإن كان أصحابها – حسب تقديري – لم يكملوا شوطهم إلى آخره في تأصيل مرجعية العقل، حيث عدّوا بعض الممكن العقلي واجبا، لقطع الطريق أمام تسرب الشك في بعض أهم ضرورات الدين أو المذهب، واعتمدوا التبريرية بديلا للعقلية من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون، وهذا يظهر بشكل خاص عند تناول الأصل الثاني بعد (التوحيد)، ألا هو أصل (النبوة)، وبتعبير آخر عندما ينتقلون من الإيمان إلى الدين.

البداية كانت دروسا أعطيتها لطالبات حوزة علمية في دمشق للمرحلتين الثانية والرابعة، هي حوزة المرتضى العائدة لمرجعية الراحل محمد حسين فضل الله، وبإشراف أساتذة عراقيين بالدرجة الأساسية، إما من حزب الدعوة وإما من قريبين منه. ثم درّست العقائد بالألمانية لمسلمين من جنسيات مختلفة من نهايات التسعينات ولغاية مطلع عام 2003، ولما يقارب الخمس سنوات. ثم أسهم اقتحامي لمعترك السياسة، ونقدي للإسلام السياسي، وبالتالي للفكر الديني عموما، في تنضيج رؤاي العقائدية، حتى أوصلتني التأملات والحوارات والمراجعات إلى شاطئ اعتماد المدرسة العقلية-التأويلية-الظنية للدين، كمرحلة عبور أولى، ثم انتهت بالتفكيكية القائلة بإمكان التفكيك بين الإيمان والدين على مستوى المفهوم، باعتماد مرجعية العقل بدلا من مرجعية الدين في قضية الإيمان، ثم أرست سفينة هذه الرحلة عند شاطئ (لاهوت التنزيه)، أي الثيولوجيا العقلية اللادينية المعتمدة لتنزيه الله عن معظم ما نسبت إليه الأديان. فإني وإن كنت ابتدأت بإمكان التفكيك مفهوما (أي على مستوى المفهوم للدين في عالم التجريد)، فقد انتهيت إلى وجوب التفكيك مصداقا (أي على مستوى مصاديق الدين في عالم الواقع)، تنزيها لله، وتحريرا للعقل، وتأكيدا للإنسانية.