26 نوفمبر، 2024 6:13 م
Search
Close this search box.

تمزّق العراق، والسلاح الروسي لن يجديه نفعا

تمزّق العراق، والسلاح الروسي لن يجديه نفعا

لم تطفو الازمة العراقية مع ظهور تنظيم داعش، وسيطرته على ما يقارب الثلث من الاراضي العراقية ، واجهازه على ثلثي قدرات المالكي العسكرية . الازمة كانت قائمة ، والعراق تمزّق قبل ان تطأها اقدام الدواعش ، وقد حذّرت العديد من القوى السياسية ، والقوى المهتمة بالشأن العراقي ، من الوضع الحالي ومن حدوث ما حدث على الارض . لقد حمّلت هذه القوى جميعا الحكومة الشيعية الدينية مسؤولية ما تؤول اليه الاوضاع وخطر تفكك العراق وتجزأته الى عدد من الدول . لكن السلطات الحكومية بقيادة نوري المالكي وحزب الدعوة ، اصرّت على انتهاج سياستها الطائفية باقصاء السنّة وترهيبهم، بل واذلالهم بحجة الارهاب ومحاربته . كما اتبعت نهجا شوفينيا مع الكرد ، وحاولت الحكومة الشيعية سلب كل مكاسبهم وتجريدهم من الحقوق التي حصلوا عليها في السنوات الماضية ، ومارست سياسة التجويع بحقهم ، وفرضت حصارا اقتصاديا على كردستان ، كما حاولت الضرب على وحدة الصف الكردي وتشتيته .

لا ينكر احد ما لحق بشيعة العراق من مظالم وما تكبدوه من خسائر جسام في ارواحهم البشرية ولاسباب طائفية ، وقد ظنّ المالكي والدائرة المغلقة المحيطة به ، ان سنّة العراق عموما مسؤولون عن الاضطهاد الشيعي فيما سبق ، وتوّهم ان بامكانه الانتقام منهم و(بجريرة ابائهم ). لم تهتم حكومة المالكي برفع الظلم عن الشيعة وتعويضهم عما فاتهم من فرص العيش الحر ، بتوفير الخدمات لهم ولقمة العيش وقدر من الحرية ، انما استعرت فيها نيران الثأر والانتقام ، فاشعل حربا شعواء في الرمادي والفلوجة ، واتهمت رموز السنة بالارهاب ،واغتالت قادتهم وشبابهم وأأمتهم ،واستولت على ممتلكاتهم ومساجدهم عن طريق ميليشيات شيعية تحت هذا المسمَى او ذلك ، وبدعم حكومي مكشوف وفي وضح النهار .

وضعت حكومة المالكي دستور البلاد الذي صوّت له العراقييون ، على الرف ، وجمدّت بنوده واعلنت انه لا يصلح للتطبيق ، واراد المالكي وحزب الدعوة تعطيله وحكم البلاد والعباد بالنظريات الدينية الطائفية .

في السنوات الماضية ، كان المالكي واقطاب حكمه ، يتحدثون بشوق عن اقامة حكومة مركزية قوية ، وكان يفهم منهم ، ان الحكومة المركزية القوية ، ليست الحكومة التي يدعمها المكونات العراقية ، انما هي تلك الحكومة

التي تملك السلاح والجيش فتعطل القوانين ، وتقتل وتعزل وتسجن وتغتال كل معارض لنهجها وسياستها .

بهذه العقلية، ورؤية ظهير قوى لها في المنطقة الاقليمية ، اصطدمت الحكومة الشيعية الدينية بشعب كردستان والقيادة الكردية . وكان لابد من الاصطدام ، فالكرد يحتكمون الى الدستور والى النظام الفدرالي وحقهم في استغلال مواردهم والشراكة في حكم العراق من قبل كل مكوناته، كما انهم يخشون الاستغناء عن قوتهم العسكرية . اما الحكومة الشيعية فكانت ولا تزال ترى ، انها تمثل الاغلبية وان السلطة تمنحها حق انتقاء ما يروق لها من الدستور ، وان الفدرالية تضعف الدولة ، فعملت على انهاك الاقليم اقتصاديا ، واحتكار الثروة فيه ، واضعاف قواته الدفاعية ، ريثما يتم تركيع السنّة ، ومن ثم الانقضاض على الاقليم وتهديده بالقوى الاقليمية .

هذه المنهجية في رؤى وتصرف المالكي واقطاب حكمه ، مزّقت العراق في الواقع ، وانفصل السنّة عن الحكومة ، وبدأ حراكهم لاستعادة حقوق مكونهم في عديد من المحافظات . كما الغت الحكومة الشيعية كل التزاماتها تجاه الكرد بموجب الدستور والاتفاقيات الثنائية والوطنية واشعرت الاقليم ، ان عليه الاعتماد على نفسه وموارده ، وعليه تقبل الشروط التي يفرضها المالكي ومجاراته في الصاق تهم الارهاب بمن يريد ، وممارسة دور شرطي بغداد في ملاحقة معارضي المالكي . وبلغ حنق رئيس الوزراء لحكومة الاقليم حدا ، انه رفض ، وحسب شهادة الامريكيين ، الاستعانة بالبيشمرگه ، حتى قبل يومين فقط من هجوم داعش .

اذن لم يقسم داعش العراق بهجومه في 9 حزيران ، انما وضع داعش يده على جزء من عراق قسمّه المالكي نفسه .

وعندما تبخّر جيش المالكي في لمح البصر من امام الدواعش ، حمّلت العديد من القوى السياسية العراقية نهج المالكي وحزبه المسؤولية ، وحتى القوى العالمية بيّنت ان سياسة المالكي هي التي اوصلت العراق الى هذه الازمة ، وقال الرئيس الامريكي (( ان كل قوة النار الامريكية لا تستطع حفظ وحدة العراق)) في ظل سياسة طائفية فاشلة ، وردد الاتحاد الاوربي والامم المتحدة وحتى روسيا المقولة نفسها ، واوضحوا انه يجب تصحيح المسار السياسي ، حتى السيد رفسنجاني عزا ما حدث الى عدم رضا العراقيين من سياسات الحكومة .

وحده المالكي ، يود ان يفهم الشيعة ان ما حصل ثمار (مؤامرة ) من السنّة والكرد ، ويأبى الاعتراف بفشله . لقد ابلغ قبل يومين اعضاء مجلس محافظة الموصل عند الالتقاء بهم ، ان الهزيمة في الموصل لم تكن امنية

انما سياسية . ونحن نؤيده في ذلك ونقول اليس رئيس الوزراء ووزير دفاعه وحكومته وسياساتها هي المسؤوؤلة عن الهزيمة السياسية ، الا ينبغي الرحيل بعد هزيمة منكرة بهذا النوع ، وافساح المجال لسياسيين اخرين لقيادة البلد وتصحيح العملية السياسية.

لا يبدو ان المالكي استوعب درسا او اقتنع انه لا يصلح لانقاذ العراق من محنته ، انما يحاول ان يتبع نهج بشار الاسد في تشبثه بالكرسي ،بالاعتماد على حل عسكري عقيم . فقد اوفد وزير الدفاع بالوكالة الى روسيا ونثر امامها ما في خزينة العراق من ثروة للحصول على السلاح متجاهلا مصالح شعب العراق ونصيحة اوباما حول القوة النارية العقيمة . مما ينذر بتحويل العراق الى سوريا اخرى ويتسبب السلاح في اطالة امد الحرب لسنوات دون ان يحسم المعركة ، ويبقى العراقييون وقودا لها ، يحترق لادامة سلطة حاكم صلف .

ان المالكي في عناده ، يعتمد كثيرا على الموقف الغير الحاسم للمرجعيات الدينية والتي لا اراها تنظر الى العراقيين الاّ نظرة مساواة ، لكن المالكي وقد هوّل من خطر الارهابيين ، استفاد من اعلان المرجعية الدعوة الى الجهاد الكفائي ، بالضرب على المراجع الي فهمت لعبته ، واستغلها لصالحه في المضي بحربه ضد السنّة ، في البصرة وبغداد ، وغيرها حيث تهاجم ميليشياته المصلين في المساجد واثناء صلاة التراويح ، وهم يتلقون التهديدات بالابادة في حالة عدم اخلاء مدنهم . لقد حوّلت الميليشيات الحكومية مدينة البصرة وقصباتها الى جحيم ( لاحفاد عمر واولاد عائشة ) كما تذكرهم منشورات التهديد .واصبح الحديث عاديا عن طوفان جثث الشبان السنة المغدورين ، في نهر دجلة مع كل اخفاق يصيب به جيش المالكي المذعور . وفي مقابل ذلك تترك دولة المالكي افراد البيشمركة يلاقون مصيرهم في مواجهاتهم مع الارهابيين في جلولاء وطوز وتلكيف ، ويمتنع عن تسليحهم وحتى تأمين المؤن لهم . بل ان ابواقه الدعائية تتهم كل معارضي سياسته الهوجاء بالارهاب ، حتى وانهم يتصدون للارهابيين .

ان الكثير من الجهات المعنية ، ومنها الامين العام للامم المتحدة يعولون الان على جهود المرجعية لانهاء الحكومة الطائفية ولم الميليشيات التابعة لها، وايقاف الحرب ضد السنة وحملة التشهير والتهديد ضد الكرد. والا فالتقسيم تحصيل حاصل ولن يمنعه كل ذخائر الروس والصين وامريكا .

أحدث المقالات