بعد ثلاثة اشهر من التاخير فى تقديم وحسم ميزانيه عام 2021 جاءت اخيرا ليست مخيبه للامال وانما عدائيه للشعب والوطن الذى يعيش ازمات وكوارث متواصله منذ صعود امراء المحاصصه الى السلطه. ان كل دول العالم المتحضره التى يقودها سياسيون يحترموا انفسهم ومسؤلياتهم يقدموا الميزانيه بالوقت المحدد لانها تمثل خريطة الطرق لسنة كامله والتى تقوم على حسابات دقيقه, تنطلق مبدئيا من تقييم موازنة العام المنصرم, على مدى نجاح تلكؤ وفشل الاداء الحكومى فى تحقيق الاهداف التى قامت عليها, وهذة عملية ليست بسيطه ولكنها غير مستحيله وذلك لوجود البيانات حول مصير الاموال التى خصصت لكل وزاره او مؤسسه حكوميه, انها حسابات اقتصاديه دقيقه, ارقام ووصولات وشواهد ماديه على الاعتمادات المخصصه وما تبلور عنها, ولايمكن لاى مسؤل ان يتحايل عليها ويقدم بيانات دون سند مادى. اذا تساهل معه رئيس الوزراء او زملائه الحزبيين فان المجتمع المدنى ووسائل الاتصال الجماهيريه تكتشف مواطن الخداع والاحتيال والسرقه, ويكون مصير هذا المحتال ورئيس الوزراء مصيرا بائسا ولايمكن ان يستمر فى عمل يقوم على اساس المسؤليه الاجتماعيه. على ان العراق منذ الاحتلال ونظام المحاصصه يسير على رأسه وليس على قدميه قد بات واضحا للجميع وهذه الحاله قد اصبحت كارثه مجتمعيه, ان المشى على الراس لا يوصل الى الاهداف المجتمعيه المنشوده, والحقيقه ان امراء المحاصصه ليس لديهم اهداف مجتمعيه وانما اهداف وطموحات شخصيه فى الثروه والسلطه والوجاهه. ان تأخير تقديم الميزانيه وتصديقها من قبل المجلس النيابى لم تختلف عن سابقاتها لانها جميعا قامت على حسابات ومعادلات سياسيه محاصصيه وليس على حسابات وخطط اقتصاديه تنمويه, ولما كانت هذه الموازه سياسيه فلا خير فيها , انها اتفاق السياسيين حول مواقعهم واستمارهم.
تمت الموازنه فى الوقت الضائع بولاده قيصريه وباتفاق على ما كان يصور كخلافات جوهريه لايمكن تجاوزها, وبذلك فقد كان محاض الثلاثه اشهر الذى شغلوا البلاد والعباد ضروريا ملزما وكان ضروريا لفرسان المحاصصه ليعيشوا نشوة الفاهم المقتدر. كان يمكن ان يحصل الاتفاق سريع فيما بينهم فى اجواء من الهدؤ وتقاسم الحصص بتوافقات معهوده وتجارب وممارسات سابقه مع اخذ بنظر الاعتبارالاخذ ببعض المستجدات, ولكن الحضور المستمر للنخب السياسيه فى وسائل الاتصال وخاصة فى الفضائيات باناقتهم المفرطه تعويضا على الجهل واللامبالات وانعدام المسؤليه, يمنحوا انفسهم نوعا من الدرايه والاهميه. خرج المتحاصصون بعد تصديق الموازنه من قبل البرلمان راضين عن انفسهم وكان الحاله كانت مستحليه وتهدد بخطر وجودى, ولو كان هذا حاضرا فعلا لما تم اتفاقهم بين ساعة واخرى وخلافا للتعهدات التى نطق بها بعض نوابنا الاشاوس. والحقيقه انهم يجب ان يكونوا سعداء بما توصلوا اليه فلم يخرج احدهم خالى الوفاض, خاصة انهم حققوا احتياطاتهم للانتخابات المزمع اجرائها هذا العام والتى سوف تضمن استمراريتهم فى السلطه والفساد والتنكر للشعب والوطن. عندما نؤكد على ان العراق منذ الاحتلال 2003 ونظام المحاصصه يمشى على رأسه فهذه المقوله تجد شرعيتها من ضخامة الميزانيه التى قدمتها الحكومه والتى تجاوزت جميع الميزانيات التى كانت تعتمد على بيع النفط باسعاره المرتفعه عالميا. الا ان اسعار النفط فى ايام تصميم الميزانيه قد تراجع الى حوالى 30% واعتمد سعر 42 دولار للبرميل من ناحية اخرى فقد كانت الحكومه تتكلم عن عجز فى السيوله النقديه وعدم توفر الاموال الضروريه لرواتب الموظفين والمتقاعدين ويرسموا خطر الافلاس وضرورة العمل. فى مثل هذه الحاله تشرع الدول الحقيقيه والشخصيات المسؤله فى تصميم ميزانيه تواكب الامكانيات الماديه المتوفره وتشرع فى ميزانيه تقشف وضبط المصروفات والاخذ بالضرورات الملحه لحين توفر ظروف مشجعه, اما ان السيد وزير الماليه يضع ” ميزانية دى لوكس, ترف ونرجسيه”وكابه يعيش فى سويسرا, ثم يعتمد فى تغطية العجز على الاستدانه المحليه والاجنبيه فهذا المبدأ غير مسؤل , خاصة وان العراق مثقل بالديون الخارجيه. ان الدول تحاول جاهدة تفاديه عملية الاقتراض للنتائج الوخيمه التى تترتب عليها, عدا ذلك فأن سداد فوائد الديون العراقيه قد تجاوز بضعة مليارات. ان السؤال يفرض نفسه عن الاسباب الموجبه لعدم تفعيل موارد الدوله من المنافذ الحدوديه الكمارك والمطارات, الضرائب بانواعها والديون المترتبه على شركات التليفونات النقاله التى تبلغ بضعة مليارات وليس هذا فحسب وانما تقليص الاعداد الهائله للدرجات الخاصه والمستشاريين ورواتب الرفحاويين والفضائيين والديون المترتبه على اقليم كردستان, وليس اخيرا وبشكل خاص رواتب وامتيازات الرئاسات الثلاثه التى تقدر ب 18-20% من الميزانيه العامه. السيد وزير الماليه هو المتخصص المالى الوحيد فى الوزاره الحاليه, هو يعلم ذلك ويعلم ان المحيطين به لا يدركوا ابعاد ما يقوم به خاصة عندما يبرر ذلك بنظريات البنك وصندوق النقد الدولى. ويبدو لى من ان السيد الوزير لا ثعرف من العراق الا المنطقه الخضراء وليس له علم بمعاناة العراقيين, فهو قد حفض سعر الدينار العراقى امام الدولار من 1118- 1450 وهذا سوف يؤدى الى مشاكل اجتماعية كبيره و خاصة ان اعداد العاطلين عن العمل ومع تزامنها مع كارثة الكرونا قد صعدت من نسبة الفقر والافقار, ومع زيادة اسعار المواد الغذائيه وعدم ايفاء الدوله بالحصة التموينيه تجعل العائله العراقيه فى ازمة مستمره. ان السيد الوزير ينطلق من تخفيض سعر الدينار امام الدولار سوف يزيد الطلب على البضائع العراقيه, الا ان السيد الوزير كما يبدو ليس له علما بان المنشئات الصناعيه معطله عن العمل منذ سنين والقطاع الخاص قد سلم امره الى الله وحينما نشط المزارعون انغلقت امامهم امكانيات التصدير لان الضائع المستورده تصل السوق العراقيه مدعومه من حكوماتها وليس لديها معضلة الكهرباء الرشاوى والاتاوات. ان الصين ودول اخرى تتفاعل مع السوق العالميه وتخفظ من عملتها بين حين واخر وتشجع الطلب على منتجاتها كى تستطيع المنافسه. هل تعلم ايها السيد الكريم, ان العراق المنتج الاكبر للتمور لا تجد تموره مكانا فى اسواق اوربا علما بان التمور الايرانيه والتونسيه والاسرائليه وحتى الليبيه تجدها بالاسواق الاوربيه.
ان الورقه البيضاء الى ان يتم العمل بها وتستوعب بعضا من العمال والفنيين يمكن ان يحصل فى احسن الاحوال فى الخمس سنوات القادمه, وبما ان الجهاز الادارى قد تخلى عن اخلاقيات العمل واصبح جزءا من الفساد المالى والادارى فان مصير الورقه البيضاء ستكون كمثيلاتها من الوعود الكاذبه التى تحرق الملايين ولا تقدم شيئا يستحق الذكر.
اذا تتبعنا مسيرة وسياسات الحكومات السابقه نجد ان المشاكل والكوارث تزداد عمقا, وكانت فترة وزارة السيد عبد المهدى تمثل تطورا نوعيا فى استخدام العنف والسلاح الحى ضد المتظاهرين الذين تطورت حركتهم واخذت تطالب بوطن يعيشوا ويعملوا به مثل بقية البشر, الا ان حكومة المحاصصه قابلتهم بالسلاح والارهاب والقتل وكانت الحصيله الاولى 800 شهيد وحوالى 30 الف جريح ومعوق. ان السيد عبد المهدى وضع الاسس التى يجب ان تقوم عليها العلاقه بين العراق وشركات النفط العالميه ويشير الى ان تكون كما كانت قبل تاميم النفط فى السبعينات, يعنى ان نسلم امورنا ثانيه الى الشركات الاحتكاريه, انه ايضا الذى شرع للاكراد تصدير النفط بالاسعار العالميه بعدما كان تشتريه منهم تركيا بـ 10 دولار, ولم يضع ضوابط لتسليم الاكراد 250 الف برميل لشركة سوما الاتحاديه. ان اوضاعنا الكارثيه تزداد سؤا يوما بعد يوم, كما ان ميزانيه 2021 نتيجه وليست سبب, فالسيد مصطفى الكاظمى وعد بالكثير وانه سوف يقوم بوضع حدا للسلاح المنفلت وارهاب الفصائل المسلحه وتقديمهم الى القضاء لم يحصل اى شىء لحد هذه الساعه مما وعد به, حتى ان المليشيات قد فرضت نفسها عليه وابلغته موقعه ومكانه واخذت بعض فصائلها تستعرض قواتها المسلحه علنا فى شوارع بغداد. ان السيد الكاظمى من الخطوره بمكان لانه لايقوى على القيام بشىء, ذلك ان وجوده واستمراره فى السلطه يقوم على رضى القوى المحاصصيه الى اجلسته فى هذا المنصب, وهو فى تناقض مستمر, اوقف رواتب الرفحاويين واعادها ثانية باثر رجعى, يؤيد ميناء الفاو الكبير ولا يحرك ساكنا لاحتلال القرار فى مؤسسة الموانىء العراقيه من قبل احد القوى الشيعيه ومنح العقد لشركه دايوالكوريه. من ناجية اخرى ان الاختصاصيين يعارضوا الربط السككى مع ايران والكويت لما له من اشكاليات كبيره على الاقتصاد العراقى ولكنه وافق قبل بضعة ايام على الربط السككى مع ايران دون رعاية للمصالح العراقيه. اما عن السيد وزير الماليه فهذه مشكلة بحد ذاتها, انه كما يبدو ليس متواصلا مع حركة الاقتصاد العالمى والتتطور فى النظريه الاقتصاديه. ان مرحلة الليبراليه الاقتصاديه والحركه الحره للرساميل والتجاره والاستثمار تخضع الان, على انعكاسات كارثه كورونا, الى اعادة نظر وتقويم جديد للمرحلة القادمه. ان سياسته فى الانتقال السريع لاقتصاد السوق غير مبرره فى ظل اوضاع البلد المتدهوره خاصة عجز النظام الادارى فى تحمل والمسؤليه وادارة اقتصاد هذه العملية المتسارعه. ان الاتجاه نحو بيع المنشاءات الاقتصاديه المختلفه للدوله بما فى ذلك المنشاءات النفطيه ومحطات الكهرباء والاراضى الزراعيه سوف يهدد مقومات الدوله الماديه ويصبح العراق العوبه بيد الشركات الاجنبيه والمستثمرين الاجانب وسارق المال العام من العراقيين. كما ان بيع عقارات الدوله بدون ضوابط وتقييمات اوليه من قبل جهات اختصاصيه محترفه, ثم ان يتولى القيام بها احد المدراء عمل غير مسؤل وجريمه بحق الدوله والشعب يودى الى تعاظم الفساد والسرقه والاحتيال ويجب ان يوقف العمل بهذا الاتجاه حالاا. ان اشكالية تخفيض العمله العراقيه امام الدولار وتبررها من انها قد عملت على رفع درجه ائتمان البنوك العالميه, البنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى تسهيل القروض للعراق يفسره السيد الوزير برصانه الاقتصاد العراقى وستراتيجيته الصحيحه فى تطوير الاقتصاد. ان هذه البنوك تحاول جاهده اخضاع العراق الى شروطها الى درجه يصبح بها غير قادر على السداد ويصبح لقمة ساغه وتنتهى بعد ان فقدمقوماته الماليه. ويؤكد السيد الوزير بان الاحتياطى العراقى فى البنك المركزى قد ارتفع. ان هذا الارتفاع لم يحصل عن تطور ونمو حقيقى للثروة الوطنيه نتيجه لتطور القطاعات الاقتصاديه والخدميه وزيادة موارد الدوله على نفقاتها وانما مجرد زيادات دفتريه لا قيمة لها ويجب الابتعاد عنها. ان لقاء السيد الكاظمى الذى يعانى من مركب النقص امام وزير ماليته دكتور الاقتصاد والباحث فى البنك الدولى سابقا يجعل منه تلميذا مبهورا امام الخبير والمتخصص الكبير ويوافقه على كل ما يدلو به. ان هذه الوزاره تشكل خطرا كبيرا على مستقبل العراق لانها لا تعمل على انتشاله من الكوارث والازمات وانما تعمل بشكل ادرى او لا ادرى على تعظيمها وتغلق امام الشعب افاق المستقبل وعراق لابنائه الاوفياء الاحرار.