18 ديسمبر، 2024 9:12 م

تمثيليات عالمية بإمتياز

تمثيليات عالمية بإمتياز

إحترق بيت الكاذب، ولم يصدقه أحد، ومات سياسي؛ فتساءلوا: ماذا يقصد بموته؟ وقرأ أحدهم على شاهدة قبر “هنا يرقد السياسي الصالح فلان” فقال: هذه جملة متناقضة؛ إذ لا تجتمع السياسة والصلاح، ولنا إسوة حسنة بحكمة الامام علي.. عليه السلام: “لو لا التقوى لكنت أدهى العرب”.

حصيلة مجموع الكذب والمواربة والايمان بالرأي ونقيضه، تكرسها مقولة ونستون تشرشل: “ليس في السياسة صديق او عدو دائمين”.

وهذه هي حال العلاقات الدولية، التي تتطلب مرونة في التعاطي مع المحيط الدولي؛ لأن الحكومة في أي بلد عاجزة عن التحكم بأهواء المحيط الدولي، لكنها تعرف جيدا كيف تحمي مصالح شعبها، تلك هي المنطقة التي تستميت في الحرص على لملمة أبعادها عن دراية وإحاطة تامة.

فالارادات الكبرى تحبك سيناريوهات درامية في تمثيليات معدة جيدا؛ من منطلق مصالحها، التي قد تتطلب.. بين ليلة وضحاها.. التنكر لطروحات سبق ان دافعت عنها، متنصلة من إتفاقات وعهود ومواثيق أخلاقية.

سيناريوهات معظمها منسوج مخيلاتيا، لكنها ترسخ أكثر من الواقع، وبالتسقيط الهندسي عند إجراء مسح ميداني على واقعنا.. نجد واقعنا ضعيفا نتيجة همجيته، بينما تلك الارادات تضخ وهم خيال قوي.. شديد الحضور.. يؤثر في حياتنا بشكل يضمن مصالحهم؛ لأن خيالهم أنيق.. رشيق.. متحضر، مستوفٍ دعاماته؛ فيلزموننا بتصديقه ومعايشة الوهم الذي يعدونه ليكون أبلغ من الواقع.

العالم في صراع مناهج ستراتيجية، نحن أوهى من الإشتراك في هذا الصراع.. ربما يشركوننا بإعتبارنا الحذاء التي يهينون بعضهم البعض بها؛ والدليل هو ان إيران وأمريكا تتحاربان على أرضنا.. داخل العراق.. بينما سفنهما الحربية تلتقي في عرض البحر ولا تتقاتل.

نتحمس لقضاياهما، بينما معضلاتنا الملحة عالقة من دون حل، وكل هذا ناتج عن كونهم يجيدون بناء التمثيليات، وأبلغها توفر اربعة طوابير، في ايران، لن تقاتل أمريكا بأي منها؛ إذا تداعت الأحداث الى حرب عسكرية سافرة، إنما تقاتلها بالطابور العراقي الخامس! من خلال سيناريوهات طائفية قائمة على خيال بليغ، يمارس نوعا من هيمنة عاطفية توظف المقدسات الجليلة في تقديم شعب العراق قرباناً عن آخرين.

الآخرون.. حتى أولئك الذين نذبح فداءهم، يقيسون مواطئ أقدامهم والخطوات التي يتخذونها، بموجب مصالحهم الآنية والمستقبلية، لا يعنون بنا او بغيرنا، عند التسقيط الهندسي لمسح المواقف ميدانيا؛ فهم رعاة “داعش”.. لا أبرئ أحدا؛ كلما إستجدت مصلحة لأحدٍ في لوي ذراع الآخر؛ حرك خلاياه النائمة في العراق؛ لتفجير مصالح نظيره، ساحقا آلاف العراقيين من أجل قتل جندي واحد من جيش غريمه.

وبرغم ذلك يطوع الطابور الخامس موقف العراق لمصلحة أسياده في الخارج، بقوة الدولة العميقة، من خلال سيناريوهات تمثيلية معدة بحبر من دم! و”هيلة على من يعارضهم” لأن السياسة من دون أخلاق والقاتل لا يفكر…

ثمة دعوة صريحة من الشعب العراقي الى تبني حكمة تشرشل: “ليس في السياسة صديق او عدو دائمين” إنما مصلحتنا كأمة عراقية أولى الاولويات، بإحترام ندي للآخرين، من دون أن نسفح وجودنا فداءهم.. إقتصاديا وأمنيا.