19 ديسمبر، 2024 6:32 م

تمثلات الواقعية الرمزية في القصة العراقية الحديثة (شظايا أنثوية) أنموذجا

تمثلات الواقعية الرمزية في القصة العراقية الحديثة (شظايا أنثوية) أنموذجا

للقاص رحمن خضير
شظايا أنثوية مجموعة قصصية صادرة عن دار تموز لسنة 2016 للقاص رحمن خضير .تتشكل المجموعة من ثمانية قصص هي :ساعة جدارية ،أغنية تحت المطر ،وجدة .. وأحزانها الصغيرة ، السفح ،آلة الجوزة ألبغدادية ، الضفدعة الحجرية ، شظايا أنثوية ،الرجل الآلي) .تمتاز المجموعة بالأسلوب السهل غير المتكلف في سرد حكاياتها التي تتباين طرق سردها للأحداث مابين أسلوب السير ذاتي أي بضمير (أنا) و الروي المباشر بضمير (هو)انعكس ذلك على فضاء القص بالإيجاب مما أعطى للكاتب مساحة اشتغال أوسع وأرحب في اختيار عوالم قصصه .ما يميز المجموعة هو خيطها الرابط الذي تنتظم فيه جميع قصص المجموعة حيث يمكن للقارئ استشعار ذلك بسهولة، يبدأ هذا الخيط من العتبة الأولى للعنوان شظايا أنثوية وهي القصة السابعة في المجموعة وهو ما يعزز من أهمية هذه القصة حيث يرتكز هذا العنوان على بعدين أساسيين الأول هو تشظي المكان والزمن داخل قصص المجموعة على أكثر من مكان ومدينة وحدث (بغداد ، مراكش،اتاوة ) أما البعد الأخر هي الأنثى التي تشكل الحلقة المفصلية ما بين الواقع والخيال كونها المحور الأساسي في جمع خيوط قصص المجموعة باستثناء قصة (الرجل الآلي) التي تختلف في الأسلوب وطريقة البناء التي تعتمد الواقعية النقدية المباشرة في أحداثها عكس باقي القصص التي كانت تشترك بطريقة وأسلوب سردي واحد وهو التداخل ما بين الواقعي والرمزي أي الحلم بديلا لليقظة وبالعكس وهو ما يكشف قصدية الكاتب في السعي لتخليق واقعا جديدا قادر على تخفيف حجم الاغتراب و التشظي التي تستشعرها الذات العراقية في تمثلها للعالم، بعد أن بعثرتها يد السياسة وهو ما يبشر بولادة رؤية جديدة للسردية العراقية .
الواقعية الرمزية :
اعتمد الكاتب في تأثيث عوالم قصصه على تعالق ثيمي مابين الواقعي والرمزي عبر جدلية تبادل الأدوار فيما بينهما حتى أننا نكاد لا نجد حدود فاصلة ما بين الاثنين أي أنصاهر الواقعي في الرمزي و الخارجي الموضوع في الداخلي الذات وذلك لإعادة رسم الحياة/العالم برؤية جديدة تمكن أبطال القصص من تجاوز صدمة التشظي وهو ما يحسب للكاتب .في القصة ( ساعة جدارية ) نجد هذا التداخل والتعالق حين يقرر بطل القصة شراء شيء يذكره بالوطن الغائب (العراق) ليجد ضالته في محل كتب على واجهته (الرافدين للبقالة) بالغتين الانكليزية والعربية وهي دلالة منشطرة مابين زمنين، زمن رمزي تاريخي (الرافدين ) الذي يحيلنا إلى نهرين خالدين شكلان العراق عبر تاريخه وحضارته الموغلة في القدم ،وبين زمن واقعي معيش ألان وهنا محل البقالة وهي أشارة سسيو- تاريخية أي عراق ما قبل الاغتراب – وما بعده ألان وهنا ،يصف لنا الراوي المشارك ذلك ( حينما دخلت (الرافدين للبقال) اصطدمت بروائح البطنج،والنعناع ،ممزوجة برائحة الهيل والسمك وأنواع البهارات …في الجدران صور لشارع الرشيد وتمثال الحرية وكرادة مريم )ص10 ولتعميق هذا التداخل مابين الواقع والرمز يعثر على ساعة جدارية على شكل خارطة العراق يحتضنها وكأنه يحتضن العراق الذي غادره بسبب البطش السياسي والحروب لتشكل للبطل ؛ البديل والمعادل الموضوعي لعراق الحضارة والجمال قبل الاغتراب ، (تلمست الجبال في سقفها العلوي ،حيث التضاريس الملونة ، ثم انحدرت يدي لتلامس السهوب الحافلة بالقمح ، نزولا إلى اهوار الجنوب )ص11كما نجد نفس هذا التعالق والتداخل في قصة آلة الجوزة وهي آلة موسيقية بغدادية يسعى بطل القصة صنع بديلا عنها بعد ما أخذت منه عنوة في مطار بغداد أثناء عودته إلى كندا بحجة منع خروج الآلات الموسيقية ، كذلك في قصة الضفدعة الحجرية أيضا نجد نفس هذا التعالق القائم على توظيف المتخيل الرمزي – في عمق المعيش السائد الواقعي، وذلك عبر كسر الحدود المصطنعة ما بينهما داخل النص من خلال وسيط حيوي (اللغة )التي تسهل عملية التبادل والتداول ومن ثم التواصل الثقافي والمعرفي مع( العالم ) عبر النص وفق جدلية موت /حياة ، غياب / حضور لذا كانت الأحداث في اغلب قصص المجموعة تتحرك باتجاهين الأول عمودي رمزي (الساعة ،الضفدعة ،آلة الجوزة) وهو اتجاه يتحرك خارج الزمن الآني لذا هو خالد رغم تشضيه وموته ، أما الأخر يتحرك أفقيا باتجاه الواقعي المعيش ضمن زمن إني متغير ( المرأة، الوطن ، الأصدقاء) وذلك لخلق علاقات جديدة قادرة على منح الأشياء (العالم) من حولنا بعدا وجوديا متغيرا أكثر عمقا وتأثيرا ولا يتم ذلك ألا بتجاوز الماضي بالحاضر للوصول إلى المستقبل ، لذا نجد إن هذه الجدلية موت/حياة هي من ترسم الأفق الوجودي الجديد لدى أبطال القصص ،توقف الساعة عن العمل ،وفشل الة الجوزة ،وصمت الضفدعة الحجرية كانت بداية لحياة جديدة رغم صمتها الرمزي لكن ظلت تمثل لأبطالها أشارة أمل وانتظار لمستقبل أفضل حافل بالتطورات لذا لا سبيل لاستعادتها ألا بالانتظار الذي يتجلى في مقولة الصوفي الكبير جلال الدين الرومي( الشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بكلمات ، لا يمكن إدراكه إلا بالصمت) وهو ما يكشف عن تحول كبير في الرؤية السردية للقصة العراقية الحديثة يحقق تميزها الفني .

أحدث المقالات

أحدث المقالات