23 ديسمبر، 2024 11:52 ص

ليس من طبعي ان اكتب مقالا او حتى منشورا تحت تاثير تعاطف او استفزاز او اي حالة وجدانية مؤقتة او خاصة ،لأن هذا مخالف لأصول الكتابة النقدية خصوصا ، سواء في النقد الاجتماعي او السياسي او الأدبي . النقد يفقد مصداقيته ويحيد عن هدفه ويفشل في تحقيق غاياته ان خضع للحالات النفسية او الظروف الذاتية للناقد ، لذا فانا لا اؤمن اصلا بوجود مدرسة النقد “الذاتية” فعندي هي محض تسلية ، ولا نقول ايضا مقابلها “المدرسة الموضوعية” لان النقد كله يجب ان يكون موضوعيا ويتجرد عن الذاتية والا ماعاد نقدا وانما رأيا او انطباعا او تعبيرا عما تهوى النفس.
لذا فاني هنا احوّل تنويها مقتضبا اردت نشره لخاصة اصدقائي ومن معي على متصفحي حول انزعاج بعض النسوة مما اطرح احيانا ، ومغادرتهن بعد إذ رأين ان لاحيلة في النقاش ولاحجة في الجدل ولا قدرة على المطاولة ، مع ضغط الالم الذي تسببه لهن تلك الافكار ومن يؤيدها من الاخوة المشاركين رأيا او تعليقا-
اردت تحويل التنويه او جعله مقالا يحيط-ان استطعت- بالامر من جوانب عديدة اراها مهمة ونافعة لهن وللاخوة ولي. فلابد مثلا ان أبين ان النساء كما الرجال لسنَ في مزاج واحد ولا معتقد واحد ، فكثير من الفاضلات معي احيانا يشاركنني الراي و ان كان قاسيا على المراة من جانب ما ، ويتابعن ويواصلن القراءة والنقاش والاعتراض احيانا باساليب مفيدة و راقية و احيان كثيرة يلزمنني الحجة و اقرّ لهن بذلك ولا غرو.
لكن نوعا آخر من الفاضلات لم يحتملن مايقرأن إما لانه حقيقة مرة لايرغبن بسماعها كما عادة كثير من الناس ، او لقناعتهن انني اتحدث خطأ و ظلما ولكن لاقدرة لهن او لاداعي للمحاججة والنقاش فينسحبن بهدوء او ربما يبقين على المتابعة دون تعليق او مشاركة، و انا اقدر ذلك و احيّيهن عليه ايضا،
لكن النوع الثالث هو الذي يبرز الى السطح من حين لآخر وتلكم اللواتي اريد التحدث عنهن الان ، تلك المراة التي لاتختار طريقا من اثنين ذكرتهما و انما يتابعن ويصمتن كثيرا حيث لامجال لمقارعة حجج و وقائع ، ثم يترصّدن كلاما اقصر و اقل تعقيدا او تفصيلا فيهاجمن بصيغة الدفاع عن راي او رد الطرح المعين ، والى هنا ولا بأس من المناقشة او حتى انقطاع كثير من النساء عن المتابعة والغائها نتيجة آراء نقدية او فلسفية لاتناسب مايؤمنّ به او مايسعين اليه او مايحاولن نشره وتثبيته بين بنات جنسهن و بين من يدعم افكارهن المتحررة من رجال المصالح ، لكن هذه المرة بطريقة الهجوم الشخصي او محاولة جر الامر الى شان عائلي وهذا لايجوز في عالم الكتابة و الافكار و الآراء العامة. فاضطر لعدم الرد او الاهمال او احيانا منعهن من المتابعة تماما بالغائها من طرفي.
الحقيقة ان لهذا الأمر سبب ، اقصد امر تطاول هذا النوع من النساء وهجومهن دون لياقة على هذا النوع من الكتابات او من يكتبها ، هو علّة التمادي عند المراة وفي طبعها ، وهذا ما اردت بيانه في مقالي هذا ، و ماكان هو مقدمة لتوضيح سبب هذا المقال ونشره اليوم اثر ماحصل من انزعاج وتعليق منفعل لبعض السيدات لمنشورَي امس وقبله.
فلسبب كثرة المناداة بحقوق المراة حول العالم وحولنا بالخصوص ،اذ تشكل منظمات الدفاع عن حقوق المراة والحيوان ارقما خيالية لاتقارن بكل ماعدا ذلك من منظمات الطفولة والايتام والعاجزين والمحاربين القدامى ومعتقلي الراي “مجتعمين” ، وانتشار موضة “دعها تلبس “تخلع” ، دعها “تغري” دعها تمر” و تمتعها بالدعم من جهات ورجال ذوي اغراض او ذوي “جينات -غيرة- معدلة وراثيا” ، وحصول المرأة عندنا اليوم على مساحة اكبر من التحرر و التحرك والتعبير و تمكنها من وسائل اظهار نفسها وافكارها بل وجسدها ومفاتنها ايضا و عرضها على الجمهور ليل نهار “مجانا” و دون رقيب او حسيب من دولة او قانون او رقابة رجولية ، لتلك الاسباب تمادت النساء -وعندما اطلق النساء فاقصد الاكثرية- ولا زال في الأقلية بركة ، اقول تمادين كثيرا في ذلك حتى صارت الواحدة منهن وبعد الترويج والصفحات واليوتيوب والقنوات والجيوش الالكترونية المكثفة لدعم ذلك و تماهي انظمة الدولة معهن ، صارت الواحدة تظن ان هذا هو الوضع الطبيعي وان هذه الخلاعة والتفلت والظهور والنشر المتعمد حق مكتسب وحرية شخصية لاتقبل النقاش او الاعتراض من اي شخص عام او خاص ، بل الأدهى هو انها بدات تعتقد ان منع هذا الاعتراض ليس فقط عن انتقادها بالاسم ، بل ايضا صار لايحق-في نظرها- لأي احد حتى ان يتكلم في الظاهرة عموما او في شأن المراة عموما او في شأن المجتمع ايضا! فتهاجمك بشراسة اذا راتك تعطي رأيا في شان نسوي و إن كان عاما و مؤثرا على مجتمع انت جزء منه ، والغريب انك او انها اذا هاجمتهما الرجال وافعالهم وسياستهم و قسوتهم وخداعهم وخيانتهم وتقصيرهم بل حتى شؤونهم الشخصية فلا بأس ولا تثريب عليها او عليك ، لكن ان تتكلم في شان المراة عامة ووضعها في المجتمع والظواهر التي استحدثتها وخربت بها خلق المجتمع وانحراف المراهقين نتيجة ذلك و افساد طالبات المدارس برغبة المشاهدة والتقليد و و،،، فهذا كله محرم تناوله ولا يجوز ! كأنك تنتقد صدّام ايام حكمه.
والحق ان هذه نتيجة متوقعة علميا عندما تعطى المراة الحرية المطلقة دون رقابة او حدود ، فالتمادي هو جزء من طبعا وتكوينها وياتي من احساس داخلي يتبع في الاساس احساسها وشكايتها من السيطرة الذكورية على المجتمع ورغبة مكبوتة للتخلص منها حتى وان لم تكن شخصيا تحت سلطة رجل معين اب او اخ او زوج او قريب. و انما هو شعور عام تحمله النساء بين اضلعهن وفي عقولهن حتى في اكثر المجتمعات تحررا حول العالم اذ ياتي هناك من عقدة التفوق لذلك تقوم المراة عندهم بالتمادي في صراع المنافسة ان اتيحت لها الفرصة فيبدو قتالا وليس اعمالا، وكذا فلذلك تقوم المراة عندنا بالتعبير عن تلك الرغبة -عند سنوح الفرصة- ولكن بالتمادي بالتحرر والتمادي بالانفلات والمبالغة بالاستغلال المادي والمعنوي لتلك الفرصة والوضع الحديد. وهذا يفسر لك ماتلاحظه-ان كنت ممن سافرت الى بلاد الغرب- مبالغة العربيات مثلا او الشرقيات عموما بالانفلات هناك -في حالة انفرادهن- للحد الذي يتفوقن به على اهل البلد نفسه من المتحررات اصلا ، و قد سمعت كثيرا من نساء اجنبيات انتقادهن لنساء عربيات امامي حول تماديهن في التحرر ليس في الملبس والمظهر فقط وانما في امور اخرى اخطر و اكبر ، و بعضها اقذر.
لذلك في الشريعة الاسلامية وايضا في الشرائع السماوية الاخرى التي يتبعها مليارات البشر اليوم وضعت حدود للمراة وفرضت عليها قوانين تحد من انفلاتها او تقيد انفلات تصرفها من قبل الله سبحانه وتعالى في كتبه او على لسان انبيائه ، وجعل الرجل قائما عليها في اغلب الأحيان والسبب هو علة التمادي المجبولة عليها والتي ارادت الشرائع تداركها ، وترى بعينك اذا اعطيت المراة قيادة زوجها في العائلة كيف تتمادى وماذا يحصل له ولعائلته الاصلية و لعلاقاته الاجتماعية بل وعمله ايضا ، واذا اعطيت حق الطلاق وغير ذلك مما اشرنا اليه سابقا في ثنايا المقال ، فالشرائع السماوية وقوانين بعض البلدان الوضعية ايضا و اعراف بعض المجتمعات شرقا وغربا لاحظت ذلك وتعاملت معه في نصوصها القاطعة او مفاهيمها المستقاة مما وراء النص او من عادات توارثتها الاجيال ولم يعترض عليها احد اذ انها اثبتت صناعة مجتمعات ناجحة وعظيمة ،امامك امثلة المجتمعات الاسلامية لقرون وبريطانيا وبعض اوربا لفترات طويلة و آسيا واليابان والصين الى الآن ، و امامك ايضا الانحدار الحاصل فيمن تخلى عن ذلك وكيف وصلت بمجتمعاتهم الامور -ومجتمعاتنا على الطريق- إن لم تتم السيطرة على هذا التمادي الخطير ومتابعته وتشذيبه وتهذيبه وتقنينه.