19 ديسمبر، 2024 12:27 ص

كنت قريبا من فتاتين أثناء وقوفي أمام أحد المحلات لشراء بعض الأشياء،قالت أحداهما  لصاحبتها أنظري لذلك الشاب ،وبدافع الفضول حولت نظري الى حيث أشارت تلك الفتاة ،فإذا بي أرى – وليتني لم أر-  وجها لعروس في ليلة زفافها،كان ذلك الشاب قد  طلى وجهه بتلك المساحيق التي تستخدمها النساء مع شعر طويل يقسمه مفرق رأسه من المنتصف أحيانا ينسحب على العينين فيأخذه بأصابع أحدى يديه لإزاحته بين لحظة وأخرى مع ميلان الرأس الى الوراء بحركة خفيفة،أما الملابس فقميص ذو الوان صارخة مفتوح الأزرار العليا من الأمام يكشف عن قلادة تتدلى من الرقبة وبنطلون حشر على جسمه حشرا حتى يخيل للناظر أن الخياط قد قام بخياطة ذلك البنطلون على جسمه وهو واقف قرب ماكنة الخياطة، كانت بين اصابعه سيجارة يضعها في فمه وينزلها  مرة بعد اخرى مع نفثة دخان يطلقها اثناء وقوفه في ذلك المكان .اردفت الفتاة بعد ذلك قائلة :ماذا أبقوا لنا ؟ هل يصح هذا التصرف بمنطق الغيرة والرجولة؟ ألا من رادع لمثل هذا السلوك الخارج عن الأخلاق ؟.
غادرت الفتاتان المحل وحديثهما لم ينقطع بخصوص الموضوع. وبعد ان أنتهيت من شراء ماأردت شراؤه غادرت المحل أيضا ولكني بقيت أفكر بما دار بين الفتاتين من كلام ،لقد قادني التفكير الى البحث في أسباب نشوء هذه الظاهرة ،وما الذي يدفع بعض الشباب الى الظهور بهذا المظهر؟من المؤكد هناك أسباب وراء كل ظاهرة اجتماعية،وإذا أردنا أن نستقصي أسباب الظاهرة المتقدمة،فان الموضوع يحتاج الى طول بحث من قبل المختصين ولكن باختصار نقول : أن الانفلات الذي حصل بعد 2003 والتفسير الخاطئ لمفهوم الحرية نتيجة التحول الفجائي في جوانب الحياة المختلفة ،جعل البعض ينظرون الى الحرية والديمقراطية ،على انها تمرد على كافة القيود ،والحال ان  كثير من القيود كالتشريع الالهي والقوانين والمعايير الاجتماعية هي قيود أيجابية ،غايتها تنظيم الحياة الاجتماعية وفق أسس تحفظ للإنسان كرامته. وقد فعلت هذه النظرة الخاطئة فعلها في احداث هوة كبيرة بين مامتعارف عليه من معايير سلوكية في حياتنا الاجتماعية ،وبين سلوكيات وفدت الينا وتغلغلت في اوساطنا ساعد عليها تدني مستوى الوعي عند نسبة كبيرة من المجتمع نتيجة مامر بنا من ظروف وأزمات ثم يأتي فقدان الرقيب الذي يمنع اي فعل اوسلوك يتنافى مع النظام الاجتماعي عاملا مهما يضاف الى العوامل الاخرى.
هناك عامل مهم ايضا هو هذه الازياء التي وفدت الينا من خارج بيئتنا مع الترويج الاعلامي لها عن طريق ماتعرضه الفضائيات المختلفة من دعايات من خلال المسلسلات المعدة سلفا لتخريب عقول شبابنا وإفساد مجتمعنا من حيث لانشعر ضمن مخطط مبرمج لايخفى على الانسان اللبيب والكلام طويل في هذا المجال ومن اراد المزيد فليراجع على سبيل المثال كتاب (اليهودي العالمي) لمؤلفه هنري فورد صاحب شركة تصنيع السيارات المعروف ترجمة خيري حماد وكتاب(الشيطان يحكم) لمصطفى محمود بالإضافة الى برتوكولات حكماء صهيون المبثوثة في المصادر المختلفة،الموضوع متشعب في هذا المجال والكلام لاتسعه اسطر هذا المقال،بل ان الباحثين المختصين اغنوا هذا الجانب بدراسات كافية ،فحسبنا ان نشير الى ان هناك مخطط يستهدف هويتنا الاجتماعية وقيمنا ومبادئنا بل حتى وجودنا.
دعونا نطل على مايعرض من خلال بعض القنوات الفضائية المحلية وغير المحلية لوجوه رجالية لاندري كم من الوقت استغرقت؟ وكم من المساحيق استهلكت؟ في مانشاهده من مكياج وضع على تلك الوجوه التي سئمنا من رؤيتها بهذه الصور الفاقدة لمعاني اساسية في هويتنا الاجتماعية،هؤلاء يمثلون احدى منافذ تصدير هذه السلوكية الممقوتة الى شبابنا المتلقي عبر هذه الفضائيات بلا رادع من ضمير ولاخشية من رقيب،بل ان مايزيد الامر سوء ان المفترض في اي منبر اعلامي ان يكون  مثالا للسلوكية المتوازنة بما نتوقعه فيه من مستوى ثقافي ووعي وتحصيل دراسي يعطيه القدرة على التوافق مع الذوق العام والنظام الاجتماعي،وعندما يظهر هؤلاء بهذا المظهر فأنهم في واقع الحال يعطون مشروعية لهذه التصرفات وقبول لها في ذهنية المشاهد المتلقي للسبب المتقدم كون النظرة المأخوذة عن هؤلاء الذين يظهرون على الشاشة بهذه الهيئة عناصراعلامية مثقفة واعية. وفضلا عما موجود في موروثنا الاجتماعي والأخلاقي نجد ان الاثرينقل الينا الكثير من الاحاديث الدالة على لعن المتشبهين من الرجال بالنساء وكذلك المتشبهات من النساء بالرجال ،وهذا لم يأتي من فراغ بل ماوجد النظام الاخلاقي في اي مجتمع إلا لغاية اساسية هي الحفاظ  على هوية ذلك المجتمع كإحدى المقومات المؤثرة في تكوين النسيج الاجتماعي المتشابه في عاداته وتقاليده،وما وجد التشريع الالهي إلا لإضفاء طابع الالزام المفروض على الانسان بأن ينتهج السلوكية المتوازنة في حياته،بل ان الاثار الادبية والوقائع التي ينقلها الينا تاريخنا الاجتماعي تدلنا على اعتزاز مجتمعنا بقيم ومبادئ تسالمت عليها الاجيال المتعاقبة خلال مراحل تطور المجتمع وقد دلت هذه الاثار على رفض المنظومة الاجتماعية لاي سلوكية منحرفة عن تلك المبادئ.فلتتوحد الجهود افرادا وهيئات لنبذ كل ماهو دخيل على اخلاقنا من سلوكيات وافدة .والله الموفق.