حكمت محكمة الجنايات المركزية المختصة بالاهارب – بشكوى من هيئة النزاهة – بحبسنا لمدة سنة وفق المادة ( 331 ) من قانون العقوبات عن تهمة ( حفظ الاخبارات ) .
وحفظ الاخبارات يعني :- قيام هيئة النزاهة بحفظ الاخبارات التافة او التي لا تشكل جريمة ، بدون عرضها على قاضي التحقيق ، تحسبا من ضياع الجهود والوقت والمال فيما لا طائل تحته ، مثل شكوى المخبر بان المدير يشرب الخمر ، اوانه يمتنع عن صرف مخصصاته اليه ، او عاقبه ظلما .
ومن اجل التحوط ولكي لا يذهب البعض بعيدا ، فأن اتهاما بحفظ ( اخبار مهم ) او ( قضية فساد حقيقة) لم يوجه الينا ، لكنها تهمة العمل بقانون الهيئة ، او اذا تلمسنا العذر للقضاء العادل فان التهمة هي :- ( اختلاف الاميين معنا في تفسير قانون الهيئة .) .
فهل سبق ان حوكم قاض قبلي عن تطبيقه للقانون او عن اختلاف احد معه في فهمه او قراءته للقانون ؟ !!!!!
ان حفظ الاخبارات – الذي حكمت لاجله – امر كانت تمارسه الهيئة منذ تأسيسها عام 2004 ولازالت تمارسه لحد الان ، استنادا الى نصوص صريحة لا يعرفها الاميين من القضاة ، هي نص القسم ( 4 / 1 ) من القانون الملحق بالامر 55 لسنة 2004 بقوله ( ولها ان تعرض على قاضي التحقيق ) ومعني المخالفة ان لها ان لا تعرض ، وبنص القسم ( 8 ) منه الذي اشار الى البلاغات ( التي تصرف الهيئة النظر عنها ) وصرف النظر عن البلاغ هو حفظه ، ونصين اخرين لا حاجة لذكرهما لصراحة وكافية النصين المذكورين .
ولعل العجب كله هو ان حفظ الاخبارات مستمر لحد الان استناد لنص صريح في المادة ( 13 / اولا ) من قانون الهيئة الحالي رقم 30 لسنة 2011وتمارسه الهيئة حاليا استنادا الى نفس التعليمات التي حكمنا بالحبس عنها . فهل من احد يصدق ذلك ؟
والاعجب من ذلك ان قضاة التحقيق ونواب الادعاء العام العاملين في قضايا هيئة النزاهة في عموم العراق ورئاسة الادعاء العام كانوا يعلمون بذلك ويقرونه قبل وبعد ترؤوسنا لهيئة النزاهة ، فلو كان تنظيم الحفظ او ممارسته جريمة فلماذا لم تحرك بها الشكوى الا بعد اكثر من ستة اشهر من استقالتنا وبامر من رئيس الوزراء ؟؟؟ فهل القضاء والادعاء العام اضحى مرتبط به وينتظر الاوامر منه ؟؟؟
وعمليا فان من اكبر التحديات التي تواجهها هيئات مكافحة الفساد هو خطر اغراقها بالاخبارات والادعاءات الكاذبة او التافهة ، فيضيع جهود ووقت محققيها في ملاحقة الاوهام والصغائر ، ولابد لها من وضع اليات لحماية نفسها ضد ذلك ، وصلاحية حفظ الاخبارات هي اهم تلك الاليات على الاطلاق . وهو امر تتبناه كل هيئات مكافحة الفساد في العالم لمواجهة تحديات الاغراق وضياع الوقت والجهد بالتفاهات .
لقد حكمنا قبل يومين بسنة حبس بتهمة تطبيق قانون الهيئة ، او – بابعد حد – عن تهمة قراءتنا للقانون بشكل لا تتوافق مع امزجة خدام السلطان وزبانيته ؟؟؟
فأن استقام الامر بهذا الشكل فأني اسال :- ما حكم قضاة هدموا اركان الدستور وصادروا ارادة الشعب باجتهادات قانونية مضحكة لمصلحة جهة سياسية غالبة ، الى حد هدم التجربة الديمقراطية في العراق ومصادر الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب ومصادرة استقلال الهيئات المستقلة ، وانهاء الحكم اللامركزي …الخ . وكيف يمكن ان يعامل قضاة علق مئات المتهمين على المشانق باحكام جائرة اصدروها استنادا لاعترافات منتزعة بالاكراه والتعذيب ، بمحاكمات صورية لا تتوفر فيها ابسط قواعد المحاكمات العادلة .
واذا كانت ادارة هيئة النزاهة الحالية حريصة على ملاحقتي بهذه الطريقة الشريفة جدا ، فلماذا عجزت عن ملاحقة المرتشين في الصفقة الروسية ، والآمرين بشراء اجهزة كشف المتفجرات ، ومرممي مؤخراتهم ، ومجملي فروج نسائهم باموال الشعب ، ولماذا تصمت صمت القبور عن استغلال وزير نفوذه في رد طائرة بمزاج صبيه وغيرها من فضائح الفساد التي ازكمت انوف شعوب العالم كله .
ولماذا يصمت الادعاء العام والقضاءعن ملاحقة من عطل هيئة مكافحة الفساد ووضعها في جيب رئيس الوزراء وحولها الى جهاز لمنح صكوك البراءة للفاسدين وملاحقة محاربي الفساد وفبركة التهم والملفات ضدهم، واستخدم سلطته لمنع اجراءات استراد المتهمين بالفساد من الخارج باخفاء ملفات استرداهم في مكتبه ، واستعمل اموال الشعب لاقامة المؤتمرات بمئات الملايين من اجل الدعاية الانتخابية لولي نعمته ، وينوي استعمالها لنفس الغرض في الشهر المقبل قبيل الانتخابات بايام ؟؟؟؟!!!!
لا اشك بان هذا الحكم كان تنفيذا لارادة منحرفة تريد اخراجنا من المشهد في العراق وابعادنا عن الانتخابات ، لكنه ليس الا وسام شرف اخر ، ولا زالنا نتظر تقليدنا وسام شرف ابعادنا عن الانتخابات .