قبل تدنيسها من قبل عصابات داعش الإرهابية في 2014، التي عاثت في الأرض فسادا ودمارا وقتلا وفتكا بالإنسان والانسانية وكأنها تعيد سيناريو عاشوراء من جديد ! كانت تلعفر والعديد من المناطق الاخرى في محافظة نينوى حالها حال مدن العالم ومناطقها الموالية لآل بيت النبوة عليهم السلام في مشارق الارض ومغاربها تتشح بالسواد مع دخول شهر محرم الحرام مع كل سنة هجرية ايذاناً ببدء شهر الأحزان بمناسبة “عاشوراء” في ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) وآل بيته الكرام مع ثلة من اصحابه البررة الميامين في معركة الطف على يد فئة باغية آلت على نفسها أن تقاتل آل بيت النبوة وان لا تبقي لهم باقياً ولكن هيهات أن ينتصر الباطل على الحق .
وقد عانى ما عاني عشاق أهل البيت من تضييق النظام الشمولي السابق لإقامة المجالس الحسينية والملاحقات التعسفية التي كانت تطال اصحاب المواكب والمجالس الحسينية ومنع ممارسة الشعائر الحسينية بشكل مرعب ورهيب .
أما بعد سقوط النظام فقد تنفس أبناء تلعفر والمناطق المجاورة الصعداء حين بدأ اهالي تلعفر بإقامة المجالس الحسينية والقاء المحاضرات الدينية بشكل متواصل في المساجد والحسينيات و ذكر مناقب اهل البيت وحث الناس على التمسك بأخلاق وسلوك أهل البيت (ع )، وحين كان يحل يوم العاشر من شهر محرم الحرام كان الألاف من المعزين المؤمنين من الشيعة والسنة يقومون بمسيرات حاشدة تطوف شوارع المدينة من المواكب والهيئات حاملين الرايات السود واللافتات التي تعبر عن عمق المصيبة التي حلت بأهل بيت الرسالة، إذ تنطلق تلك المواكب والهيئات من الأحياء منقسمة إلى ثلاثة مجاميع الأولى باتجاه مقام الخضر(ع)، والثانية نحو مرقد الإمام سعد بن عقيل (ع)، والثالثة كانت تتجمع في ساحة كبيرة على مقربة من سايلو المدينة ، مسيرات جماهيرية كبيرة تتخللها المسرحيات الشعبية (التشابيه) لتجسيد واقعة الطف والوقوف بوجه الظلم والاضطهاد الذي تعرض له آل بيت الرسول (ص) .
فيما كانت تقام المجالس الحسينية في مدينة الموصل لا سيما في الساحل الايمن بأحياء اليرموك والاصلاح الزراعي و17 تموز وغيرها من الاحياء الموصلية وفي اطراف تلعفر وسهل نينوى ، التي تمددت عليها عصابات تنظيم القاعدة والنقشبندية وانصار السنة شيئا فشيئا واخرها تنظيم داعش الارهابي إذ مارست هذه المجاميع الارهابية ابشع واقسى انواع الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية من قتل على الهوية بدوافع طائفية وخطف لأسر بكاملها لزرع الخوف والفزع داخلها للتخلي عن طريقهم المنشود بممارسة الحق الشرعي في التعبير عن مشاعرهم واحاسيسهم تجاه ما يؤمنون به وانفجارات بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة وتفخيخ المنازل والمحلات واغتيالات عشوائية والتمثيل بالجثث وتفخيخها وغيرها من الجرائم المخزية للإنسانية السمحاء .
ولكن هذه الممارسات والافعال المشينة لم تثني اتباع آل البيت عليهم السلام عن ممارسة شعائرهم الدينية بالرغم من تقديم المئات بل الالاف من القرابين الشهداء في سبيل ديمومة الدين الاسلامي الحنيف مقتدين بالآية القرآنية المباركة ” ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب ” .
وكانت النكسة أليمة في ضمائر التركمان بعد سقوط مدينتي الموصل وتلعفر على ايدي عصابات داعش الارهابية لتبدأ هذه الأسر التركمانية المظلومة عملية نزوح ماراثونية لم يشهد التاريخ الانساني مثيلاً لها وبعد معاناة مريرة من قبل الاصدقاء الاعداء لتستقر معظم هذه الأسر في الحسينيات والجوامع الممتدة على طريق كربلاء والنجف وبابل ، بعد أن تركوا أغلى الذكريات العاشورائية بين جدران مساجدهم وحسينياتهم بعد أن غادروا بصماتهم الإنسانية على الطرق والأزقة في أحيائهم الشعبية العزيزة.
على الرغم من آلامهم التي لا توصف وعذاباتهم التي لم تتوقف في منفاهم ومكان نزوحهم في الحسينيات وابنية المواكب التي حلوا فيها ما بين مدينتي النجف وكربلاء حتى كانوا على موعد مع مهام خدمة زوار الحسين ع فما من مناسبة دينية الا وكان لهم نصيب وافر منها على الرغم من قلة امكانياتهم المادية والمعنوية ولكن حب آل بيت المصطفى يغني عن كل صغيرة وكبيرة وهم يحملون شعار ” هيهات منا الذلة ” وهم اتباع الحسين عليه السلام ، إذ شكلت هذه الأسر النازحة بسرعة البرق مواكب حسينية لخدمة زوار أبي الأحرار في عاشوراء الحسين والاربعينية وهي تقدم كل ما الذ وطاب من الطعام والمذاق التركماني الأصيل مرددين ” أبد ولله يا زهراء ما ننسى حسيناً ” معاهدين الباري على البقاء جنوداً اوفياء في الدفاع عن الوطن والمقدسات .
فكان التركمان من ابناء تلعفر يجاهدون على جبهتين فالحسينيون تطوعوا واندفعوا الى جرف الصخر وبيجي والانبار وكل مواقع القتال يدكون مواقع الدواعش بشجاعتهم المعهودة ويروون ارض العراق بالمزيد من دماء الشهداء فيما تقوم الزينبيات مع الآباء والأبناء بإعداد الطعام والولائم المباركة الى زوار الحسين ع .. وبأيدي مرفوعة الى السماء تتضرع الى الباري تعالى للتعجيل في إقامة الشعائر الحسينية في مناطقهم بصورة أوسع وأدق بعد أن بانت بشائر النصر واقتربت ساعة التحرير والتطهير ..تطهير أرض تلعفر من دنس عصابات داعش الارهابية .. على أمل اقامة احتفالية عاشوراء القادمة في ربوع تلعفر ان شاء الله .. وأن غداً لناظره لقريب..