18 ديسمبر، 2024 8:21 م

هوس وصراع يلبسه متاع طريق، عَزِفَ الحياة لجأ الى الوحدة التي قامرت على أن يكون أحد أتباعها، فروادها ملوا كثرة الزحامات والاختلاط تحت عناوين او مسميات، صحبة، صداقة، زمالة، رفقة، تعاون جميعها وسائل لتمشية أحوال وأغراض شخصية.. لا ضير فالعالم يسير دوما بشكل مقلوب وليس معكوس فعادة الإنسان ان يوغل في ما لا يعلم حتى يتعلم، يمسك برأس قداحة يفركها بأبهامه كي يستنطقها على ما فعلت تلك التي تسببت في هلاك من أحب، لا يعي نفسه فالصدمة كانت اكبر منه فأنفصل يتصارع معها جعلته يلعن نصفه المتسبب في جريمة له يد فيها، اللعنة.. وهو يفرك القداحة بشدة حتى يكاد يحطمها لولاك لما ماتت أنت السبب… هذا ما يستوقفه عادة فتلك ذروة الانفصام في شخصيته التي لا شفاء منها، حاول الاطباء ان ينتشلوه منها لكنه أبى إلا ان يكون ذو انفصام الشخصية شيزوفرينيا التأنيب والألم… تأسف عليه من عرفه عن قرب، فراح يسرد حكايته، عُرِفَ بين من يرتادون المقاهي او متسلقى الأرصفة ذهابا وإيابا، بينما يركن الى الجزء الأخير في نهاية الشارع، يقف يتناطح ونصفه الآخر… أنت السبب لولا أنك رغبت في شرب السيجارة لما حصل واحرقت من تحب، كنت السبب الرئيس في ذلك لا أعفييك ما حييت، فولاك لكنت الآن ربما في مكان آخر..
أولم تصدق بأن العالم يعيش في سلام؟ إن كمياء رأسك تتخبط في الصور المزدوجة التي ترسمها، فمعركة البقاء حيا غالبا ما تودي به الى حافة الخطوط التي لا إكمال بعدها، لكل عنوان بداية ونهاية، لم تقتنع فعرجت على دواخل نفسك، أخذت تنسل إليها خلسة تجردها من قناعاتها لتجد لنفسك عالما جديدا تستنبط فيه الكمال وتنسى أن لا كمال في عالم الفسوق والفجور، فحتى عالم التقوى يشوبها العثة، أو لم تعي بعد أنك إن حظيت بمجرفة لتحفر ساقية لابد لك من أن تهرق دما؟ فما مجرى الماء بحياة إن لم يكن هناك قربان، وقربانك كان ما فعلت، احرقت بعقلك الباطن ما تحب حتى تعيش حالة الوجود بشكلها التام، تنشيء عالمك الخاص الذي ترغب.. ها انت تعيشه دون منازع لا ينافسك عليه أحد إلا من صنعته ندا في صراع، تخال نفسك إنسانا سويا الآن، رغم أن الناس يعلمون بحالة انفصامك ولو تحققوا لوجدوا كل له حالة إنفصام في اللاوعي، حتى الوعي نفسه أحيانا لكنه لا يتعدى الرغبة في ان يسكن ملكوته، لذا يعتادون بأنفسهم على الدخول والخروج الى عالم الشيزوفرينيا، صدقني لا يوجد أحد لا يحمل نصفه القلق معه، فتراكيب العقل فُصِلت كذلك، وخير دليل من لا يحمل معه عقله الباطن؟ وهل تظنه يحيا دونه؟ كن واثقا أن عالمك الموحش أفضل بكثير ممن تراهم أموات في عالم الاحياء، فحياتهم لا تتعدى سوى النقد والتبختر والمباهاة، لا أحد يبحث عن التغيير والمستقبل لأنه يعلم جيدا أنه لاشيء يقارن بعالم الموجودات التي تتلاطم فبعوضة ما أفضل وأعظم بما كل ما يفكر به، أتذكر في مرة سألتني لماذا خلقنا الله؟ ألعنة هي الى قدر مسمى؟ أم تبيان لقدرة عظيمة؟ أو فقط كي يثبت لمخلوقاته سطوته وجبروته؟ إن الكون بكل ما فيه قدرة وإعجاز، وفي رأيي أن كل ابداع يحتاج الى عيون تراه فخلق الله إبداع كان للملائكة فقط، ربما شاءت قدرته ان يوسع من سلطانه بما خلق مع قدرته وعلمه أنه لاحاجة له بما يخلق فهو في كل يوم في شأن، لا تعلو من شأنه مخلوقات فهناك ما هو اعظم الكواكب السيارة وجنات عرضها السموات والارض الأفلاك المجرات .. الخ، قدرة مهولة خارقة، شاء الإنسان ذو الفصام أن يصنع عالما له مثل الله فخلق ابداعه، مد سيطرته، استحوذ على ما تراه حولك كل من زاويته يراه سلوكا سويا وينسى أن لكل شيء ثمن ونذر اعني القربان، القربان يا صديقي لابد ان يكون بدم ونادرا ما يكون بعكسه، كلنا قرابين يا صديقي فلا تلم نفسك على جريرة كنت احد أسبابها، فلولا أنها مقدرة من قبل ما كانت ولا صارت إليك… فكل الأحداث صائرة الى كتاب ولوح محفوط ما لنا فيها قيد أنملة، يظن من يظن أنه القادر وينسى أنه مخلوق لا خالق فاراك يا عزيزي تمزق العناوين وتنشيء غيرها، لا تعي أنك تمزق نفسك، فكل ما مزقتها زادت الفجوة بين الواقع والهلوسة، ترانا نلجأ الى الهلوسة في حال عجزنا الى تحقيق ما لم يكن لنا من نصيب.. فغزو عالم القرابين يرمي بنا لنفكر بوسائل تدفعنا الى كسر زجاج كل القيم، فعالم الخضراء منال كل سابق ظله تاركا الظلال الورافة التي خطها الخالق بحدود من تعداها لا رجعة له… اتعي ما قلت؟
هز رأسه وهو يفرك برأس القداحة كأنه يعيد الأحداث الى الوراء فقال:
ماذا لو فركت رأسي بدل القداحة ثم أخرجت صور الوجع والألم؟ أتشتاق نفسي لغيرها، أنت تعني الحياة وأنا أعنيها هي، كانت كل حياتي، لم أشعر أني مخلوق بكيان إلا وانا معها، كأني أنتمي الى الله في حالة العشق الذي أعيشه وأنا بصحبتها، كانت حواء التي لو اقسمت على الماء لتجمد، هي كذلك بالنسبة لي خالق لروحي أذوب جوا في أنفاسها لا أعني هنا الغريزة أبدا بل الاحتواء الروحي لكأن الكون كله توقف حالما تتكلم، صوتها مزامير لا أمل من سماعه، لعل سبب جنوني بها أني اقدسها كأنثى، فعالمي يا هذا مثل عالم آدم كان خاليا مجردا من الحياة حتى خلقت حواء فصار طعم الحياة متغير ذائقته تغيرت صار لا ينفك يبهر حواء حتى دلس له من رامه مخلوق متندي، فأغواه أسقطه عن صهوة هيبته، في تلك اللحظة كأن الشيطان أغواني كي أحرق من أحب حفاظا على كيانها، صدقني هذا ما حصل… عالمي تغير مزقت نفسي هناك لحظة فقدانها قسمتها بيني وبينها، فلها النصف الذي تحب والنصف الذي لا أرغب كان لي، لا تخبرني عن الاقدار والمسميات فجميعنا لنا آجال، جميعنا مصابين بالشزوفرينيا حتى وإن أقنعنا أنفسنا اننا عكس ذلك، فمذ ان خرج آدم من جنته وأنثاه هام يبحث عن الغفران والربوبية الدنيوية، خلق له عالما ظنه صنعه فعاش بدساتير وضعها لحياة خالدة، وعندما رأى أجله آت زعم أن الموت هو الحالة الثانية من إنفصام شخصيته سيعود ولكن على شكل صورة ذكريات وخيال… لا يستفرغ طمعا في الحياة لذا ألبس نفسه القداسة ليكون سيدا عالما وشيخا جليلا يُعبَد كالحجارة التي لا تموت ابدا… إني يا هذا أعيش الخلود لنفسي حتى يأتي أجلي لأدخل عالم الغيب والنسيان مثل كل الازمان والعصور التي انصرمت فأين أهلها؟ اين أنبيائها؟ أين فَجَرَتها وأتقيائها ؟كلهم الى زوال سيطالنا الفيضان فلا عاصم بعده من العودة الى النفس الأولى وتلافيف الذاكرة الأولى التي ذاقت الموت قبل أن تولد.