حين أدخلوا واسطة النقل ذات العجلات الثلاث الشهيرة بـ ” التوك توك ” نسبة الى الصوت – التكتكي – الذي تصدره أثناء سيرها برشاقة تخلب الألباب في أضيق الشوارع والأزقة والحارات والتي تستخدمها في العادة الدول الفقيرة ذات النسب السكانية العالية والإختناقات المرورية الهائلة ليتم إستخدامه لأول مرة في العراق منذ ثلاثة أعوام تقريبا كمصدر رزق للفقراء في بلد النفط والغاز لم يتخيلوا أن هذه الواسطة التي رفضوا منحها لوحات مرورية كبقية المركبات ستتحول الى ” باتمان ” العراق كما أطلق عليه بعضهم الى درجة أن ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت ، أضطرت الى ركوبه لرمزيته أولا ولقدرته على الوصول الى أماكن ليس بوسع – جكسارات الأثرياء والمسؤولين الفاسدين – الوصول اليها وسط جموع المعدمين والبؤساء الغاضبين ثانيا ، لقد قهرهذا التك تك جكساراتهم وصار رمزا لثورة المعدمين ضد الانتهازيين بكل ما تعني الكلمة من معنى ولعل هذه تعد واحدة من ملهمات الثوارت التي يجهلها أو يتجاهلها الكثير من الدعاة والمصلحين وخلاصتها ” لا تأت الى مواضع الفقراء بمظاهر غناك وسطوتك وترفك لتخطب فيهم عن فضائل الصبر والمصابرة على الجوع لأنهم سيحتقرونك سرا وجهرا، بل جئهم بوسائطهم ، بملابسهم ، خاطبهم بلغتهم ، أجلس معهم حيث يجلسون ، حيث يعيشون ، ولا تطلب منهم أن يأتوا اليك حيث تقيم أنت في قصرك العامر لتستقبلهم بلباسك الفاخر وهو في الغالب من عرق جبينهم المصادر ومن ثروات بلادهم المنهوبة ، تناول طعامهم البسيط من قدورهم ، من صحونهم ، بطريقتهم ولا تتميزعنهم بشيء إن فعلت ذلك فإنهم سيركلوك انت وما تمثله من أفكار ومناهج وطعنوك في ظهرك ولعل عدم إدراك تلكم المفاهيم يعد واحدا من أسباب إخفاق المصلحين وتراجعهم شعبويا !
لقد أثبت – التك تك – وجوده في زمن النهضة ولا أقول الصحوة ، لأن الثانية لشخص نائم يصحو بفعل منبه خارجي وهذا الصاحي سيكون بحاجة الى وقت لترك فراشه الوثير – ربما لإغلاق المنبه ، بل وكسره ايضا – وليس بالضرورة إستجابة له ، فيما النهضة هي لشخص متكاسل ، محبط ، جبان ، بخيل ، مكتئب ، مصدوم ، يقوم من أريكته بفعل – عدوى المشاعر – كما يسمونها من خلال مؤثر خارجي يجب أن ينجح في إعادة ثقته بنفسه أولا ، رفع معنوياته ثانيا ، زيادة همته ثالثا ، ترتيب أولوياته رابعا ، تنظيم صفوفه خامسا ، شحن عواطفه سادسا ، إيقاد جذوته سابعا ،عصف ذهنه ثامنا وهلم جرا ، مافعله أصحاب ” التك تك ” على سبيل المثال في ساحة التحرير وبقية الساحات والميادين المنتفضة ضد الفساد أنهم طبقوا برغم قلة تعليمهم وربما أميتهم المطبقة وضيق أفقهم ، وفقرهم وقلة ذات ايديهم ، اقول طبقوا مصفوفتين من ثلاثية ” الفتح المبين ” الا وهي مصفوفة ” اشداء ” حيث ارتموا بـ …بـ ايش ؟؟بـ ..مصدر رزقهم الوحيد والأوحد – التك تك – في ساحة المواجهة برغم الرصاص الحي والمطاطي والقناصين والغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية والهراوات والمياه الساخنة التي تستهدفهم غير آبهين بشيء ، كما طبقوا مصفوفة ” رحماء بينهم ” حيث تولوا نقل الجرحى الى المستشفيات و جثث القتلى الى الطب العدلي ، علاوة على ايصال الدعم اللوجستي الى المتظاهرين ونقلهم مجانا من والى الساحات صباحا ، مساء فأصبحوا أيقونة بحق أثاروا اعجاب الجماهير حتى أن النسوة قبل ايام رفعن شعار ” لو صاحب تك تك لو ما أتزوج ..فدوة أروح لغيرتكم ” واثاروا إعجاب وإهتمام كل وسائل الإعلام العراقية والعربية والدولية لأنهم لايغامرون بأرواحهم فحسب بل وبمصدر رزقهم الوحيد أيضا ، انهم يقدمون خدماتهم المجانية في ساعات ذروة العمل وطلب الرزق وهم الفقراء جدا ولكن من دون مقابل ، واذا ما وصل الدعاة والمصلحون الى مثل هذه الدرجة من التضحية والإيثار والهمة والإقدام فأبشر بالنهضة والاعجاب الجماهيري منقطع النظير بهم ، والإلتفاف الشعبوي حولهم والفتح المبين ، أما مع بقاء الداعية جامدا ومراوحا مكانه داخل – القمقم الذهبي للكشخة – فلا نهضة ولا صحوة ولا يقظة ، المطلوب تكتيك الـ ” تك تك ” وبعض التكتكة ” ، ولايفوتني التنويه الى أن رشاقة التك تك ، طفوليته ، جماله ، الوانه الزاهية ، ظرافته ، وداعته ، خفة دم سائقيه وعفويتهم ، رخص تكاليف التنقل خلاله – 250 دينار – كلها عوامل تدفع لحبه محليا ولا أشك للحظة بأن من أغاظهم هذا التكتك سيعملون على تشويه صورته لامحالة إن عاجلا أم آجلا بإختلاق القصص المرعبة وشيطنته بالتخطيط لذلك من خلف الكواليس ، إن لم يكن منعه من السير كليا في الشوارع حتى لايتحول الى أيقونة شعبوية وبالاخص مع تطوع المتظاهرين لتزويد أصحاب التكتك بالبنزين والزيت والطعام والشراب مجانا وفاء لهم !
ودعوني اقول على لسانهم بالنيابة عنهم ” بالسلم كادح، التكتك فراشي وكروة المواطنين لحاف ، وبتظاهرات الجوع حضن دافي وتكتكي لجرحى الوطن إسعاف !”.
وكلي ثقة بأن نصبا كبيرا في أبرز الميادين سيخلد أبطال الـ ” تك تك ” يوما ما ليوثق حقبة من تأريخ هذا البلد المثخن بالجراح لتروي للاجيال قصة أفسق طغمة حكمت العراق يوما وحيثيات أطهر شعب ثار ضدهم بعد أن سرقوه وأعادوه 100 عام الى الوراء !اودعناكم اغاتي.