23 ديسمبر، 2024 3:17 م

تكهنات بيولوجية لعام  2050 م – 2

تكهنات بيولوجية لعام  2050 م – 2

نتابع في هذه المقالة الجزء الثاني من تكهنات بيولوجية لعام 2050 م لعالم البيولوجيا ريتشارد داوكينز:
–         أعتقد بحلول 2050 سوف نكون قادرين أن نغذي الكومبيوتر بجينوم حيوان مجهول فيعيد إنشاء شكل الحيوان، بل ويعيد أيضا إنشاء تفاصيل العالم الذي عاش فيه أسلافه ( الذين تم إنتخابهم لينتجوا هذا الحيوان )، وسيتضمن ذلك مفترسي هذا السلف أو فرائسه، وطفيلياته أو من يتطفل هو عليهم، وأماكن إيوائه، بل وحتى آماله ومخافه.
 
–         ماذا عن إستخدام طرائق أكثر مباشرة لإعادة الأسلاف، بأسلوب الحديقة الجوارسية (*)؟ لسوء الحظ سنجد أنّه من غير المرجح أن تكون بقايا دنا المحفوظة في الكهرمان (**) في حالة سليمة ولن يستطيع  أي من أبناءنا أو أحفادنا أن يستعيدوها. إلا أنّ من المحتمل أنّه ستوجد طرائق قد تمكننا من إستخدام ما سيكون لدينا حتى قبل 2050 من بنوك المعلومات غزيرة لدنا الذي ما زال باقيا في الحياة، وإنّ كان الكثير من هذه الطرائق هو حتى الآن بعيد عن أحلامنا.
وحاليا يجري بالفعل تنفيذ  “جينوم الشمبانزي”  ومن المؤمل أن يكتمل في زمن هو جزء صغير لا غير من الزمن الذي أستغرقه الجينوم البشري.
أبدى سيدني برينر (***) ملاحظة عارضة في نهاية آخر إبداع له من التنبؤ الألفي في مؤلفه “البيولوجيا النظرية في الألفية الثالثة”، فطرح الإقتراح المذهل التالي:
عندما نعرف جينوم الشمبانزي بالكامل، فإنّه ينبغي عندها أن يصبح في إمكاننا، بواسطة إستخدام المقارانات البيولوجية الذكية والمعقدة مع الجينوم البشري ( يختلف الجينومان في نسبة مئوية صغيرة جدا لا غير من حيث حروف دنا فيهما )، أن نعيد إنشاء جينوم السلف المشترك بيننا وبين الشمبانزي.
وهذا الحيوان السلف، ألذي يُزعم أنّه “ألحلقة المفقودة”، قد عاش في أفريقيا منذ ما بين 5 ملايين إلى 8 ملايين سنة. وما أن نتقبل هذه الوثبة الفكرية لبرينر، حتى يصبح من المغري لنا أن نتوسع بهذا الإستدلال إلى كل شيء في هذا المجال، ولست ممن يقاومون إغراء كهذا. وعندما يكتمل “مشروع جينوم الحلقة المفقودة”، ستكون الخطوة التالية هي فيما يُحتمل أن نضع هذا الجينوم جنبا ألى جنب مع الجينوم البشري، لنقارنهما القاعدة الواحدة بالاخرى.
وعندما نصل إلى أن نفصل أوجه الإختلاف بين الأثنين ( بالطريقة المتنورة نفسها في علم ألأجنة كما سبق إستخدامها ) فإنّ هذا ينبغي أن ينتج عنه وصف عام تقريبي لما يكونه الأسترالو بيثيكوس، وهو الجنس الذي أصبحت “حفرية لوسي” (****) هي الأيقونة التي تمثله.
وبحلول الوقت الذي نستكمل فيه “مشروع جينوم لوسي” ينبغي أن يكون علم الأجنة عندها قد تقدم ألى مستوى يٌمكننا معه أن نولج الجينوم الذي أعدنا إنشاءه داخل بويضة بشرية لنغرزها في رحم أمرأة، فتولد لوسي جديدة في ضياء يومنا هذا. ولا ريب أنّ هذا سوف ينشأ عنه أمور تُثير القلق أخلاقيا.
الخلاصة:
بجهود علماء الداروينية الحديثة وبتطور علم الجينات زالت ألشكوك التي كان يٌثيرها مناهضوا نظرية ألتطور من التكوينيين ( ألمؤمنون بما ورد في سفر التكوين للتوراة وكذلك في ألقرآن حول خلق ألله للإنسان “. ومن أهم الشكوك التي كان يثيرها المؤمنون بألأديان ألإبراهيمية ( أليهودية والمسيحية والإسلام ) عدم إكتشاف الحلقات المفقودة، ولكن إكتشاف حفريات لإسلافنا كحفرية لوسي (من من جنس الأستر بيثيكوس والتي عُثر عليها في شرق أفريقيا ) وكذلك أكتشاف حفرية هومينيد أخرى تُعد هي الأقدم وأسمها “ساحيلانثروبس تشادنسز” نسبة إلى ساحل أفريقيا وتشاد، فندت هذه الشكوك.
مشكلة معظم مناهضي نظرية ألتطور من التكوينيين هو ضحالة إطلاعهم على تفاصيل نظرية التطور الداروينية وما أستجد من إكتشافات لعلماء ألداروينية الحديثة وخاصة في مجال علم ألجينات، فمن الأسئلة الساذجة ألتي يطرحها مناهضوا نظرية ألتطور من التكوينيين هي:
إذا كان الإنسان تطوّر من القرد، لماذا لا نرى القرود الآن تتطوّر إلى بشر؟
البشر والقرود والحمير هم فقط أنسباء متباعدين من الناحية البيولوجية. البشر لم يتطوّروا من القرود بل من جدّ مشترك نطلق عليه اسم “القردة العظمى” لكنه لم يكن لا قرداً ولا بشرياً بالمعنى العلمي للكلمة، وعاش منذ ملايين السنين في الماضي.
في الواقع، خلال السبعة ملايين سنة الماضية تطوّرت العديد من الفصائل الأخرى التي تشبه البشر؛ بعض الأمثلة تشمل هومو آبيليس Homo habilis (الإنسان الماهر)، وهومو أيريكتوس  Homo erectus  (الإنسان المنتصب)  وهومو نياندرثالينسيس (إنسان النيادرتال). كل هذه الفصائل انقرضت خلال فترات مختلفة وبقيت فصيلتنا نحن فقط المعروفة علمياً باسم  Sapiens Homo  (الإنسان العاقل) لتشارك الكوكب مع بقيّة المخلوقات.
 
في الحلقة الثالثة والاخيرة من هذا البحث سنحاول الإجابة على بقية ألشكوك التي  يٌثيرها مناهضوا نظرية ألتطور من التكوينيين المؤمنين بالأديان ألإبراهيمية.
نلتقيكم في مدارات تنويرية أخرى.
 
 
 (*) الحديقة الجوارسية: فيلم امريكي مشهور من أفلام الخيال العلمي يُعاد فيه تكوين الديناصورات من بقايا دنا الخاص بها.
 (**) الكهرمان: راتنج متحجر من الأشجار الصنوبرية المنقرضة في بعض مناطق الغابات الصنوبرية العالمية وتحجرت وتشكلت قبل الآف السنين.
(***) سيدني برينر: عالم فائز بجائزة نوبل.
(****) حفرية لوسي: حفرية أنثى إنسان بدائي ( هومينيد ) من جنس الأستر بيثيكوس عُثر عليها في شرق أفريقيا، وأُعتبرت عند إكتشافها من أقدم حفريات الهومينيد. إلا أنّه قد عٌثر مؤخرا على حفرية هومينيد أخرى تُعد هي الأقدم وأسمها “ساحيلانثروبس تشادنسز” نسبة إلى ساحل أفريقيا وتشاد.
 
مصادر البحث:
–         العلم والحقيقة…. تأملات عن الأمل والأكاذيب والعلم والحب………………. ريتشارد داوكينز.
–         عشر أساطير حول التطوّر…. إصدار  Skeptics Societ.