24 أبريل، 2024 1:05 ص
Search
Close this search box.

تكنوقراط وتكنوضراط

Facebook
Twitter
LinkedIn

مادام رئيس وزرائنا المدحدح الاثول يتحدث بلغة علمية وهو يحاول الاصلاح الذي ابتدأ الحديث عنه منذ ان تولى منصبه فعلينا اذن ان نتحدث بلغته ومادام يستخدم كلمة اجنبية لايهام شعب اغلبيته امية جاهلة بالاصلاح فنحن ايضا نستخدم كلمة اجنبية تتناسب وعلمية العبادي التي اظهرها بتفوق وهو يتحدث عن مشروع النقل الياباني العمودي والافقي والذي اسماه ( كلشي مليون ) وهو لا يعلم ان مليون سننتيمترا تساوي عشرة كيلومترات.. والعبادي على مايبدو معجب جدا بكلمة تكنوقراط ولانه يعتبر نفسه ايضا من هؤلاء التكنوقراط فهو يريد وزراء من نوعيته فمن المعيب جدا مثلا ان يكون اشخاصا اميين في تشكيلته الحالية لايعرفون سوى النهب والسلب الذي تخلى عنه هو شخصيا لاسباب تتعلق بالضغط الشعبي الجاري حاليا وليس توبة او حبا بالعراق، فكيف سياتي العبادي بهؤلاء التكنوقراط؟..

العملية السياسية كما يعلمها العبادي توافقية طائفية وهو قد تسلم هذا المنصب ليس لانه اكفأ الموجودين وأجدرهم واكثرهم قدرة على ادارة شؤون البلاد بل لان حظ العراقيين العاثر وضع كل هؤلاء التكنوضراط من معميين وشيوخ ومدنيين على لائحة ادارة الدولة العراقية وبالنتيجة فان احلام العبادي في ان تتعاون معه الكتل السياسية المشاركة في الحكم والتي يقودها اشخاص محسوبين على التكنوضراط بامتياز لن تجد افقا للتطبيق لسبب جوهري وبسيط وهو ان قادة تلك الكتل لن يسمحوا لشخصيات من خارج كتلهم تشارك بالحكم نيابة عنهم ، ولذلك سيسعون الى تقديم شخصيات من التكنوضراط على اساس انها تكنوقراط وسوف تتجمد احلام العبادي وتتوقف مسيرة اصلاحاته الوهمية اصلا..

والعبادي يتحدث اليوم عن التكنوقراط وانا مازلت اتذكر في العامين 2003 و2004 كان كل السياسيين الموجودين في الساحة الان ( يفرون اذانهم ويتلفتون يمينا ويسارا) حين يسمعون هذه الكلمة ولا اعرف لماذا لايستخدم العبادي الكلمة العربية المقابلة للتكنوقراط وهي (الكفاءات) فحكومة التكنوقراط تعني حكومة الكفاءات من اختصاصيين في العلوم والصناعة والهندسة والتجارة وليسوا متحزبين لان اصحاب الكفاءات لايهتمون بالافكار السياسية بقدر اهتمامهم بالعلم والثقافة والمعرفة، والذي يقودني الى مثل هذا التساؤل عن عدم تحدث العبادي بالكلمة العربية هو ظني الوحيد في انه يريد ان يظهر لقادته وزملائه وجلهم من التكنوضراط مدى ثقافته وعلمه فهو بالتاكيد يعلم ان شخصا مثل عباس البياتي او محمد الدراجي او عفتان او تسعان او النجيفي او قتيبة وابو مجاهد والزهيري وغيرهم الكثير مازالوا الى هذه اللحظة (يفرون اذانهم) حين يسمعون هذه الكلمة.. والمضحك في كل خطط العبادي التي مصيرها الفشل المحتوم هو تشكيله لجنة من التكنوضراط لاختيار شخصيات من التكنوقراط ليضمهم الى تشكيلته الوزارية القادمة والتي لن ترى النور بقوة التكنوضراط ايضا.

وللعبادي كرئيس وزراء مستشارين كثر، وواجبهم تقديم المشورة والنصح له، فاذا كان هو قليل المعرفة وضيق التفكير فيفترض ان مستشاريه يقدمون له العون ويصححون له، اذن الم ينصحه احد بان يقرأ ولو قليلا عن تجارب الشعوب التي واجهت مآسي قريبة لما نعانيه، فيتعلم ان اصل وجوهر الحكم هو العدل وباعتباره متدينا دعوجيا فالله امرنا أن (إن حكمتم فاحكموا بالعدل) واصل وجوهر الرغبة في الاصلاح هو

قوة الارادة وحب الشعب والوطن ، وعليه حينها ان يراجع نفسه قليلا، فطوال مايزيد على عقد من الزمن كان هو وحزبه المأفون من اشاع الظلم والقهر والفساد ، اما عن قوة الارادة فلا اعتقد ان بينها وبينه اية صلة لا من قريب ولا من بعيد فالعبادي على ما اظهر خلال السنة المنصرمة بدا تماما وكأنه لايحرك ساكنا ولايسكن متحركا، اما عن حبه للشعب والوطن فكلنا نعرف انه وكل القادة السياسيين لاجذور تربطهم بهذا الوطن او الشعب انما هم بسنتهم وشيعتهم، كردهم وعربهم، عصبة من اصحاب الثأر، لصوص، سلاب، نهاب وسقط متاع..

والعبادي لم يسأل نفسه: ترى هذه الدول التي بجانبنا القريبة او البعيدة منها، هل كان نجاحها مرهونا فقط بوجود شخصيا من التكنوقراط مشاركة في ادارة شؤون البلاد؟.. مثلا حكام الامارات وحكام الكويت ودولة (خطر) بل وحتى مسعود طرزان وجوقته، اما ملالي ايران فحدث ولا حرج عن تكنوقراطيتهم، وكذلك المغرب اما الحديث عن سنغافورة وماليزيا ودول اخرى فطويل ويغني عن الجواب.. ولكني ساقدم له من باب النصح قصة اسرع عملية اصلاح في التاريخ حدثت في دولة استونيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1992 والتي حققت معجزة الاصلاح في فترة قياسية من الزمن وكان قائد العملية هذه مدرس تاريخ في الاربعين من عمره، ولكنه كان يحب شعبه ووطنه ولديه القدرة وقوة الارادة للاصلاح ولم يكن من التكنوقراط: استونيا كانت بميزانية خاوية مثل العراق وتوقع الكثيرون انها لاتستطيع دفع الرواتب فالعجز وصل الى 50% والتضخم بنسبة 1000% ونسبة البطالة 60% لكنها بعد عامين حققت معدل نمو اقتصادي بلغ 6%، ترى ماذا فعل مدرس التاريخ هذا؟.. بما ان وضع استونيا انذاك يشبه تماما ما نحن فيه ساسرد لك باختصار خلاصة ما فعله رئيس الوزراء مدرس التاريخ ذاك: سرح كل موظفي مجلس الوزراء البالغ عددهم مئة وابقى على عشرة فقط وبكفاءات محددة.. جلب مستشارين ذوي اختصاص ومن خارج حزبه الحاكم حتى لايقعوا تحت الضغط السياسي وحتى يكونوا جريئين في مشورتهم، قلص الوزراء من 22 الى 15 عشر وزيرا وقلص عدد الموظفين المحيطين بكل وزير وقال لوزرائه: خطأكم مقبول ولكن فسادكم لا.. ثم اصلح القضاء لانه يعتقد ان العدالة هي جوهر الاصلاح وان افتقد الشعب للعدالة فلن تعد هناك ثقة بحكومته، ولم يبق في القضاء قاضيا مثل هذا الذي يسمى بالاعرجي الذي يمتلك ميليشيا واجبها ارهاب الناس وخطفهم وابتزازهم.. ثم اسرع باصلاح الجهاز الاداري مبقيا على اصحاب الخبرة والكفاءة وليس الدمج واصحاب الخدمة الجهادية..

اما انت ايها العبادي ان قررت على سبيل الدعابة مثلا الابقاء على عشرة اشخاص في مجلس الوزراء فبالتاكيد سيكون سيد فلان وحجي علان منهم.. ومؤكد ايضا انك لن تستطيع ان تحكم ب 15 وزيرا لانك يجب ان ترضي من اتى بك للحكم ولايرتجى منك ارضاء الشعب، اما مستشاروك فبالتاكيد سيكون الزهيري وابو مجاهد على راسهم لانك في الحقيقة ستكون خجلا وتعيسا جدا حين يكون بقربك من يتسم بالكفاءة والقدرة والامكانية وحب الشعب والحرص على امن البلاد.. وعلى سبيل التمنى والاحلام قل لي يادولة رئيس الوزراء : اذا نجحت في مسعاك وحصلت على شخصيات من التكنوقراط في وزارتك فهل ستحاول ان تشرح لهم مشروع ( كلشي مليون)؟.. انا ناصح لك وادعوك بالحاح الى مشاهدة مسرحية بيت وخمس بيبان واستمع مرات ومرات لبهجت الجبوري وهو يصيح : طاح حظك سلمان.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب