إرتادت السلطة في العراق بعد 2003 عناوين مخيفة واستفزازية مرعبة للمواطن الذي تدرج حلمه التاريخي بالحرية والديمقراطية الى صورة ضحية تنازع قوى حاكمة في لحظة إفتراس دكتاتوري، تدميري من نوع غير مألوف سياسيا ًواجتماعيا ً، تحت ظل أحزاب ثيوقراطية (طائفية )، لاتختلف كثيرا ًعن مافيات المال والجريمة .تغطت السلطة ( الحكومة ) أولا ً بعنوان الولاء للأمريكي المحتل أو الصديق، ثم الى أحزاب وكارتلات أمتلكت الأدوار والساحات جراء قدرتها على إحداث مجازر طائفية وعنصرية عبر ميليشياتها المسلحة ،التي أدخلت الشعب في رؤية وحسابات لاتختلف عن طريقة تجار المسالخ .هكذا كانت العلاقة ولم تزل تربط قطاعات الشعب مع أحزاب السلطة،علاقة قوامها الخوف والإذلال والتبعية ، تصطحب معها مشاعر كراهية باطنية قاتلة، وتلك وحدة قياس نفسية وعملياتية لفشل مشروع العملية السياسية في العراق، بعد ان تحولت الثرثرة الإعلامية بالنظام الديمقراطي وسلطة العدالة نحو تدمير الدولة العراقية ومسخ مواطنيها، وتحويلها الى بورصة لإنتاج حيتان المال وعصابات المتاجرة بالأرض والشرف الوطني ، دراما تختلط بها تراجيديا الموت مع كوميديا التزوير والإنحطاط الأخلاقي بغطاء إسلاموي مستهتر ومفضوح .حكاية طويلة بتفاصيل مأساوية لاتختزل بيسر، أنتهت الى ثورة غضب واحتجاج بيضاء تمارسه الجماهير في إنعطافة تكفيرعن ذنب استدرجت اليه حينما انساقت لإنتخاب أحزاب طائفية فاشلة فاسدة …!انتفاضة تركزت مطاليبها على جملة اسئلة وجودية وبنائية يأتي في أولها إسقاط الحكومة السياسية الفاسدة التي يسوقها الدكتور حيدر العبادي بفشل صريح وسياقي مع ماسبقها ، نحو حكومة تكنوقراط دعا لها بشجاعة وحزم السيد مقتدى الصدر الذي التفت حوله الجماهير، بعد ان وجدت فيه صورة القائد الشعبي القادر على عبور بحيرة التماسيح التي تشترك بها أحزاب السلطة .السؤال المهم الآن كيف للوزير أو رئيس وزراء تكنوقراط أن يعمل بعد ان ترسخت عقد متوالية في مفاصل دوائر ووزارات الحكومة ، تبدأ بالحزبية حيث تتوزع مناصب الوكلاء والمدراء العامين بين الأحزاب وحيتانها ومافياتها، وهي أحزاب تملك ميليشيات وسجلات من الجريمة والفتك بالآخر ، وإذا عبرنا مفصل الحزبية التي شاعت من خلالها آلاف الشهادات والوثائق المزورة ، كيف نتخلص من السلوك العشائري الذي حل بديلا ً عن التعاملات القانونية الحضرية والمدنية ..؟الشيء اللافت للنظر بصراحة، ان قوانين وسياقات واعراف الدولة العراقية التي سادت خلال مئة سنة ماضية، قد استبدلت خلال السنوات الثلاثة عشر الأخيرة ، بتعاملات ومواضعات غير مألوفة في قواعد السلوك الإداري ، إذ تجذرت قواعد الفساد الإداري بإصرار من قوى السلطة المتنفذة ، ما أتاح لصفقات الفساد المالي والإداري ان تجري كحالة ملازمة لسلطات ومؤسسات تقوم على تدمير أسس وجودها ودورها، وتحويلها لواجهة رسمية لنهب المال العام .من هنا أجد ان وجود تشكيلة وزارية تكنوقراط لابد لها من رسم منهج برؤية تخلصها من اشتباكات الواقع الفاسد، وتتيح لها القدرة على العمل ، لكن الأحزاب التي أصبح وجودها مرتبط بفسادها وسلطتها ،هل تستجيب لذلك ..؟ هذا هو السؤال الذي يستدعي ان تحشد له الجماهير أصوات احتجاجها فيما إذا نجحت بتعيين حكومة تكنوقراط .