23 ديسمبر، 2024 3:30 م

تكنوخراب تكنوخراب

تكنوخراب تكنوخراب

سنبقى في دائرة تلك الصراعات الوهمية التي يتنابزون عليها من خلال التصريحات والمؤتمرات وماأكثر ما مرَّ منها من أسماء تنتهي بأنتهاء المؤتمر أو الاجتماع ويرجع بعدها الوضع كما كنت , مرة نسمع بالتعايش السلمي ومرة بالمصالحة الوطنية وأخرها الاصلاح , اليوم نرى أن رئيس السلطة التنفيذية قد أدرك واهماً أو قاصداً بان العلّة الوحيدة في البناء السياسي هي أبدال الكابينة الوزارية بأخرون تكنوقراط وهذا كل ما في الامر , أي أن كل ماحصل فينا من خراب سياسي وثقافي واجتماعي وأقتصادي سببه تلك الكلمة التي تتكون من مقطعين , تكنو وهي تقنية وقراط وهي السلطة أو الحكم , نعرف تماماً أن كل المتصدين للوهم السياسي كانوا محترفين وبارعين في المقطع الثاني ( قراط ) , أما المقطع الاول فقد كان غائباً ومحارباً منذ تولوا السلطة والى الان .

ومن دواعي الاسف أن نتأمل من سببَّ لنا كل هذا الخراب أن يصلح وأن يأخذ عهداً على نفسه بأنه سيترك المليارات والقصور والخدم والحشم ويعتذر الى شعب مقصوص الجناحين , يزور النازحين ويأوي المتشردين وينصف المظلومين ويأكل مع الجياع ويرفع شعار الشعب أولاً , كل الاجراءات الساذجة التي أُتخذت بأسم الاصلاح أتت بنتائج عكسية تماماً فلازال الجميع يعيش برفاهية مطلقة , وهو مقتنع تماماً بأن الوطنية والجهاد هو الذي أوصله الى ما هو عليه , وأنه يستحق ذلك شرعاً وقانوناً وعرفاً , لم نرى أي من هؤلاء قد أطلق أصلاح تربوي لأنه بعيد عن الواقع التعليمي فأولاده في مدارس وجامعات غير عراقية , ولم نراهم يصلحون الواقع الصحي فعلاجهم في مستشفيات الدول ألاكثر تطوراً في العالم وعلى حساب السلطة التي يترأسها , ولم يتمكن أحدهم أن يكون راعياً للثقافة والفنون والادب وبدلاً من ذلك نشروا ثقافة المكونات وما صاحبها من طائفية وقومية وأقليمية .

ليس لدينا حكومة تعمل على تطبيق القانون وتؤسس الى مبدأ المواطنة والتي تكون الحقوق والواجبات هي مرتكزاتها الاساسية وأن يكون المواطن فرداً من الشعب لا يُسأل عن ما دسَّ  ألينا من مفاهيم خربة ألا بمقدار ما أدى عليه من واجبات وأن يكون قادراً وبشكل قانوني أن يطالب بحقوقه المشروعة من أكبر شخص في السلطة وبأي موقع كان  , وهذا ببساطة هو المطلوب من الاصلاح كمفهوم عام , وليس الاصلاح كما يفهمه جهلاء السياسة هو تغيير في الوزارات والتي ستأخذ الكثير من المناورات والمبادرات التي ستقبر أي بوادر لحل جوهري , وهكذا سيمر كل توجه أصلاحي عبر عباءات الحلقات المتسلطة وكل منها سَيُفلتر مالا يراه هو مناسبا لا مايوثر واقعاً على الجمهور بما فيهم الذين أنتخبوهم ساذجين , وبهذا لم يعد الاصلاح كافياً لانه يدور في أروقة في غياهب القصور والمجالس , وأصبح خدعة ووهم يتمسك به من يرتضي لنفسه أن يبقى قابعاً تحت مظلة الذل والهوان .

التكنوقراط كانوا موجودن في العراق منذ أمد بعيد , مهندسون ومعماريون وأستشاريون وخبراء , ولازالوا في العراق منهم الكثيرون , وقد أُهملوا وغُيبوا وأصبحوا كالعانسات في سوق الجاريات همهم الوحيد أيجاد فرصة للعمل في أي مجال حتى وأن كان في غير أختصاصهم , , سواق تكسي , بائعون في الاسواق الشعبية , أصحاب محلات , وغيرهم كثير , هؤلاء هم تكنو فقط ولايسعون لأن يكونوا قراط , وأنما يتمنون أن يسعوا في مناكب ما درسوا وتعبوا لأجله , ومنهم من يشغلون مناصب عديدة في السلطة فأصبح لزاماً علينا أن نسميهم تكنوقراط ولكنهم مسحوا المقطع الاول ليكونوا في دائرة أغراء السلطة ومنافعها ومتطلباتها , ومن يدعو الى أن يتسنم التكنوقراط الألعوبة الوزارية والحال كما هو عليه اليوم سيعلم أنه لاجدوى من ذلك مالم تكون لهم الحرية في العمل بدون أن تقيدهم الاحزاب التي ستكون هي التي تأتي بهم وبشروط لايمكن التنصل منها وتبقى الدوائر تدور ولايستطيع أحد منهم أن يخرج من جلباب من آتى بهم .

اليس من المخجل أن نتفاجأ بعد ذلك الخراب والتفتيت لمفهوم الدولة والوطن والشعب أن الحل الوحيد لكل ماجرى علينا من حيف هو التكنوقراط , وأن أرتضينا بذلك جدلا , فماذا نسمي الحكومات المتعاقبة علينا , بعد الخراب الامني والدفاعي وتبعا لذلك أُحتلت أرضنا وأغتصبت فتياتنا , والخراب الاجتماعي الذي أسس الى أضخم تفتت جمعي بين شرائح المجتمع وظهور مفاهيم الجاهلية الاولى , والخراب الاقتصادي الذي أتى على مواردنا وأموالنا وأصبحنا الحكومة الاولى في الفساد في العالم , والخراب الذي طال كل المسارات في الصحة والتعليم والثقافة والذي ينحدر كل يوم بأتجاه السقوط , فلا ندري ماذا يمكن أن نسمي كل تلك السنوات من التحكم والتسلط , ولاندري ماذا يمكن أن نطلق من تسمية على من تصدى وتسنم المناصب المختلفة من أشخاص وعناوين بعد أن لفّنا الخراب الجوهري الشامل , الذي أصبح منهجاً يقترب من أن يكون تقنية بحد ذاته , اليس من حقنا أن نطلق عليهم ( تكنوخراب ) .