23 ديسمبر، 2024 5:17 م

تكفير الشيوعية بين الفهم والوهم ؟

تكفير الشيوعية بين الفهم والوهم ؟

قدم الباحث الدكتور عبد الحسين الخفاجي أمسية حول تكفير الشيوعية بين الفهم والوهم على قاعة الشهيد نجاح حمدوش في محلية ديالى للحزب الشيوعي العراقي . ولم تسنح لي الفرصة حينها بمشاهدتها الا تلقي أطرافا من حديث هنا وهناك .. وصادفتني بعض النتف بالاشارة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي . وفي عتب هويدراوي من الباحث عبد الحسين في عدم أشارتي لها في كتاباتي وتهميشاتي ولرفع هذا العتب أبعث لي الرابط للامسية على موقع اليوتوب .. وكنت مهتما أن أسمعها .. وهذه من أهتمامات بقايا العمر في القرأءة والبحث والتقصي والمعرفة .
أولا … أثني على جرأة الباحث بشجاعته على طرق هذا الملف الخطير والمحذور في السياسة العراقية الحالية المتمثلة بالاسلام السياسي المتخلف .
ثانيا … أرفع قبعتي له في هذا الموقف التاريخي من مفهوم الشيوعية بتجليلاتها الانسانية والفكرية والنضالية , كان يفترض أهل البيت هم أولى في الحفاظ على أثاث بيتهم من التخريب والاستهداف والحيف والغبن والافتراءات التي لصقت بالفكر الشيوعي بالعراق .
ثالثا … فكرة الامسية بتقديري كانت بطرح تسأولات وتجلي تداعيات حول علاقة الشيوعيين بالدين .. كان المحاضر يهدف من وراء ذلك أغناء لتلك التداعيات في الفهم التاريخي للماركسية حول الدين من قبل الحضور .
نبذه مختصرة عن الكاتب .
عندما تركت العراق عام ١٩٨٣.. كان عبد الحسين ( بدوه ) .. صغيرا ورغم الجيرة لكن لا يجمعنا الا ساحة ( أم الهريين ) في لعبة كرم القدم .. وأحيانا طرق البساتين جيئة وذهابا للقراءة . عائلته حال كل العوائل العراقية بين بعثي وشيوعي . عنه سمعت لسنوات مضت بميوله الاسلامية وتبوأ موقعا , لكن بحوثه وقرأته هي التي رجحت تفكيره نحو الواقعية السياسية أن صح التعبير , أي بدأت أفكاره تنحى منحا ضد التيار الجارف وما قدمه اليوم من وقائع في أمسيته برفع الغبار على مفاهيم بالية حول الفكر الشيوعي وعلاقته بالدين جديره بالتقدير والاهتمام .
الدين أفيون الشعوب ؟
قالها ماركس في القرن التاسع عشر , عندما كانت طقوس الكنائس تتحكم في سياسات أوربا مما زادها تراجعا وتخلفا على كل المستويات ولم تنهض أوربا من سباتها الا بعزل الكنيسة عن
أدارة سياسات البلد في الحكم . وتجربة العراق الحالية في تدخل الدين في سياسات البلد تحت وصاية ولاية الفقي وفي التحكم بشؤونه الدنيوية وما رافق ذلك من تراجع في جميع مناحي الحياة فهو دليل على نبوئة ماركس في همجية الدين في التدخل بسياسة البلد وتصدر مشروعه السياسي .
قبل التعرج على محاور الامسية الاساسية والتي تستحق الوقوف عندها من شيوعيي وطني يؤمن بالفكر الماركسي اللينيني وقوانينه التاريخية في الديالكتيك والاضداد .
أود أن أوضح لمقدم الامسية عبد الستار زنكنه مع تقديم شكري له في أدارة محاور الامسية .
بعد أنتهاء المحاضر من أمسيه قدم أستشهادات لم يكن موفقا بها … بخصوص الحزب الشيوعي السوداني لم يكن محمد أبراهيم نقد ولا عبد الخالق محجوب ولا الشفيع أحمد الشيخ ولا فاطمة أحمد أبراهيم في توافق مع فكرة الدين والاسلام السياسي فهم بعيدين كل البعد عن هذا الخندق لا لشيئ الا لانهم ماركسيين لينينين .. فاين مشروعهم السياسي في بناء سودان متحرر وديمقراطي أذا كانوا كما أدعى أنهم حجاج ويدعون لحملات الحج .. أين هي مفاهيم الشيوعية في هذه الدعوات ؟ .. فان صح هذا النكوص والتراجع في رؤيتهم السياسية فبئسا لهم ولشيوعيتهم . اما السكرتير الحالي للحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب وتحالفه مع المؤتمر الشعبي ومغازلة التوجه الاسلامي للبلد .. لا تنم على سياسة ماركسية .. أذا كانت الماركسية هي المنهج الاساسي للحزب . فسياسة أي حزب شيوعي أو يساري تجاه الدين والاسلاميين والمراهنة عليهم لا تعد الا لوثة وتراجع عن مباديء النضال الحقيقية . لانه الماركسية تعتبر الاديان كلها مرحلة من مراحل التطور البشري .
أيضا حاول المقدم عبد الستار زنكنة شخصيتين سياستيين بائستين في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي .. عزيز محمد لم يجلب الى بغداد مع والدته في زمن الشهيد فهد , وأنما جلب عام ١٩٥٢ في فترة قيادة بهاء الدين نوري للحزب بعد عاصم فليح وأعتقال زكي وطبان في أيلول عام ١٩٤٩ .. مع والدته أسكنوهم في بيت حزبي للتمويه على أمن والحفاظ على طابعة الحزب .
وبداية تعلمه في بيوت الملالي لم تصنع منه قائدا نضاليا وأمميا .. ظل بنزعته القومية الشوفينية المتعجرفة مما قاد الحزب الى المهالك وسلمه في المؤتمر الرابع جثة هامدة بعد ثلاثون عاما من الهزائم الوطنية والفكرية والتنظيمية .. صاحب القول الشهير في خيمة المؤتمر الرابع في منطقة أرموش السفلى في لولان .. جئنا ليلغي نصفنا النصف الاخر .. والنصف الاخر كان معروف من هم ؟ .. شبه الباحث عبد الحسين شعبان خيمة المؤتمر في ملزمياته مثل مجزرة قاعة الخلد عام ١٩٧٩ .
أما أحمد باني خيلاني وليس محمد … لايفقه من الشيوعية شيئأ وانما ألتزام ديني وعشائري دعاه للتمسك بالحزب .. في ندوة له عام ١٩٨٤ عندما كان مسؤول قاطع سليمانية في منطفة
كرجال .. وكنت أنا شخصيا حاضرا قال … الشيوعي الذي لايعرف يقود البغل ليس شيوعيا .. ودعنا عن الفهم الماركسي والعمق الفكري صفر باليد .
عزيزي وصديقي عبد الحسين … دينن لك في رقبتي على موقفك هذا في الدفاع عن حلمنا الشيوعي وتاريخنا النضالي والفكري الوطني . سأتعقب النقاط المهمة في أمسيتك .. بناءا على تجربتي وقرأتي .
1. موضوعة الشعراء الشيوعيين مظفر النواب وسعدي يوسف وبدر شاكر السياب .. أود أن أوجز لك حقيقة ما زال غربالها يعمي عيون البعض .. ليس كل من ترك التنظيم الشيوعي أنتهت شيوعيته .. الحزب الشيوعي هو جزء مهم وفعال من الحركة الشيوعية العراقية . وهؤلاء الشعراء تقاطعت أفكارهم مع نمطية وألية التنظيم في وقت مبكر جدا , حيث لم تعد حاضنة الحزب تحوي تطلعاتهم ومساحات أبداعهم .. مثال النواب ترك التنظيم عام ١٩٦٨ لكنه ظل متألقا شيوعيا موقفا وشعرا رغم حملات التشويه والتي حاولت أن تطال منه . بدر شاكر السياب موقفه معروف .. أما سعدي يوسف الشيوعي الاخير أي أخر شيوعي بقى في العراق كما يقول .. أرائه الجريئة يجهر بها علننا ليلا ونهارا ضد الاحتلال ويشتم كل المتعاونيين معه .
٢. حول تاريخية تأسيس الحزب الشيوعي العراقي .. هو ٣١ أذار عام ١٩٣٤ .. حتى الوثائق البريطانية السرية تؤكد على هذا التاريخ . في البداية كان بأسم ( لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار ) .. وسبقه نشاط ماركسي وخلايا ثورية على يد حسين الرحال وأخته أمنوا .
٣. صلاح الخرسان ..
ورد في سطور المحاضر شخصية صلاح الخرسان .. وصفه ضمن سرب رجالات الدين .. وانا في متابعتي له والاطلاع على كتابه الصادر في بيروت عام ٩٩٣١ ( صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق ) . كثير هي المؤشرات أنه شخصية وهمية ليس هذا أسمه الصريح . ولا يوجد له منجز في أنصاف تاريخ الشيوعيين ولم يكن داعيا أسلاميا .
٤. العلامة محمد باقر الصدر .. وكتبه .. أقتصادنا وفلسفتنا ؟
ساروي شهادتي حول كتاب أقتصادنا …صدر في مطلع السبيعنيات وفي مقتبل هذاك العمر لم نفطن له ولتداعياته وتأثيراته بين
الناس وتحديدا بين المطلعين والعاملين في مجال السياسة , لكن في نهاية السبيعنيات لفتت أنتباهي نتفا لا تخلو من الهمس على تخوت مقاهي قرية الهويدر برزت بين الشيوعيين والدعوجية .. دعاة حزب الدعوة يراهنون على مستقبل متون الكتاب ونظرياته في دحض أفكار وفلسفة ماركس في بناء أقتصاد الدولة وتنظيم علاقات الانتاج وحقوق العمال وفائض القيمة ومراحل تطور المجتمع البشري .
أحد أصدقائي الدعوجية ضياء محمد فيزه .. الذي أعتقل عام ١٩٧٩ وغيب تماما الى يومنا هذا .. بيتهم في القرية مقابل دكان أبي .. كنا نلتقي يوميا بحكم عملي مع أبي , وكلما ألتقيته أراه حاملا الكتاب ومهمش عليه مقارنة بافكار ماركس ونظريته , لكن في وعي هذيك السنيين لم نتمكن من الخوض بافكاره وفلسفته . الدعوجية .. لقد صدعوا رؤوسنا به , وأعتبروه بديلا لكل الفلسفات والنظريات .
بعد أخر أنفال عام ١٩٨٨ وصلت مع مئات من الهاربين الى مجمع ( أوردكاه ) الرضائية مهزوما من ذرى كردستان وناجيا من سموم الكيمياوي مع مجموعة من الرفاق محشورين مع أوساط هؤلاء الناس ربما للتمويه نحن أيضا نازحين . الايرانيين غضوا النظر عنا رغم تيقنهم من هوياتنا . في مكان جميل وهاديء يطل على نهر متدفق وخضار كثيفة ومنسقة من الاشجار تم حجزنا . في المكان مكتبة يكسوها الغبار والاهمال .. ثمة كتب دينية كان من ضمنها كتاب أقتصادنا للعلامة محمد باقر الصدر بطباعة أيرانية سيئة .. سهرت عليه أيام فلم أجد به ما ضخم حوله من هول في بناء اقتصاد العالم .
لقد جاء حزب الدعوة الى دفة الحكم عبر بوابة الاحتلال منذ ١٣ عاما .. أين البناء الاقتصادي والاجتماعي والفكري من كتاب أقتصادنا في بناء مؤوسسات الدولة ؟ خراب وتدمير وفساد وسرقات وضيعوا البلد . بينما ما زال العالم المتحضر يستند على نظرية ماركس الاقتصادية في بناء بلدانهم من تنمية وضمان وصحة وعلاقات أجتماعية .
٥. فتوى المرجعية في أبادة الشيوعيين .
عام ١٩٦٠ أصدر المرجع محسن الحكيم من مدينة النجف باعتبار الشيوعية كفر وألحاد في أجواء سياسية متصارعة ومتناحرة . كان للشيوعيين دورا سياسيا كبيرا في أنجازات ثورة ١٤ تموز في العدالة الاجتماعية وقانون الاحوال الشخصية والامومة وأسس الديمقراطية والبناء مما لم يريح القوى الرجعية الداخلية المتمثلة بالمرجعية والاقطاع والقوميين والبعثيين بالتواطأ مع قوى الشر الخارجية .. كل هذا القوى مجتمعة لم تتمكن من الحد من أهداف الشيوعيين في تطلعاتهم لبناء بلدهم العراق .. فلم يبقى أمام هذه القوى الشريرة الا فتوة المرجع محسن الحكيم . الشيوعية كفر وألحاد .. تركيبة المجتمع العشائرية وقواه السياسية المتخلفة والموتورة . أستغلت هذه الفتوى
لتبيد الشيوعيين في شباط الاسود ولتجهز على منجزات ثورة تموز وقادتها .
الماركسية لم تتعارض مع فكرة الدين كرسالة ونهج , لكن التقاطع مع سياسة الاسلام السياسي والذي بالضد من مقولات وفلسفة الماركسية في البناء وأسلوب الحكم . ويضعنا في مفارقات الحكم الدينية والدنيوية . فالفكر الماركسي نظريته مبنية على الواقعية السياسية والعلمية .
بعد ما يقارب من خمسة عقود مضت .. تعود المرجعية الدينية في النجف وتدس أنفها في أمور البلد السياسية لاعبة دور غير وطني من موضوعة الاحتلال وأركان الحكم الطائفي وحاث طبقات المجتمع العراقي على التصويت على الدستور المليء بالالغام رغم معرفتها التامة على طائفيته المقيته في تقسيم العراق وضياعه والتي باتت بنوده وفقراته دعوة للفساد وتشتيت العراقيين .