18 ديسمبر، 2024 10:57 م

تكريم باحثة عراقية وابنتها في جامعة بطرسبورغ

تكريم باحثة عراقية وابنتها في جامعة بطرسبورغ

هذا حدث ثقافي فريد فعلا من نوعه وطريف ومدهش ايضا , ومفرح طبعا بالنسبة لي لأنه يرتبط بعراقنا الحبيب ( وما أندر ذلك في عصرنا المكفهر والمتجهم و المتشابك) , اذ اطلعت الان على خبر يقول , ان الكليّة الشرقية ( حسب الترجمة الحرفية وكليّة الاستشراق في بعض المصادر, وكلاهما صحيح)بجامعة بطرسبورغ العريقة والعتيدة في روسيا قد قامت بتكريم التدريّسية ( الاستاذة المساعدة) في تلك الكليّة الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها , التدريّسية (الاستاذة المساعدة) هناك ايضا الدكتورة آماليا موكروشينا , وذلك لنشرهما المشترك عام 2019 كتابا باللغة الروسية صدر ضمن منشورات تلك الجامعة نفسها عنوانه – ( وصف المخطوطات العربية) , وهو كتاب مهم جدا يحاول تعريف الطلبة الروس في جامعة بطرسبورغ بتاريخ هذه المخطوطاتالنادرة ومصطلحاتها ومواضيعها المتنوعة وكيفية الاطلاع عليها والتعامل معها .

ان المخطوطات العربية في مدينة بطرسبورغ تعد ثروة لا تقدر بثمن , وأذكر عندما زرنا جامعة بطرسبورغ بايفاد رسمي من جامعة بغداد قبل سنوات قد اطلعنا عندها على تلك المخطوطات , ولازلت مندهشا لحد الآن من الاجواء المحيطة بتلك المخطوطات من اجل الحفاظ عليها , اذ انها كانت معروضة في قاعات احد قصور القياصرة الفخمة , و محفوظة في خزانات زجاجية معدّة لهذا الغرض , ويغطّونها بغطاء سميك خاص وداكن اللون من القماش يحميها من ضياء الشمس او المصابيح الكهربائية , وعندما كنّا نقترب من تلك الخزانات الزجاجية كانوا يرفعون الاغطية عنها ليعرضوها لنا , ثم يعيدون الغطاء رأسا , ولم يكن ممكنا ابدا لمسها باليد , بل كنّا نتأمّلها وهي في تلك الخزانات الزجاجية الخاصة , وكانت المخطوطات بحالة رائعة وكأنّها مخطوطة الان بالوانها الزاهية . تذكرت كل هذه الاجواء وانا اقرأ خبر التكريم للعراقيةالاستاذة المساعدة في جامعة بطرسبورغ الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها (العراقية حسب الام و الروسية حسب الاب) الاستاذة المساعدة في نفس تلك الجامعة الدكتورة آماليا موكروشينا , وربطت هذا الحدث الثقافي الفريد بعراقنا طبعا , ولكن ربّ من يقول , ان يافعة وابنتها هما في الوقت الحاضر جزء لا يتجزأ من حركة الاستشراق الروسية البحتة , اذ ان يافعة التحقت للدراسةبجامعة بطرسبورغ في اوائل السبعينيات من القرن الماضي , اي انها في ربوع هذه الجامعة العريقة حوالي نصف قرن تقريبا , وهي رحلة ابتدأت من الدراسة للحصول على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ثم الانتقال الى صفوف العمل في التدريس في نفس تلك الجامعة , وصولا الى درجة استاذة مساعدة , وبالتالي , فانها ابنة جامعة بطرسبورغ بكل معنى الكلمة , ولكننا نقول لهؤلاء , ان يافعة كانت وستبقى عراقية قلبا وقالبا ( ومن سابع ظهر!!!) , وان كل هذه المسيرة العلمية الرائعة والمدهشة قد أكّدت عراقيتها , وليس عبثا , ان كتبها المنهجية العديدة التي نشرتها في روسيا حول تدريس اللغة العربية للروس قد تحولت الى مصادر دائمية في هذا المجال العلمي (المهم جدا لنا نحن العرب) , وان بحوثها العلمية الكثيرة ترتبط باللهجة العراقية قبل كل شئ , وان هذه البحوث اصبحت في الوقت الحاضر مرجعا متميّزا ويعترف به الجميع في حركة الاستشراق الروسية بشكل عام , وليس هذا بالشئ اليسير وسط الاجواء العلمية المتطورة في روسيا , ولعل ابرز عمل قدمته د. يافعة يوسف جميل هو تربيتها لابنتها آماليا , والتي اصبحت – بفضل هذه الاهتمام الكبير من قبل والدتها- تدريسيّة في نفس جامعتها , والفرق الوحيد الان بينهما , ان يافعة استاذة مساعدة في قسم الفيلولوجيا العربية بالكليّة , وابنتها آماليا استاذة مساعدة في قسم نظرية التطور الاجتماعي لبلدان آسيا وافريقيا في نفس الكليّة ايضا , وهذه ظاهرة فريدة جدا , ويمكن للوالدة وابنتها ان يفخرا بذلك الواقع , ويمكن لنا ايضا ان نفخر بهذه الظاهرة النادرة حقا .

ختاما لهذه السطور , اريد ان اعلق على صورة رأيتها حول هذا التكريم , الذي قام به المجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ ( وهو أعلى مؤسسة علمية في تلك الجامعة ) , اذ وجدت في تلك الصورة الام وهي تقف على يسار مندوبة المجلس العلمي للجامعة المذكورة وابنتها على اليمين , وهما يمسكان الشهادة الفخرية لهذا التكريم الفخري , والذي لا يقدر بثمن بالنسبة لهما , وبالنسبة لنا جميعا , في هذا الزمن الصعب , فشكرا يافعة وشكرا آماليا وشكرا للمجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ , الذي قام بتكريم عملهما العلمي الرائد….