يبدو أن ساسة أخوتنا الكرد لم يجدوا عند دونالد ترامب شيئاً مما لوّح لهم به الخبيث باراك أوباما ، ولذلك راحوا يستعجلون الأمور ويستغلون الظروف الراهنة وينفذون ما كانوا قد بيّتوه !
فما أن عاد السيد العبادي من سفرته الأمريكية حتى أعلن نيجرفان بارزاني عن موعد تقريبي لإجراء استفتاء حول موضوع ” الإستقلال ” عن العراق والخروج من خيمته . ولم يمض سوى يوم أو يومين على هذا الإعلان حتى رفعت أفاعي كركوك علم إقليم كردستان على المباني الرسمية في المدينة ، بتأييد معلن من حزب السيد البارزاني .
والواقع أن السيد محافظ كركوك ، وشريكه السيد رئيس مجلس المحافظة ، استغلا ظروف انشغال الحكومة الاتحادية بمحاربة داعش ، وعملا معاً طوال العامين الماضيين على تهجير السكان العرب منها ومما جاورها من قرى وبلدات بشتى أنواع الضغوط والمضايقات والتهديدات ، وبذرائع مفتعلة ، بهدف ( تكريد ) ما يمكن تكريده من المنطقة ، في وقت كانت فيه تصفية بعض الشخصيات العربية تجري على قدم وساق .
وهاهم ساسة الكرد ونوابهم في البرلمان يتضافرون اليوم رغم خلافاتهم على شرعنة إجراءات التكريد ، دون أي سند دستوري مما يزعمون .
إن كركوك ، على وفق الدستور ، من الأراضي المتنازع عليها ، وهي ما تزال ، دستورياً ، تحت ولاية الحكومة الاتحادية وسلطتها ، ومحافظها وأعوانه ما زالوا موظفين من موظفي هذه الحكومة شأنهم شأن موظفي المحافظات الأخرى ، وهذا يلزمهم بأداء واجبهم الوظيفي بأمانة وإخلاص ، وهو يعني أن قوانين الدولة والتعليمات الصادرة بموجبها تنطبق عليهم كما تنطبق على غيرهم من الموظفين إن هم أساءوا التصرف ، بما في ذلك العقوبات ، ابتداء من العزل حتى لفت النظر .
لهذا ولأن كركوك ليست مدينة كردية خالصة بل مدينة متنوعة الإثنيات كما يعرف الجميع ، فإن جميع إجراءات تكريدها ، بما في ذلك رفع علم كردستان على مبانيها الحكومية ، هي إجراءات باطلة ، لا دستورية ، ولا شرعية ، وتصرفات انفرادية وانتهازية متهورة ، إن لم نقل مخالفات وظيفية سافرة .
وإذا كان تنفيذ المادة (140) من الدستور قد تأخر عن موعده لسبب أو لآخر وتأخر معه تقرير مصير الأراضي المتنازع عليها ، فهذا لا يعطي الساسة الكرد حق التصرف من طرف واحد ، والتهور في اتخاذ مثل هذه الإجراءات ، بدل الحوار والتفاوض والتفاهم ، أو اللجوء إلى القضاء إذا لزم الأمر .
بقي أن نقول : إن الساسة الكرد يعرفون جيداً أن حلم تأسيس دولة كردية مستقلة ما يزال بعيد المنال ، لأسباب يعرفونها هم أكثر مما نعرفها ، فهو حلم غير مرحب به على الصعيدين الإقليمي والدولي ، في المرحلة الراهنة في الأقل ، ولذا فإن التلويح بإجراء الإستفتاء حول الإستقلال ليس سوى قعقعة فارغة ، لا تقدم ولا تؤخر ، ولكنها تسهم في توتير الأجواء وشحنها ، والأفضل أن تحل المشاكل العالقة بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم بالحوار والتفاهم وليس بالأساليب الإستفزازية .
وبعد ، فأظن أن الحكومة الاتحادية مطالبة باتخاذ إجراءات حازمة مدروسة بحق موظفيها العابثين في كركوك ، وعدم الاكتفاء بالبيان الذي صدر عنها ، فقد كثر هذا العبث وتعددت وجوهه .
نقلا عن صفحته الشخصية ـ فيس بوك