22 ديسمبر، 2024 8:43 م

تكريت والموصل بين طهران وواشنطن

تكريت والموصل بين طهران وواشنطن

تتواصل المعارك بين القوات العراقية والقوى المساندة لها ضد تنظيم داعش على مختلف الجبهات رغم اختلاف الاستراتيجية القتالية لحليفي العراق الرئيسيين في هذه الحرب وهما الولايات المتحدة وايران ، ففي الوقت الذي يكثف فيه طيران التحالف الدولي من غاراته الجوية دعما للجيش والعشائر في محافظة الانبار ولقوات البيشمركة في نينوى وكركوك ناهيك عن وجود برنامج تدريب وتسليح أمريكي بريطاني لفصائل مسلحة مسيحية وأيزيدية لمواجهة التنظيم المتطرف ، نرى دوره قد تلاشى بشكل شبه تام في معركة تكريت وهي أولى معارك الحسم الثلاث الرئيسية (قبل معركتي الموصل والفلوجة) ضد داعش ، حيث تتواتر الأنباء عن تحرير قرية البوعجيل وقضاء الدور وتقدم ملموس نحو ناحية العلم وبوتيرة ابطأ باتجاه تكريت نتيجة أسلوب تفخيخ وتلغيم الطرق والجسور والمنازل التي يتبعها المقاتلون المتطرفين ولضعف الاسناد الجوي الغربي وهو ما مكن داعش من جلب تعزيزات من بيجي والموصل للوهلة الأولى (قبل تحرير البوعجيل) في الوقت الذي نزلت فيه ايران بثقلها في المعركة رغبة منها في تحقيق انتصار يحمل قيمة معنوية كبيرة في مدينة لها رمزيتها مرفقة برسالة تحدي قوية لكل معارضي النفوذ الايراني في العراق وفي هذا السياق تأتي على مايبدو زيارة الجنرال مارتن ديمبسي لاحتواء الدور الايراني المتصاعد في الحرب في مرحلة مابعد تكريت ولو بالتلويح بالتقليل من الضربات الجوية !! كوسيلة ضغط على الحكومة العراقية وقوات الحشد الشعبي “تحديدا” المستهينة بالدور الامريكي في الحرب على الارهاب والمشككة به وهو ماقد ينعكس سلبا على الموقف الميداني .

وهكذا يتضح لنا بأن الدعم الامريكي للجيش والعشائر والبيشمركة يقابله دعم ايراني لقوات الحشد الشعبي فحين يحضر الأول يتراجع تأثير الثاني والعكس صحيح في عملية تبادل أدوار متقنة كلا في المناطق التي يسعى لضمان بسط نفوذه و تأثيره السياسي عليها وصياغة مستقبلها في عراق مابعد داعش ، ومن هنا جاء افساح واشنطن

المجال لطهران في معركة تكريت مقابل عدم ممانعتها على انفراد الولايات المتحدة وحليفتها تركيا (صاحبة الأطماع التاريخية) فضلا عن الجيش العراقي في معركة تحرير الموصل والتي يبدو انها ستكون بمعزل عن قوات الحشد الشعبي ، حيث يراد للمدينة أن تكون نواة الاقليم السني المدعوم تركيا وهو مايتطلب نقل “زعامة البيت السني” اليها من الانبار التي أخفق ساستها وشيوخ عشائرها وعلمائها ومسلحيها على حدا سواء في ايصال السنة الى بر الأمان وتسببوا بتدمير البنية التحتية لمحافظتهم ذاتها ومعها باقي المحافظات السنية ونزوح سكانها وبالتالي ضعف الموقف السياسي السني بل واحراق العراق كله بمعية عوامل أخرى طبعا.

ان اختلاف الاستراتيجية العسكرية الامريكية والايرانية يستتبعها بالضرورة تناقض كامل في رؤيتهما السياسية لمستقبل العراق فأما عراق فيدرالي مقسم الى ثلاث أقاليم سنية وشيعية وكردية مع بقاء قواعد عسكرية أجنبية وفق الرؤية الامريكية أو عراق مركزي بحكم شيعي مع هامش بسيط من الصلاحيات للمحافظات وفق الرؤية الايرانية دون أن يحقق له ذلك الاستقرار والأمن المنشود على المدى البعيد مع استمرارية كونه عامل جذب للعناصر المتطرفة خصوصا مع صعود نجم القوى الشيعية العراقية المتشددة المقربة من طهران حيث تعد امتدادا حقيقيا لولاية المالكي الثانية والتي كانت سياساتها احدى مسببات ظهور تنظيم داعش على حساب قوى الاعتدال الشيعي والتي تسعى لتدارك الخطأ الكبير الذي وقع به الشيعة عندما أداروا ظهورهم للأميركيين وتناسوا دورهم الرئيسي في اسقاط النظام السابق وهو مافشلت به ايران طيلة حرب 8 أعوام مع ماترتب عليه ذلك من وصول الشيعة لحكم العراق لأول مرة وهو ماعجزت عنه أيضا بلاد فارس طيلة 1400 عام .

ولما كانت لغة المصالح هي شيفرة القاموس السياسي الامريكي و المحرك الأساسي لتوجهات دوائر صنع القرار في واشنطن فان وجهة البوصلة الامريكية تتجه باطراد نحو السنة والأكراد بعد فقدانها الثقة بالشيعة الذين ربطوا مصيرهم بايران المقبلة على اتفاق نووي تاريخي مع الغرب ستضطر معه لتقديم التنازلات والتضحية بسوريا أو بالعراق حيث يدرك القادة الايرانيون جيدا استحالة الاحتفاظ بكليهما معا تزامنا مع عودة مرتقبة وقوية للجمهوريين الى البيت الأبيض عام 2016 وهو مايفسر توالي التصريحات الامريكية بالحاجة ل3 سنوات لتحقيق الانتصار على داعش في العراق وسوريا .

ان مايتعرض له العراق هو نتيجة طبيعية لانحلال هويته الوطنية الى هويات فرعية أثنية وطائفية وانعدام المشروع الوطني الجامع في غمرة الصراع المستفحل على السلطة في بغداد وعدم قدرة المجتمع في ظل حالتي السبات الشعبي والاحتقان الطائفي على انجاب قيادات شابة عملية تتعامل بمفهوم الدولة وتؤمن بالقانون وبقيم المواطنة ولها القدرة على بث الوعي في صفوف الشعب واحداث التأثير والتغيير المطلوبين في المجتمع والدولة.

ان مستقبل العراق ليس بيد أبنائه وانما وفقا للصفقات الاقليمية والتفاهمات الدولية فهي التي ستحدد بقاء هذا البلد موحدا (وان بصورة شكلية) أو انفراط عقد مكوناته (كلا في كيانه الذاتي) مع بدء مرحلة جديدة من الصراع لرسم الحدود المشتركة وتحديد مصير المناطق المختلطة ، وبكل الأحوال سيكون علينا وربما لعقود طويلة وأجيال قادمة تسديد ثمن باهظ للقوى الاقليمية والدولية التي ساعدتنا على هزيمة التطرف فالدول الكبرى والاقليمية المؤثرة ليست جمعيات خيرية تقوم بمساعدة الدول الأخرى الضعيفة بالمجان ، لتكون الحقيقة المره هي (لا سيادة للعراق فالحديث عن السيادة في زمن التعصب والطائفية هو كالحديث عن العذرية في زمن العهر والرذيلة ولا خيار لشعبه بتحديد مستقبل بلاده لأن الشعوب الحرة فقط هي من لديها القدرة على ذلك).

رغم ذلك تبقى الأولوية الآن لتحرير الأرض وبعدها سيكون لكل حادث حديث ، فقد تناسى الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل خلافهما الأيدولوجي العميق حتى تم القضاء على العدو المشترك لهما والأخطر والأكبر عليهما – المانيا النازية – أبان الحرب العالمية الثانية لتبدأ بعدها مرحلة الحرب الباردة.