مضى اكثر من ١٠٠ يوم من عمر حكومة الكاظمي، ولم يتوقف مسلسل الاغتيالات والقتل بحق الناشطين والمعارضين السياسيين. ومضى اكثر من ١٠٠ يوم ولم يقدم الكاظمي اي متورط في قتل المتظاهرين من قادة المليشيات والاحزاب الاسلامية الى المحاكمة سوى ثلاثة عناصر من المأجورين في وزارة الداخلية المرتبطين بالمليشيات. ومضى أكثر من ١٠٠ يوم وعمليات التصفية الجسدية بحق الفعالين والناشطين ازدادت بشكل مطرد بحيث بثت الرعب في صفوف المجتمع.
تكتيكان تتبعهما الاحزاب والمليشيات الإسلامية الموالية لإيران للحفاظ على وجودها وامتيازاتها وادامة نهبها وسرقتها للجماهير ولمواجهة النفوذ الأمريكي في العراق؛ الأول هو شن الهجمات المنظمة بضرب القواعد والقوات الامريكية لنشر الاوهام حول هويتها الجديدة “الممانعة والمقاومة” التي تحاول استبدالها ببدلها التالف (للسرقة والنهب والفساد)، والثاني هو اشاعة الفوضى الأمنية عبر قتل النشطاء والفعالين السياسيين في العراق وخاصة في المناطق القريبة من الحدود الايرانية مثل البصرة والناصرية لادامة كابوسها على صدر الجماهر.
القوى المليشياتية والأحزاب الإسلامية في العراق بجميع فصائلها وأجنحتها هي عبارة عن عصابات ومافيات، ليس من مصلحتها كما اكدنا في اكثر من مناسبة سيادة القانون والدولة وبغض النظر عن ماهية تلك الدولة وذلك القانون. اي بعبارة اخرى انها تستثمر وجودها في أوضاع اللا استقرار السياسي والفوضى الامنية.
ونود ان نؤكد انه بقدر ما تأخذ تلك المليشيات والاحزاب اوامرها من ملالي طهران وتنفذ اجندته تشعر بنفس القدر بأن وجودها اصبح في مهب الريح، وهي ترى الحصار الاقتصادي الذي يشتد رحاه على ايران، وان مكانة ونفوذ الجمهورية الاسلامية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ليست كما كانت عليه قبل عام ٢٠١٩، ومن جهة أي تلك المليشيات تصطدم بتجفيف اهم وابرز منابعها ومصادرها المالية بعد سيطرة الجيش او قوات مكافحة الارهاب على المنافذ الحدودية والتي كانت تدر شهريا على الاقل مليار دولار في خزائنها. والمسالة الاخرى على الصعيد السياسي استثمرت تمددها ووجودها تحت يافطة الحرب على داعش كي تزور الانتخابات دون اي خوف او رادع بشكل سافر وتحصل على ٤٧ مقعدا، في حين تواجه صدمة اخرى من قبل حكومة الكاظمي وهي الإعلان عن انتخابات مبكرة التي ليس لصالحها، حيث ستعمل على تقويض فرصة وجودها في البرلمان الذي يشرعن كل جرائمها وفسادها في العراق.
اما التكتيك الثاني لتلك العصابات هو اختيار مدينة البصرة للتصعيد من التصفيات الجسدية بحق المعارضين، و ينبع من عاملين يصبان في استراتيجية سواء بالحفاظ على الوجود الحياتي لتلك العصابات او بالابقاء على نفوذ الجمهورية الاسلامية. أما العامل الأول هو سهولة الحصول على الدعم اللوجستي والامني لتلك العصابات بسبب قربها الحدودي من ايران، والثاني أن اقتصاد العراق يعتمد ٩٠٪ منه على تصدير النفط عبر البصرة، وان عيون تلك المليشيات والجمهورية الاسلامية على تلك الأموال التي تدر من المدينة الغنية بثرواتها. وأن التكتيك المشار إليه هو تفريغ البصرة من المعارضين السياسيين لها والسيطرة الكاملة على المدينة عبر بث الرعب والخوف فيها. بمعنى آخر ان حظوظها في بغداد اقل بسبب النفوذ العسكري الأمريكي والبعد الجغرافي عن ايران. ان هذين العاملين هما اساسيين في تصفية المعارضين والمخالفين لهذه الاحزاب الاسلامية ونفوذ الجمهورية الاسلامية. ان تمزيق العراق الى دويلات او كانتونات ليس مهما بقدر اهمية تأمين مراكز نفوذ في واحدة منها.
وطبعا ان الناصرية بمقدار ما، هو جزء من استراتيجية تلك العصابات والميليشيات والأحزاب الاسلامية ولكن حظوظها اقل بسبب وضعها الجغرافي وقوة التيارات المناهضة لوجود تلك المليشيات وكانت أكثر المدن جسارة في حرق مقرات الاحزاب والمليشيات الاسلامية خلال مرحلة انتفاضة اكتوبر.
ان التكتيك الوحيد الذي امامنا وامام الجماهير في العراق هو في مواجهة هذه المليشيات. فهي لم تبق اي خيار، وهو التكتيك الوحيد بالدفاع عن حقنا في الحياة. إن حق الدفاع عن النفس هو حق مشروع مثبت في جميع المواثيق الدولية في العالم. انه التكتيك الوحيد أمام الجماهير وعدم انتظار الكاظمي وحكومته التي لم تتجرأ لحد الآن على تسمية المجرمين الحقيقين، ولم تستطع ان توفر الحماية حتى لنفسها في المنطقة الخضراء. إن انتظار الكاظمي بجلب الامان لنا يشبه انتظار الفلاح ان تمطر السماء في يوما من الايام، و يعني انتظار القتل على يد تلك المليشيات والعصابات.
ان نقطة ضعف الجماهير، نقطة ضعف الناشطين والمعارضين السياسيين هي في غياب تنظيم صفوفهم. إن التنظيم في اللجان والهيئات والشبكات أيا كان شكلها وفي كل مكان هو الخطوة الاولى لحماية انفسنا.
آن الأوان لمواجهة العصابات والمليشيات الإسلامية. إن تنظيم الجماهير حول شعار (حل المليشيات فورا وتحت أي مسمى) و(انهاء وجود مقرات الاحزاب والمليشيات الاسلامية في المدن) التي تحولت إلى اوكار لتلك العصابات. إن قوة تلك المليشيات تكمن في عدم مبادرة الجماهير المليونية والتي تفوق عدديا تلك المليشيات وتلقينها درسا لن تنساه، واعادتها الى جحورها والكهوف الحجرية التي أتت منها.