23 ديسمبر، 2024 1:22 م

تكبيل الخطاب الطائفي .. إيران لم تستبدل حروفها العربيّة كما استبدلتها تركيا ..

تكبيل الخطاب الطائفي .. إيران لم تستبدل حروفها العربيّة كما استبدلتها تركيا ..

ممّا لا شكّ فيه أنّ أيّ نظام حكم  يقود إيران  سيكون بالضرورة معادي للعرب وللعراق إن لم تجري عمليّة تغيير في أسلوب التعاطي “الجواري” والثقافي ما بين العرب وبين إيران .. بحكم الجيرة الدائمة الّتي لا مفرّ منها وبحكم طبيعة العمق الحضاري الإيراني الموغل في التاريخ وإن كان أغلبه على حساب الحضاري العربي بحسب ما وردنا من أخبار التاريخ القديم والّتي تستدعي وفق كلّ ذلك  إيران وعلى أساسه , كما يستدعي ذلك على الدوام أيّ نظام حكم عراقي أو سوري أو مصري , نزعات وهواجس العودة للتفوّق من جديد ..

مثل تلك “العقبات” حقائق لا نقاش فيها وعلينا وعلى إيران وضعها نصب أعيننا جميعاً لإذابتها بمختلف الطرق في أيّة محاولة لتوثيق العلاقات وجعلها أخويّة حقيقيّة مستقبلاً .. كما وعلينا أن لا ننسى أنّ النظام الإيراني الحالي أو السابق لا يمثّل بالضرورة جميع أطياف الشعوب الإيرانيّة , وفي نفس الوقت ليس بالضرورة هو نفس ما يفكّر به حتّى عامّة الفُرس .. كما ومن خلال متابعة أيّ منّا ممّن لم يُكتب له زيارة إيران أن لا ينسى التعلّق الكبير للشعب الإيراني برموز آل البيت عليهم السلام نعرف ذلك من خلال وفودهم الّتي لا تنقطع عن العتبات المقدّسة في العراق وفي غيره ومع الاسف منعوا من مقام الحسين في القاهرة لظروف كان الهالك حسني اللامبارك يمنع ذلك بحجج “دينيّة” في حين كانت مخاوفه سياسيّة ممّا يضمره له “الاخوان” المتماهون لآذانهم وولاية الفقيه .. وسواء أدخل الفُرس وبقيّة الشعوب الإيرانيّة الاسلام بالسيف أم بغيره وسواء أكان تعلّق الشعب الإيراني بسيّدنا الحسين ع بسبب زوجته “شاه زنان” أم غير ذلك فهو شعب مسلم أوّلاً وأخيراً ومحسوب على الشعوب الاسلاميّة وشعب متثقّف ؛ حتّى ولو هرب بتلك الثقافة نحو الغلوّ في الحسين , بالثقافة العربيّة  .. ولا ننسى مقولة شاه إيران ولا أعرف مدى مصداقيّتها قال فيها “جمعت المجد من أطرافه بأس الفرس ودين العرب” .. بل وكان جميع الإيرانيّون ولقبل قرون قليلة خلت شعباً “سُنّيّاً” وفق مقاسات الفتنة الّي يروّج لها حاليّاً أرباب العمليّة السياسيّة ومنفّذوها , بل وكان هذا الشعب “قبل تشيّعه” متعلّقاً بعمر بن الخطّاب وبآل البيت بنفس درجة تعلّقهم اليوم بآل البيت إن لم يكن أكثر لولا فتنة المتصوّف الجاهل الانكشاري اسماعيل الصفوي لعنه الله الّذي بدت بعده حكومات إيران المتعاقبة منذ ذلك الحين وكأنّها حكومات “صفيونيّة” كما أطلقت أنا عليها هذه التسمية بداية الغزو المشايخي ـ الغربي للعراق بعد أن بدا أمامي وكأنّ الفقيه الإيراني يمتلك نفس مواصفات الكهنوت الاسرائيلي ويسير على خطاه تبدّى لي ذلك بعد التدخّل السافر لحكومة الفقيه علانيةً في الشأن العراقي .. كما ولا يجب أن ننسى .. وإن بدا الشعب الإيراني وكأنّه يمارس طقوس وشعائر ابتعدت كثيراً عن ضفاف الدين العربي البسيط وغالا فيها كثيراً ؛ تقديسه لأهمّ رمز خدم الدين الحنيف خدمةً عظمى ويقع في نفوس العرب والمسلمين موقع الرأس من ثقافتهم الاسلاميّة ألا وهو “الحرف العربي” الّذي جعله المسلم الإيراني من مقدّساته الّتي “يفخّخ” نفسه لأجله إن تطلّب الأمر منه ذلك كما لمست ذلك عن قرب .. وقد دافعت الطبقة المثقّفة من الشعب الايراني بمعيّة المتنوّرون من “رجال” الدين الفرس وغيرهم في إيران دفاع المستقتلين عن أيّة محاولة لاستبدال الحروف العربيّة باللاّتينيّة أبان حقبة الهجوم العنيف على الثقافة العربيّة والإسلاميّة بعد السقوط المتوالي لحصون وقلاع العرب والمسلمين أمام الجيوش “الافرنجيّة” الغازية  وما تركته في نفوس العرب والمسلمين آذناك من تدمير نفسي لا يذكّرنا بطبيعته القاسية سوى احتلال بغداد الاخير .. في حين , وبغضّ النظر عن مجموع الأسباب , قد استبدل “الاتراك” حروفهم العربيّة بالحروف “اللّاتينيّة” بعد أن كانت تركيا تمثّل المحجّ الثقافي للعرب وللمسلمين في التعلّم من أساطينهم فنون الكتابة الحروفيّة العربيّة منذ سقوط بغداد العبّاسيّة ولغاية سقوط العثمانيّة .. ومع ذلك قد بلغ اليوم وفي ضل “الدين السياسي” عناد الاتراك عامّةً في الامتناع عن العودة لكتابة لغتهم بالحروف العربيّة مرّةً أخرى مبلغه رغم “التوكيل الغربي الرسمي” لهم بقيادة العالم الاسلامي وفق الشروط الغربيّة منذ سبعينيّات القرن الماضي كان وصول “نجم الدين أربكان” لحكم تركيا ثمرة ذلك الاتّفاق بعد نجاح تجربة “الجهاد” الأفغانيّة ضدّ “السوفييت .. ورغم الضغط الشديد على قادة الحركة الدينيّة في تركيا من قبل الكثير من قادة الاسلام السياسي عربيّاً ودوليّاً لم يوافق الاتراك سوى مواقتهم ترأسّ “اللجنة الدوليّة للحفاظ على التراث الحضاري الاسلامي” من خلال “مركز الابحاث للتاريخ والفنون للثقافة الاسلاميّة باستانبول” تحت اشراف السيّد “أكمل الدين أوغلو” ومن هذه المنظّمة تفرّعت مسابقة “أورسيكا” لفنون الكتابة الحروفيّة “الاسلاميّة” تقام كل ثلاث سنوات والّتي أصرّ الاتراك فيها أن تكون تسمية الحروف “بالاسلاميّة” وليست بالعربيّة ! ممّا سيوصل حتماً للمتتبّع لسياسات الحكومات التركيّة أنّ جغرافيا تركيا لو كانت على ضفاف الخليج العربي لأسمته بالخليج التركي ..

في حين أنّ مصر , وهي العربيّة , كما كاد يحدث ذلك في لبنان وفي سوريا أيضاً لولا الكنيسة المارونيّة في لبنان الّتي أوقفت “سعيد عقل” ليس الآخر في هذه الدعوة عند حدّه كما سبق لها وأن تصدّت من قبل لسياسة التتريك العثمانيّة ؛ كادت أن تنجرف مصر مع تركيا في استبدال حروفها بالّلاتينيّة لولا أهل الغيرة والنخوة من المصريين .. لا مجال للاسترسال أكثر في ذلك هنا ..

وبناءً على كلّ ذلك ولأجل المبادرة بفتح صفحات جديدة مع إيران لأجل المساهمة عراقيّاً وعربيّاً في وأد الفتنة الطائفيّة ولو من جانب واحد على الأقلّ أنّ تمتنع التظاهرات عن لغة  يعتبرها في سرّهم “شيعتنا” لغة طائفيّة .. خاصّةً وقد تمّ إعادة نفس المفردات الخطابيّة هذه الجمعة أيضاً على أساس أنّها موجّهة لحكومة السيّد المالكي وحزبه الطائفي .. فوفق هذا العنت من بعض المتظاهرين لابدّ وأن يقول “الشيعي” في سرّه “أنّنا من جانب نهتف ونقول ـ أخوان سنّة وشيعة هذه الوطن مانبيعه ـ ومن جانب آخر نتطرّق في أشعارنا وخطبنا في التظاهرات الحاليّة  إلى وصم دولة يعتبرها الكثير منّا بدرجةٍ أو بأخرى لها أهمّيّة في الانتماء العقدي لنا , في حين تمّ إهمالنا من “الاشقّاء” العرب طيلة قرون” !.. فمن خلال بعض الملاحظات الّتي سجّلتها وجدتها تجمع على لوم الطرف الآخر يكاد “الشيعة” يتّهمونه  قائلين “أنتم تقولون أنّ عمر بن الخطّاب هو من زوّج بنت كسرى للحسين ثمّ أنتم اليوم تعيّرون عمر والحسين بذلك ! .. أأنتم أحسن أم هعمر والحسين” ! .. إن لم يقولوها علانية ففي السرّ .. ومع ذلك فإن بدت العداوة من إيران , كما يقولون , فنحن لهم بالمرصاد كما كنّا في حرب الثمان سنوات .. كلّ ذلك يقوله في نفسه الكثير من شيعتنا العرب .. حتّى أنّ الكثيرون .. وهو حقّ يقال بحسب وجهة نظري ..  أنّ حكومات العرب جميعاً وشيوخ الخليج وقفوا مع احتلال العراق ودخلت جيوش أميركا من هذه الدول وتمّ تدمير العراق 13 سنة أيضاً بفضل هؤلاء الشيوخ الّذين نحن شيعة العراق من ثبّت “عكلهم على رؤوسهم” ثمّ عملوا بنا بعد ذلك ما عملوا !.. وأنّ الغالبيّة العظمى من ملايين المفخّخات الّتي عصفت وزلزلت بالعراق 10 سنوات ولا زالت , كما يقولون , هي بفضل قطر والسعوديّة والامارات والدليل مجاهرة هذه الدول اليوم بما تفعله بسوريا وما تفعله في مساندة البرزاني على الانفصال وهي من أوعزت له في مؤتمر البرلمانيين العرب الّذي انعقد بأربيل بالاعتراض على علم العراق القديم وإزالة نجومه الوحده العربيّة الثلاث بحجّة “لعام واحد فقط” ثمّ ينسى العراقيّون بعدها ! , كما هم أنفسهم من أوعز “للسادات” برفع النجوم من علم مصر أيضاً ! ..

“شيعة” العراق  .. رضينا أم أبينا يمثّلون اليوم وسط “القلق الطائفي” الّذي يجب أن يزول , شريحة كبيرة من شرائح العراق الاجتماعيّة ولهم صوتهم الواضح ولهم رؤيتهم السياسيّة الواضحة .. ومنها .. وبعد كلّ تجاربهم المريرة والقاتلة مع “أشقّائهم” العرب  كما بقيّة شعب العراق , يقفون في نهاية المطاف اليوم وبكلّ قوّة مع النظام السوري ومع النظام الإيراني ويعتبرونهما “بعد أن ساندوا صدّام حسين في حربه ضدّ الغرب وإيران وقدّموا الأكثر من التضحيات ولم يجنوا سوى الغدر المشايخي والتدمير والجوع والحصار من هؤلاء الأشقّاء” يعتبرون هاتين الدولتين الوحيدتين الباقيتين اليوم من يجاهر بعداوته للغرب وللصهيونيّة وللكيان الاسرائيلي العدوّ الأوّل للشيعي العربي قبل غيره بحسب وجهة نظرهم .. وادّعاءاتهم هذه لا تخلوا من الحقيقة .. فالشيعي العربي على الدوام كان يقود التظاهرات في الديوانية وفي الناصريّة وفي النجف وفي البصرة وفي جميع البلدات الّتي تحسب على الطائفة الشيعيّة لمناصرة أخوتهم الفلسطينيّون .. ومن هذه المدن “ومن بينهم خالي الّذي لا يحمل أي انتماء مذهبي” رحمه الله , انطلق الجيش العراقي الباسل لنصرة فلسطين بعد إعلان تأسيس “إسرائيل” 1948..

مهما ادّعينا وأظهرنا قناعات أخرى عكس هذا الّذي يسرّه “شيعتنا” في نفوسهم وادّعينا “أنّ إيران تقف مع المشروع الصهيوني” وغير ذلك من اتّهامات .. وإن صحّت .. فإنّ طرفنا الآخر يبقى على قناعته وسوف لن يشتري “الأخوّة” بفلساً أحمراً واحداً ما دامت رموزه تسبّ علانيةً “بحجّة الأخوّة” وتترك بقيّة أنظمة العرب دون مسائلة أو تجريم أو سباب بينما هي من دمّرت العراق وأحلّت فيه الخراب والدمار والطائفيّة والهلاك وداست على “عكلها” بأقدامها وسكتت على جزرها ومدنها المحتلّة .. وليس غيرها ..