A – إذ لا تبدو في المدى المنظور اية ملامح لإثبات الدليل العملي القاطع لضلوع السعودية في خطف او تهريب او قتل الصحفي جمال خاشقجي , ولعلّه لن تظهر مثل تلك الملامح قريباً , وخصوصاً اذا ما دخلت المصالح والسياسة في تعزيز وإثراء ذلك , فلا يمكن اطلاق الأحكام النهائية على ما هو محسوس وبدون ما هو ملموس , وهذا ما يعقّد عمل اجهزة الأمن التركية والأمريكية المشاركة في التحقيق , وما يثير غضب وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية قبل غيرها .. ونلحظ هنا التباين في نقل مجريات الأحداث والتحقيقات والتصريحات التركية والغربية خصوصاً في الإعلام العربي , ولعلّ ابرزها ما تنشره وتبثّه ” قناة العربية الحدث , وقناة الجزيرة ” والمقارنة بين ما ينشر ولا ينشر على الأقل , مع ملاحظة ومتابعة موقف الإعلام السعودي من الحدث وانعكاساته الداخلية .
B – من بينِ قوسين , او حتى من ” الزاوية المغلوطة ” مجازاً , فأنّ الأمر الوحيد الذي نجحت فيه المخابرات السعودية في عملية خاشقجي ” اذا ماثبت ضلوعها في ذلك ” فهو تمكّنها من خطف وإخراج خاشقجي ” مقتولاً او مخدراً ” من اسطنبول الى الرياض او سواها دون أن تتمكّن اجهزة الأمن التركية في كشف العملية , وهذا ما يشكّل تحدياً لتركيا وسمعتها , وخلف ذلك هنالك مئة علامة استفهامٍ واستفهام , بالرغم مما ورّطت السعودية نفسها في ذلك بل وكأنها فتحت جبهة على نفسها .!
C – إذ كشفت واعلنت المخابرات التركية اوّل امس عن امتلاكها تسجيلات صوتية من داخل القنصلية السعودية تكشف اصوات صراخ وضجيج توحي بأنها في لحظاتِ تعذيبٍ وقتلٍ للخاشقجي وتمزيق اوصاله , فلماذا تأخّر الأتراك في كشف ذلك إلاّ بعد مرور اكثر من عشرة ايام على الجريمة .! ولماذا لا ينشروها في التلفزة والأذاعات .! ولا نزعم ولا ندّعي انها فبركة صوتية ممكن القيام بها فنياً وتقنياً , علماً أنّ كافة او معظم اجهزة مخابرات الدول تتنصّت على السفارات والقنصليات المقيمة فيها , وهذا أمر طبيعي وتقليدي , وتمارسه كافة الدول من قبل الحرب العالمية الثانية .
D – المعلومة الأخرى التي جرى الإفصاح عنها قبل ال 48 ساعة الأخيرة , هي عن نيّة رجال الأمن الأتراك لتفتيش منزل القنصل السعودي في اسطنبول ” الذي يبعد مسافةً قريبة عن مبنى القنصلية ” وبعد موافقة السعوديين على ذلك بالطبع , حيث الترجيحات التحقيقية تشير الى نقل خاشقجي من مبنى القنصلية الى منزل القنصل الذي يحتوي على مرآب مغلق ولا يمكن تصوير ما بداخله من الخارج , وقد صوّرت الكاميرات التركية انتقال بعض السيارات المستخدمة الى دار القنصل , ونشير الى أنّ اجراءات التفتيش المفترضة والقادمة هي ليست للكشف عن وجود خاشقجي هناك او عدمه , وانما للبحث عن آثار القتل والدماء المزالة والممسوحة حتى بأحدث التقنيات , وهذا ما يؤكده علم التحقيق الجنائي الحديث .
E – العنصر الأساسي والستراتيجي , وهو الفخ الأوسع حجماً ومساحةً ” في جريمة خاشقجي ” هو < الكاميرات > , فآخر ما توصل اليه وتمخّض به الغباء المخابراتي السعودي هو إدّعاء قنصليتهم في اسطنبول بأنّ كاميرات المراقبة المنتشرة في انحاء وأرجاء وزوايا القنصلية , بأنّها لا تقوم بتسجيل صور القادمين والخارجين من القنصلية .! , وهم لم يكشفوا عن المسوّغ التكنولوجي لذلك ! وزعمهم هذا هو من أشدّ الأسباب قسوةً التي تجرّ نحو قفص الإتهام .! , فحيث أنّ ضباط المخابرات السعودية ولعلّ القنصل أحدهم كانوا على انتظارٍ موعدٍ محدد اعطوه لخاشقجي للقدوم الى القنصلية لأستلام التصديق على وثائق الزواج , فكان الأجدر بهم رفع وسحب كافة كاميرات المراقبة قبل ايامٍ قليلة من موعد قدوم خاشقجي , وتعطيلها بأية طرقٍ فنية , وعلى أن يصاحب ذلك شراء واقتناء منظومة كاميراتٍ حديثة في ذات اليوم , والتدرّج والتباطؤ في نصبها واحدةً تلو الأخرى , بحيث من المحال تصوير وتسجيل خروج الفقيد اذا ما حقّاً خرج من بوابة القنصلية .! وبذلك فقد يغدو العذر نصف او ربع مقبولاً فرضاً .! , وسيظلّ موضوع الكاميرات التي لا تُسجل هو الغلطة الكبرى في عالم المخابرات , والتي يصعب الإفلات منها بدون تدخّل السياسة
F – إذ قد تتطلّب هكذا سيناريوهات للتغطية على جريمة القتل , اجراء بعض الحركات والمواقف البالية كرتوش ظاهرية , فكان على القنصل السعودي محمد العتيبي عدم الأقتصار لدعوة مراسل وكالة رويتر فقط لمعاينة القنصلية من الداخل , وكان من الأنسب دعوة عدة مراسلين من وكالات انباء او قنوات فضائية مختلفة ومن عدة دول , رغم أنّ ذلك لا يؤثر على مجريات التحقيق .
G – لضعف الأداء السعودي وافتقاد بُعد النظر الدبلوماسي والمخابراتي , فكان الأجدر بالسعوديين < شَنَّ هجومٍ ” إعلامييٍ – دعائي ” على تركيا ومطالبتهم بالكشف عن خاشقجي واختفائه في الأراضي التركية وعرضه تحت الأضواء , لكنّ الرفاق السعوديين لايجيدون فنّ اللعب .!
H – يترآى لنا أنّ السعوديين في تأخيرهم او تأخّرهم المتعمّد للموافقة على تفتيش القنصلية ومنزل القنصل , وبمشاركة سعودية – تركيّة , إنّما يناورون لكسب الوقت حتى يحين موعد تنفيذ العقوبات الأمريكية على ايران في مطلع الشهر القادم , وما قد يفرزه ذلك من احداثٍ في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط , ممّا قد يساعد على خفض حرارة جريمة إخفاء او قتل خاشقجي وصولاً ” افتراضياً ” لتذويبها .! , ونشير هنا الى وجود معلوماتٍ اخرى لدى الجانبين التركي والأمريكي لم يجر نشرها بعد انتظاراً لتطوراتٍ ومتغيراتٍ في المواقف .
وفي هذا العرض او الإستعراض فلا نتّهم المملكة العربية السعودية بمسألة الخاشقجي , فلا يجوز الإتهام دونما دليل .