23 ديسمبر، 2024 7:40 ص

تقييمي كعلماني لبيان المرجعية

تقييمي كعلماني لبيان المرجعية

حتى عندما كنت إسلاميا، وإن كنت آنذاك أعتبر نفسي ديمقراطيا-إسلاميا، قبل وبعد 2003 كنت ضد إقحام المؤسسة الدينية، سواء ممثلة بالمرجعية العليا، أو بأي من الفقهاء، في الشأن السياسي، مما جعل حسين الشهرستاني عضو لجنة تزكية المرشحين لقائمة الائتلاف العراقي الموحد رقم 169 للجمعية الوطنية مطلع عام 2005 يصر على شطب اسمي من بين المرشحين، بحجة أني «مناوئ للمرجعية»، بسبب المقالات التي كنت أكتبها كمتشرع ومتفقه آنذاك بأدلة شرعية، بعدم وجود فتوى سياسية ملزمة، وبعدم وجود دور ولائي للمرجعية. لكني لا أعتبر نفسي معاديا أو مناوئا للمرجعية كما وصفني، وإنما معارضا لإقحام نفسها أو إقحام غيرها – إيمانا أو متاجرة – لها في الشأن السياسي.

لكن للمرجعية المتمثلة بالسيد السيستاني دور مؤثر في المجتمع العراقي، شئت أو لم أشأ ذلك كعلماني، لها ما لها وعليها ما عليها. وما زال الكثير من الشيعة – ولو أقل من ذي قبل – يعتقدون بأن تعليمات المرجعية واجبة الاتباع، وما زالت القوى السياسية الشيعسلاموية تتاجر وتزايد بالمرجعية، وإن كانت تتعامل معها، كتعاملها مع الدستور، وذلك حسبما تتطلب مصالحها، إن رأت أن تقوي موقفها برأي المرجعية التزمت بتعليماتها، وإن رأت غير ذلك (غَلَّسَت) كما يقول العراقيون.

رغم موقفي الفكري الرافض لجعل دور سياسي ولائي للمرجعية، وجدت نفسي لا بد أن أقف باحترام أمام بيانها الأخير الذي تلاه ممثلها عبد المهدي الكربلائي في خطبة هذه الجمعة. واختصارا سأمر على أهم ما جاء فيه على شكل نقاط، واضعا تعليقاتي [بين مضلعين]، متعاملا معه مقطوعا عن سائر مواقف المرجعية منذ 2003 حتى يومنا هذا:

تأكيد إدانتها ورفضها للاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون والعديد من عناصر القوات الأمنية.
تمييزها كمياً بين الاعتداء على (المتظاهرين) بلام التعريف، وبين العديد من عناصر القوات الأمنية.
وصفها المتظاهرين بأنهم سلميون.
إدانتها إلى جانب ذلك ما وقع من إحراق وإتلاف بعض المؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة في المظاهرات.
دعوتها لأن يعي الجميع التداعيات الخطيرة لاستخدام العنف والعنف المضاد ووجوب تجنب ذلك في كل الأحوال.
تشخيصها لتصاعد أعمال العنف بصورة غير مسبوقة واستهداف أعداد متزايدة من المتظاهرين بإطلاق النار عليهم [مما يفهم منه إن فعل العنف بالدرجة الأولى هو من القوات الأمنية].
كذلك تشخيصها لحصول اعتداءات سافرة على بعض وسائل الإعلام لمنعها من نقل ما يقع في ساحات التظاهر.
كلامها عن سقوط الآلاف من المتظاهرين بين شهيد وجريح في بغداد والناصرية والديوانية وغيرها.
تأكيدها بأن سقوط الشهداء والجرحى جرى بالاستهداف المباشر لهم [أي مقصود وليس نتيجة خطأ] من الأسلحة النارية بمرأى ومسمع الكثيرين، في مشاهد فظيعة تنمّ عن قسوة بالغة فاقت التصور وجاوزت كل الحدود، رغم إعلان الجهات الرسمية أنها أصدرت أوامر صارمة [صادقة أو غير صادقة] بمنع القوات الأمنية من إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.
تحميلها الحكومة [ممثلة برئيس مجلس الوزراء] وأجهزتها الأمنية [ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة] مسؤولية الدماء الغزيرة التي أريقت في مظاهرات الأيام الماضية، سواء من المواطنين الأبرياء أو من العناصر الأمنية المكلفة بالتعامل معها.
نفيها أن يكون بوسع الحكومة [ورئيسها] وأجهزتها الأمنية التنصل عن تحمل تلك المسؤولية الكبيرة.
تأكيدها مسؤولية الحكومة [ورئيسها] عن قيام بعض عناصر الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، ولو بسبب عدم انضباطهم وانصياعهم للأوامر الصادرة إليهم [إذا افترضنا أن الحكومة لم تكن هي التي وجهت إليهم الأوامر باستعمال العنف واستخدام الذخيرة الحية]، أو لعدم كونهم مؤهلين ومدرّبين للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بحيث يُتجنّب وقوع الضحايا في صفوف المشاركين فيها.
تأكيدها أيضا مسؤولية الحكومة [ورئيسها] عن قيام عناصر مسلحة خارجة عن القانون ـ تحت أنظار قوى الأمن ـ باستهداف المتظاهرين وقنصهم، والاعتداء على وسائل إعلام معينة بهدف إرعاب العاملين فيها.
وتأكيدها مرة أخرى على مسؤولية الحكومة [ورئيسها] عن عدم حماية عناصرها الأمنية للمواطنين والمؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة من اعتداءات عدد قليل من المندسين في المظاهرات من الذين لم يريدوا لها أن تبقى سلمية خالية من العنف [يعني فشل الحكومة ورئيسها].
وبالتالي تأكيدها على أن (المندسين) لا يمثلون إلا عددا قليلا، [ولا يمثلون ظاهرة واسعة، كما أوحى إلى ذلك العديد من المسؤولين وقادة الميليشيات.]
إدانتها الشديدة لإراقة الدماء البريئة [بتأكيد براءة المستهدفين] والاعتداءات الجسيمة [بتأكيد جسامتها] بمختلف أشكالها [وتنوعها].
إبداء تعاطفها مع ذوي الشهداء الكرام ومع الجرحى والمصابين.
تأكيدها على تضامنها مع المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين.
مطالبتها بقوة للحكومة [ورئيسها] والجهاز القضائي بإجراء تحقيق يتّسم بالمصداقية حول كل ما وقع في ساحات التظاهر، ثم الكشف أمام الرأي العام عن العناصر التي أمرت أو باشرت بإطلاق النار على المتظاهرين أو غيرهم، وعدم التواني [كما حصل حتى الآن من قبل الحكومات المتعاقبة] في ملاحقتهم واعتقالهم وتقديمهم إلى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم.
منحها مهلة بمدة محددة لا بد من أن يتم ذلك خلالها كل ما ذكر، ـ كأسبوعين مثلاً ـ وعدم جواز التسويف فيه، كما جرى في الإعلان عن نتائج اللجان التحقيقية في قضايا سابقة.
تأكيدها على إن هذا هو الإجراء الأكثر أهمية وإلحاحاً في الوقت الحاضر، وهو الذي يكشف عن مدى جدية الحكومة [ورئيسها] وصدق نيتها [ونيته] في القيام بخطوات واسعة للإصلاح الحقيقي [بمعنى أن الحكومة ورئيسها إذا لم يبديا جديتهما في ذلك لا تكون الحكومة ولا رئيسها مؤهلين للاستمرار في قيادة البلاد، فهما عندئذ غير جادَّين وغير صادقَي النية].
تأكيدها مجددا على وجوب المضي في المشروع الإصلاحي من مكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق درجة من العدالة الاجتماعية، والذي شرطه أن يتم فرض هيبة الدولة [أي إنهاء ظاهرة تعدد مراكز القوى ومراكز القرار بوجود أكثر من دولة عميقة داخل الدولة]، وضبط الأمن وفق سياقاته القانونية، ومنع التعدي على الحريات العامة والخاصة التي كفلها الدستور [هذا التعدي الذي مورس طوال الست عشرة سنة – خاصة في عهدي المالكي وعبد المهدي – ومورس بأبشع صوره في أيام الاحتجاجات الأخيرة].
مطالبتها بوضع حدٍّ للذين يهدّدون ويضربون ويخطفون ويقنصون ويقتلون [من عناصر عراقية وغير عراقية] وهم بمنأى [لاحظوا كلمة بمنأى] من الملاحقة والمحاسبة.
نفيها القاطع بوجود مصلحة أو علاقة خاصة لها مع أيّ طرفٍ في السلطة [لسد الباب أمام من يدعي ذلك ليمنح نفسه الشرعية].
تأكيدها عدم انحيازها إلا إلى الشعب، وعدم دفاعها إلا عن مصالحه، وعدم مداهنتها لأحد أو جهة فيما يمس المصالح العامة للشعب العراقي.
تحديد دورها في مراقبتها الأداء الحكومي والإشارة إلى مكامن الخلل فيه متى اقتضت الضرورة.
تأكيدها الانحياز للمظلومين والمحرومين من أبناء الشعب، بلا تفريق بين انتماءاتهم وطوائفهم وأعراقهم.
أعيد تأكيدي كما يعرفني المتابعون على عدم إيماني لدور ولائي فوق الدستور للمرجعية، وعدم تبرئتها كليا من مسؤولية بعض ما جرى، لكني أحترم المواقف الإيجابية لها، ومع عدم إيماني بولائيتها ألزم الشيعسلامويين بما ألزموا به أنفسهم، سواء صدقا وإيمانا، أو متاجرة ونفاقا. هذا البيان حجة عليكم وإدانة لكم، أم أنتم «قوم لا يفقهون»، أو «لا يسمعون»، أو «لا يعقلون»، أو لا «يتقون»؟