أحمد خلف ، أسم مهم في أطار السردية العراقية. كان ولايزال حاضراً منتدياتها وأروقتها وأنتاجها ومناقشاتها . عرفتُه منذ بداية السبعينات كاتباً للقصة القصيرة ، من جيل الستينات ، بعد نشره أول قصة له في مجلة ( الأداب ) البيروتية عام 1969 بعنوان (خوذة لرجل نصف ميت) ، بَشَرتْ بموهبته السردية .
قرأتُ معظم مجاميعه القصصية التي بدأها عام 1974 ب ( مجموعته الأولى _ نزهة في شوارع مهجورة _ ، وأردفهابأربع مجاميع أخرى ، هي على التوالي :منزل العرائس 1986 ، خريف البلدة 1993 ، في ظلال المشكينو 2001 ، وأخيراً تيمور الحزين 2002 . أما رواياته فهي أربع أيضاً : الخراب الحميل 1980 ، موت الأب 2003 ، الحلم العظيم 2009 ، وتسارع الخطى 2014 ، قرأتُ ثلاثاً منها . السؤال الأساس الذي وردَ في ذهني : هل كل كاتب ( قصة قصيرة ، قادر على كتابة ( رواية ) ؟ أو بأضعف الأحتمالات ( قصة طويلة ) ؟ربما هذا السؤال يضع الكثير من كتاب القصة القصيرة في العراق في مأزق أبداعي حقيقي ، أذا ما تمَّ الجرد بشكل توثيقي ونقدي راصد .
وجدتُ هذة الأشارات جديرة بالتقديم ، عند حديثي عن الرواية الجديدة للأستاذ أحمد خلف الموسومة ب ( تسارع الخُطى )التي صدرتْ عن دار المدى في كانون الأول 2014 .
سأكون موجِزاً ومباشراً في ملاحظاتي النقدية .
كانتْ الأنتقالات في متن الرواية حسب تكنيك ( تيار الوعي ) سواءً عن طريق التذكر الواعي أو هذيانات الأحلام والكوابيس الناتجة عن السكر الشديد أو الألم المُبرح أو غيرها ، متوافقةمع بناء الرواية ، عدا مواقع بَدَتْ فيها ، تلك الأنتقالات ، قسرية وغير مُبررة وفاقدة لدلالاتها الرمزية أو البنائية . ربما يمكن القول ، أن الروائي ، كان يسعى دائماُ في أنتقالات بناء روايته ، الى تشكيل عمل أدبي سردي مُركب، تأخذُ فيه العلاقات بين الأشخاص والأحداث مسارات عمودية وأفقية في ذات الوقت ، وتتبادل الأدوار بتقنية (الفلاش باك ) أو الحوار الذاتي الداخلي أو الحوار الخارجي مع الاَخر . ربما أفضل تمثيل لذلك ، هو بطل الرواية ( عبد الله ) أ, ( أيوب ) ، عبرَ هذياناته وحواراته مع خاطفيه او ندماءه في ( الحانة .
ان الرواية بأكملها ، ما هي ألا هذيان مستمر نجح الكاتب في تقنية تقطيعه مسرحياً وسينمائياً بما يخدم بناء الرواية عدا ، بعض المواضع ، كما أسلفنا .
لغة الرواية عموماً بسيطة ، في المواقف التي يلجأُ فيها الكاتب الى لغة تقريرية صحفية واصفة للحدث ومُفَسِرة له ، في حين تكون ( اللغة )مُعَقدة لدرجة (التهويمات الشعرية ) الغامضة ، بنفس الوقت . هذة الملاحظة قد تنطبق على مُجمل أعمال القاص أحمد خلف السردية ، خصوصاً أذا ماتمَّتْ مقارنتها مع لغة السرد عند عدد من مجايليه ، مثل محمد خضير و جمعة اللامي .
ان الرمز في هذة الرواية واضح ، من خلال رصد الروائي لأحداث وشخصيات مختلفة فبل وبعد الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، لكن لجوء القاص الى ( الفانتازيا ) و( مونتاج ) الأحداث وزمن الرواية بما يخدم بناءها ، ضمن سياقات تعبيرية عن الواقع الذي تجري فيه الأحداث وتعيشه الشخصيات ، جعلَ من موضوعة ( التأويل أو ( التفسير ) واردة في محاولة فهم العمل والوقوف على أهدافه النهائية .
فيما يتعلق بشخصيات العمل ، فان الشخصية الرئيسة في الرواية ( عبد الله ) هي الطاغية على مشاهد الرواية وأحداثها . ان هذة السيطرة ، ربما ، جعلتْ جميع الشخصيات الأخرى، تبدو ظلاً باهتاً وهامشياً له ، أو تكون ديكوراً ثانوياً للمشهد الذي تتحرك في مركز يؤرته شخصية ( عبد الله ) . هذا الأمر ينطبق على شخصيات كان ينبغي أن تكون أساسية ومؤثرة في صناعة الحدث الروائي، مثل ( هند ) و( رياض الأميري ) وفاطمة ) وغيرهم . والأمر ينطبق على شخصيات هي أصلاً غير فاعلة وباهتة البناء والدور في نسيج الرواية ، مثل ( هاشم دقلة ) و( أبو العز ) و ( البصري ) وغيرهم .
ان أعتماد الكاتب على اسلوب وتقنية الهذيانات والحلم الدائم ،نوماً ويقظةً وسُكراً وصحوةً ، جعله يقع في أستطرادات غير مبررة بنائياً ، كما حصل في الصفحات (47) و (117) ، أو هذيانات مكررة ، لا تخدم نسق الرواية كما في الصفحات (31 ) و (32).
من الأمور التي تُحسب لصالح الكاتب وروايته هي تأكيده الدائم على أهمية أساسين ومهمين من أسس البناء السردي للرواية ، ألا وهما ( عنصري ) الزمان والمكان ، أذ كان المكان واقعياً ومحدداً ، والزمان واضحاً وملموساً عند القارئ ،بالرغم من مستويات ( الهذيان ) العالية وأشكال (الفانتازيا ) المُستخدمة في العمل .
أخيراً تحية للأستاذ القاص أحمد خلف ، الذي سيظل اسماً مقروءاً في السرد العراقي ،ومُبارك له روايته الجديدة ، ( تسارع الخُطى).