عندما اطلق رئيس الوزراء برنامجه للاصلاح تضمن تقليص اعداد كبار المسؤولين في الدولة، بما في ذلك مناصب ما اصطلح على تسميته بمناصب الترضية، وفعلاً بدأ بالغاء مناصب نواب رئيس الوزراء ونواب رئيس الجمهورية، ولكن الاخرين تمكنوا بحكم المحكمة الاتحادية من العودة الى مناصبهم للاسباب المعروفة والتي في مقدمتها التجاوز على الدستور.
هذه الحملة للاصلاح في الدرجات الوظيفية لم يكتب لها النجاح على نطاق واسع او انها بدأت جزئياً وثبت انها كانت محاولة لتقليص مراكز القوى والتحاصص فيها.
اليوم يتأكد هذا التقدير، وان الحال باق على ما هو عليه من سوء في هذا المجال، ولم تتمكن الحكومة والقوى السياسية الحاكمة ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية من تحقيق تقدم في هذا الصدد، بل انها لا ترغب في زعزعة الأسس التي بنيت عليها العملية السياسية.
فقد اجرى مجلس النواب تعديلاً على قانون شبكة الاعلام والاتصالات ونص على ان يكون اعضاء الشبكة بدرجة وكيل وزير، وهو توسيع للدرجات الوظيفية العليا، ويتعارض مع الادعاء بمنهج تقليص الوزارات واعضائها.. هؤلاء الامناء في الشبكة كانوا بدرجة مدير عام، وليس هذا فقط ستضاف اعداد من الحمايات والوسائل والوسائط المرتبطة بمنصب الوكيل.
واكثر من ذلك لاول مرة في تاريخ الدولة العراقية تكون هيأة او وزارة بسبعة وكلاء من دون مبرر، بل ان شبكة الاعلام والاتصالات هي زائدة عن الحاجة يمكن ان تكون من ضمن وزارة الاتصالات التي مجال عملها واختصاصها متشابهان، وانهما فرقا تحت مبررات واهية ولمجرد خلق وظائف من الفئة الاولى وارضاء جهات سياسية واشخاص لم يجدوا حصة من الكعكة العراقية.
ما شرعه مجلس النواب جاء خلافاً للحملة الخاصة المسماة بالاصلاح والقاضية بتقليص الدرجات الوظيفية وما ينتج عنها من تخفيض في الانفاق وايقاف الهدر بالمال العام.
والاهم من ذلك ان مجلس النواب الذي يمثل الشعب سن تشريعاً يخالف ارادة من يمثلهم، فاحد مطالب الحركة الشعبية والجماهيرية التي تتظاهر منذ عدة اشهر هو تقليص الدرجات الوظيفية عدداً وامتيازات بما في ذلك الاجور، بل ان المطالبة تمتد الى عودة المكلفين بوظائف الدرجات الخاصة الى وظائفهم السابقة بعد انتهاء مهماتهم.
الان، يثير هذا التشريع شهية الهيئات المستقلة الاخرى الى المطالبة بذات الامتياز، ليضيف عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة واقتصادها وعلى حساب جماهير شعبنا المعوزة والتي يعيش ثلث سكان العراق تحت خط الفقر، وهو ايضاً يعمق من الفوارق الطبقية في حين يتطلع الحراك الجماهيري والقوى السياسية الحريصة على موارد البلاد من البعثرة والهدر الى ردم هذه الفجوة وتقليص الحرمان بتكريس جزء من اموال الشعب وثروته لذلك.
المتابع والمدقق في وظائف الدولة لا يجد فرقاً بين اعضاء مجالس المحافظات الذين يعينون بدرجة مدير عام وهم منتخبون وبين امناء شبكة الاعلام.
لقد دخل العراق موسوعة جنيس للارقام القياسية في اعداد وكلاء الوزارات والمديرين العامين. فلكل وزارة ثلاثة وكلاء يعينون على اساس الانتماء الطائفي والعرقي والسياسي، وفاق عددهم الاربعة الاف موظف، وهو الاعلى بين الدول قياساً لنسبة سكانه ومؤسساته.
اصبح من السهل استحداث المناصب والدرجات الوظيفية، على خلاف طبيعة المهمة والحاجة، انها توزع لاستحداث التوازن بين حصص القوى الحاكمة.
أننا ندعو القوى الحية في المجتمع الى رفض هذا التعديل والقيام بحملة توعية بين الجماهير لتسليط الضوء على هذا الهدر والى اقامة الدعاوى امام الهيئات القضائية لايقاف هذا النهب المنظم بالقانون.