شغلت الحروب التي يخوضها العراق منذ سنوات طويلة قضية المياه التي بدأت طبول حربها تُقرع الآن من خلال قيام كل من إيران وتركيا، ببناء السدود وعدم إطلاق الحصص المائية الكافية للعراق، مما سبب مشاكل كبيرة أدت إلى جفاف الأهوار التي وافقت منظمة اليونيسكو مؤخراً على انضمامها إلى التراث العالمي، إضافة إلى زيادة نسبة التصحّر وانحسار زراعة الأرز في الفرات الأوسط في العراق بسبب قلة المياه.
إن صمت العديد من السياسيين العراقيين الذين كانت بأيديهم سلطة القرار منذ 2003 لحد الآن عن أفعال إيران التي تمثلت في منع 75% من المياه من الصب بشط العرب في محافظة البصرة جنوبي العراق، أدى إلى تمادي الجانب الإيراني في حربه ضد العراق من خلال استخدام ملف المياه في شط العرب، كورقة ضاغطة ضد أبناء الشعب العراقي، وكذلك ضد اقتصاد البلد بشكل عام، حيث أدت قلة المياه إلى جفاف العديد من الروافد التي كانت تنبع من شط العرب، ولم يكتف السياسيون العراقيون بمهادنة إيران أو الخنوع لها، إنما خنعوا أيضاً إلى تركيا التي قامت بإنشاء السدود على نهر دجلة من أجل استخدام ورقة المياه على الحكومات العراقية.
و«العراق الحديث أنشأ منشآت كبرى للسيطرة والتحكم على مياه الرافدين، زادت على مئة منشأ كبير، منها سد الموصل على نهر دجلة شمال مدينة الموصل، حيث اكتمل بناؤه عام 1986، وانشأ في الفترة نفسها سد حديثة على نهر الفرات، وكانت سدود أخرى قد أنشأت في فترات أسبق كسدي دوكان، ودربندخان، وسدات الهندية، والكوت، ومنظومة الحبانية وسدة الرمادي وغيرها».
و«ابتداء منذ ثمانينات القرن المنصرم أنشأت دول الجوار شبكة سدود كبيرة أدت إلى تناقص إيرادات العراق المائية، ودخل العراق في نفق الحروب والعنف والتعسف والاضطهاد السياسي، وأهملت أولويات البلاد المائية والزراعية، وتحول العراق إلى مستورد للغذاء بنسب تزيد على 70% من احتياجات السوق».
و ذلك يعود إلى «أعمال إنشاء السدود في دول الجوار دون موافقة العراق، وتحول العراق إلى مستلم سلبي لنتائج الإجراءات والأنشطة في أعالي الرافدين دون أن تتاح له شروط الانتقال إلى الواقع المائي الشحيح نتيجة لهوس النظام السابق بالحروب، ونتيجة لتحطيم قدرات البلاد الاقتصادية والبنى التحتية وما تبعها من إرهاب».
و أن «سد الموصل منذ إنشائه في الثمانينات، عانى مشكلات معروفة، نتجت عن إنشائه في موقع به نسب عالية من الترب الجبسية التي تتعرض للذوبان في المياه تحت أسس السدد، مما كان يتطلب تحشية (حقن) الفراغات والتجاويف التي يخلّفها ذوبان تلك المكونات لغلقها بواسطة مادة أسمنتية خاصة».
و أن «معالجة السدود التي تعاني مشكلات مشابهة بهذه الطريقة أمر مألوف في العالم، وهناك العشرات من السدود في العالم تجري فيها المعالجة بهذه الطريقة، بما فيها أكثر من خمسين سداً في الولايات المتحدة، وقد جرت كذلك في العراق في سد حديثة على الفرات، حيث جرت التحشية لمدة سنتين في أثناء الإنشاء».
و«سد الموصل هو أكبر سدّ في العراق، ويقوم بتخزين أكثر من 50% من عوائد دجلة من تركيا، وتبلغ طاقته التخزينية 31% من الطاقة الخزنية في السدود العراقية، وبذلك فهو يمنح العراق مرونة كبرى في تنفيذ خططه الزراعية إلى جانب درء الفيضان وتجاوز محن الشح والجفاف المتكررة، ولا يمكن لذلك الاستغناء عن خدمات السدّ نتيجة لمشكلات الترب الجبسية، بل تطلب الأمر استمرار المعالجة الفنية باستعمال التقنيات المتاحة والمجربة ومراقبة سلوك السد واستقراره».
و أن «الاستمرار بعمليات المراقبة والحقن منحت مشغلي السد خبرة كبيرة في إدارة مشكلة الأسس، لكن ظروف البلاد السياسية والاقتصادية أسهمت في حصول انقطاعات أو تلكؤ في فترات معينة، كانت أخطرها مدة احتلال «داعش» لموقع السد وتدمير دوائر وبنايات إدارة السد وتشريد الموظفين والعاملين فيه، مما أدى إلى توقف عمليات الحقن والإدامة».
و«بعد تحرير السد توجه جهد حكومي خاص بإشراف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لمعالجة النواقص فوقّعت الوزارة مع شركة تريفي الإيطالية عقداً لصيانة سد الموصل، ولحق ذلك اتفاق مع فيلق المهندسين التابع للجيش الأمريكي للإشراف على أعمال شركة تريفي». مبيناً، أنه «تجري الأعمال الآن بشراكة ثلاثية الأطراف، وقد تحققت منجزات مهمة في طريق تعزيز سلامة السد، منها فتح البوابة الحارسة وصيانة البوابات الصماء، وإنفاق المنافذ السفلى، وجرى تجديد شامل لنفق التحشية كهربائياً وميكانيكياً، ويجري تدريب المشغلين العراقيين على الأجهزة الحديثة، كما جرى كذلك استيراد ونصب أنظمة الحقن والتحشية وهي أفضل ما هو موجود في السوق العالمي حالياً، ويجري تشغيلها داخل النفق وخارجه في الأماكن المتفق عليها بصورة مستمرة لمدة 24 ساعة». ».
و أن الوزارة نظمت مؤتمراً علمياً عن سد الموصل يومي 19 و20 مارس/ آذار، الماضي، تحت عنوان: «تعزيز سلامة سدّ الموصل أولوية وطنية» بمساهمات دولية مرموقة، وقد صدرت عن المؤتمر توصيات عدة أكدت الأهمية الكبرى للسد، باعتباره من البنى التحتية المدنية الرئيسية في حوض دجلة، التي تقدم خدمات كبيرة للقطاعات الاقتصادية المختلفة في العراق، ودعوة الحكومة العراقية إلى تقديم المزيد من الدعم لوزارة الموارد المائية، لتحسين سلامة السد وجعله تحت المراقبة الدائمة، فضلاً عن الطلب من المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والفني للمساهمة في تأمين سلامة السد.
ومن الضروري توفير التخصيصات المالية اللازمة لإكمال دراسات إنشاء سد بادوش كأجراء لدرء المخاطر، كما دعا المؤتمر إلى تأكيد ضرورة تعزيز الشراكة الثلاثية بين العراق، وأمريكا، وإيطاليا، في إدامة الأعمال، والتعاون المشترك لتأمين سلامة سد الموصل، إضافة إلى دعوة الدول المتشاطئة في حوضي دجلة والفرات، لتعزيز التعاون المائي للوصول إلى اتفاقيات مائية، وتشكيل هيئات مشتركة على غرار الأنهار الدولية الأخرى.
,أن «الإيرادات المائية من تركيا وإيران قلت بشكل كبير جداً، وأثرت على القطاع الزراعي وتحديداً زراعة الأرز، التي انحسرت بشكل كبير جداً، وحددت في منطقة الفرات الأوسط»، مضيفاً: «قلة المياه تتحملها وزارة الموارد المائية التي يجب أن تقوم بمفاوضات مع الدول المجاورة، وتحديداً تركيا، التي أنشأت سد اليسو على نهر دجلة، مما أثر بشكل كبير على البلد وزادت نسبة التصحر فيه».
و«إيران قامت بإغلاق بعض الروافد التي تنبع من أراضيها تجاه الأراضي العراقية، مما جعل المحافظات الجنوبية ومحافظة ديالى أيضاً تتأثر كثيراً بهذا التصرف الغريب، لذلك لابد من تحرك حكومي عراقي على مستوى كبير، للتفاهم مع إيران حول هذا الموضوع للحد من الأزمة المقبلة التي ستصيب تلك المحافظات خلال الأعوام المقبلة».
و«دجلة في طريقه إلى الجفاف، وإيران أرسلت مخلفاتها النووية للعراق». وقال الباحث في شؤون الاقتصاد عبد الرحمن المشهداني: «أزمة المياه التي ستصيب البلاد خلال المدة المقبلة أكدتها مراكز الأبحاث العراقية في بداية تسعينات القرن الماضي، وكانت تعقد العديد من الندوات خلال تلك الحقبة لوضع الحلول، وعقد المباحثات مع الدول المعنية»، مبيناً أن «نهر دجلة بدأت الأزمة فيه الآن وسيجف إذا لم تطلق تركيا الحصة المائية للعراق، خصوصاً أنها قامت ببناء السدود».
و «الأزمة الحقيقية ستكون في نهر الفرات تحديداً، وهي لم تبدأ الآن بسبب الحرب التي تجري في سوريا. لو انتهت الحرب لأصبحت المياه لا تكفي الحد الأدنى من العيش»، مضيفاً: «إيران قامت بتغيير جميع الروافد التي تصب بشط العرب وقامت بإرسال مخلفات المواد الكيميائية لمفاعلها النووي، مما أدى إلى قتل الكثير من الحيوانات والطيور في الأهوار وغيرها»، مشيراً إلى أن «السدود العراقية في المحافظات التي يسيطر عليها «داعش» لم تتضرر كثيراً، خاصة سدّ الموصل الذي تقوم بصيانته شركة إيطالية بالاتفاق مع منظمات دولية»، منوهاً إلى أن «العراق يمر بمشكلة كبيرة جداً تتمثل في عدم وجود سياسة واضحة له، مما يتطلب تعديل السياسة العامة والكف عن الحديث بسوء من خلال الإعلام مع الدول المجاورة من أجل إطلاق حصة العراق من المياه من إيران وتركيا».
و «السياسيين العراقيين بعد 2003 تناسوا قضية المياه، بينما قامت تركيا ببناء سدود، وإيران غيرت مجرى الروافد، مما أدى إلى مشكلة حقيقية للبلد، وزادت نسبة التصحر، إضافة إلى الإسراف في الاستهلاك من قبل المواطنين».
و «سد أليسو» الذي قامت ببنائه تركيا سيهدد العراق كثيراً، ويصاب بشح المياه؛ لأن «والقضاء على نصف مخزون العراق المائي».
وان«حرب المياه التي تجري في المنطقة يعتبر العراق الخاسر الأكبر فيها، لأنها ستؤدي إلى حصول ضرر بأراضيه بشكل كبير»، مؤكداً أن «تنظيم «داعش» استخدم حرب المياه بعد سيطرته على السدود، من خلال قيامه بإغراق المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمنية في السنوات الماضية».