23 ديسمبر، 2024 5:00 ص

تقصير فاضح في حماية “الأقليّات”

تقصير فاضح في حماية “الأقليّات”

أمس كتبتُ هنا أنّ الحكومة ورئيسها متواكلان في مكافحة الفساد الإداري والمالي .. هذا الحكم متأتٍّ من واقع أن الحكومة ورئيسها لم يُظهرا للفاسدين والمفسدين “العين الحمراء”.
و”العين الحمراء” في الموروث الشعبي العراقي هي عقوبة تتراوح درجاتها من الغضب الشديد إلى استخدام القوّة المستندة إلى القانون والمنطق والأخلاق. الهدف في النهاية التربية أو ردع منتهكي الحقوق والحريات والمتجاوزين على الملكية الخاصة أو العامة.
واحد من الأمثلة الصارخة على غياب العين الحمراء للحكومة (الحاليّة وسابقاتها)، في مجالات أخرى غير مجال الفساد الإداري والمالي، أنها جميعاً لم تعمل جدّياً على وضع حدّ للاعتداءات المتواصلة بلا انقطاع على المسيحيين وسائر المكوّنات العراقية التي يُشار إليها عادة على أنها أقليّات.
على الدوام كان مرخّصاً للمسيحيين والإيزيديين خصوصا ً أن يتاجروا بالخمور ويبيعوناً مفرّقاً في محالّ ونوادٍ مرخصٍّ لها، لكنّ الحكومات “الإسلامية” التي تولت السلطة منذ 2005 اتّخذت موقفاً مختلفاً.. سعت إلى محاربة الاتجار بالخمور وتعاطيها، لكنّها لم تفلح في ذلك أبداً. في بغداد وحدها الآن أكثر من 1500 محل ومطعم ونادٍ تبيع الخمور أو تقدّمها الى زبائنها، والأغلبية الساحقة أنها غير مرخّص لها ،لأن وزاراء السياحة ” الإسلاميين” كانوا “يستحرمون” التوقيع على منح الرخصة، فكان أن تعرّضت فئة الباعة إلى ابتزاز الجماعات المسلّحة (بما فيها التابعة لأحزاب إسلامية ! التي تشاركهم في أرباحهم، بل هي تستولي على النسبة الأكبر من الأرباح، والرافضون أو المعترضون يواجهون الموت في بيوتهم أو محالّهم وحرق محالهم أو تفجيرها. هذا ما حصل مئات المرات في بغداد والمدن الأخرى. وكناتج عرضي لهذا فإنّ الدولة تخسر سنوياً مئات ملايين الدولارات هي قيمة الرسوم التي كان من اللازم فرضها على تجّار وباعة الخمور شأنهم شأن غيرهم من تجّار وباعة السلع الأخرى.
إلى ذلك كانت الجماعات المسلّحة تعتدي على المسيحيين والصابئة المندائية والإيزيدية لإرغامهم على ترك بيوتهم وممتلكاتهم للاستحواذ عليها، أو في أحسن الأحوال بيعها بأثمان بخسة للغاية. وبعض هذه الجماعات استفاد من علاقاته بالأحزاب المتنفّذة في الدولة فعمد إلى التزوير في وثائق الملكيّة للاستيلاء على أملاك المسيحيّين وسواهم.
الحكومات الحالية والسابقة تمسّكت بموقفها غير المكترث بالاعتداءات السافرة على المكوّنات العراقية الاصيلة، ما كان عاملاً مشجّعاً للجماعات والعصابات المسلّحة على استضعاف أبناء “الاقليات” ومواصلة أعمالها الاجرامية في حقهم.
الاسبوع الماضي قتلت إحدى العصابات المسلحة عائلة طبيب مسيحي في بغداد، وسرقت ممتلكاتهم المنقولة الثمينة. وفي غضون ثلاثة أيام أعلنت وزارة الداخلية عن أن أجهزتها الأمنية نجحت في معرفة الجناة والقبض عليهم.. هذا أمر جيّد إن صحّ، لكن الأجود منه أن تنجح الوزارة وأجهزتها في منع وقوع الجريمة من الأساس.