19 ديسمبر، 2024 3:28 ص

تقسيم العراق لن يكون أسوأ من الوضع الحالي

تقسيم العراق لن يكون أسوأ من الوضع الحالي

إن عدم الاعتراف بالمشكلة هو سبب رئيسي لعدم حلها، وعدم اعتراف العراقيين بوجود شرخ بين المكونات المتعددة في البلد، أدى إلى وصول حال العراق إلى ما هو عليه اليوم، فهي جريمة مكتملة الأركان تلك الوطنية الزائفة في زمن أصبح فيه الدم أرخص من أقل ما نقتنيه.
أنا، كمواطن عراقي، ضد فكرة التقسيم شكلاً ومضموناً مهما تعددت الأسباب، ولكن في المقابل فإن إيمان المواطنيين العراقيين بوحدتهم كشعب واحد هي أكذوبة لا يمكن إنكارها، بدليل ما يحدث يومياً من عشرات الشواهد على أرض الواقع العراقي المر الذي رسمه السياسيين بحرفية.
بحسب المكونين الأكبر في العراق “العربي – الكردي” ما الذي يجمع بينهما؟ ولكل مكون لغة تحدد هويتهُ وقومية مقدسة بالنسبة له، إضافة إلى مناسباتهم وعاداتهم وتقاليدهم الخاصة.
ما الذي يجمع الجندي الذي يقف على حدود بغداد وجسر بزيبز تحديداً الذي يفصل محافظة الأنبار عن العاصمة بغداد، وهو يتفنن بإهانة ومنع ابن الأنبار من الدخول إلى العاصمة، الأول يبتسم، والثاني يموت جوعاً وخوفاً وظلماً!
الشيعة.. ما الذي يجمع الشيعة بالسنة في الوقت الذي خسر فيه الشيعة أكثر من 1700 شاب شيعي في ساعة واحدة على أرض سنية وأيدٍ تدعي أنها سنية بالرغم من الشكوك حول هذا الموضوع الذي اختلف عليه العالم أجمع، كون تنظيم داعش أصبح إجرامه واضح المعالم، فهو يستهدف بالدرجة الأساس السنة دون غيرهم، سواء كانوا مواطنين بسطاء أو وجهاء وعلماء ورموزا كبارا!
السنة.. ما الذي يجمع السنة بالشيعة بعد أن خسروا السنة مدنهم وكرامتهم وكامل أموالهم وممتلكاتهم على أيدي الشيعة بعد تحرير المناطق من الاحتلال الداعشي، بالرغم من الشكوك التي تدور حول هذا الموضوع الشائك؛ لعدم وجود أدلة قطعية باتهام جهة محددة دون الآخر، بسبب مساهمة أكثر من طرف بتحرير المدن مثل التحالف الدولي والحشد الشعبي والجيش العراقي والبعض من أهالي تلك المدن!
الكرد.. ما الذي يجمع الكرد بالعرب في حين يعتبر الكردي المواطن العربي مسؤولاً عن مجزرة الأنفال التي قام بها النظام السابق، برئاسة صدام حسين عام 1988 ضد الكرد شمال العراق، ونتائج هذه المجزرة كانت قاسية، ولم تغفلها قواميس ومعاجم حقوق الإنسان أجمع، كونها أسهمت بتدمير ما يقارب عن 2000 قرية وقتل الآلاف من المواطنين الكرد وإجبار قرابة نصف مليون مواطن كردي على الإقامة في قرى أقامتها الحكومة العراقية آنذاك خصيصا كي تسهل السيطرة عليهم، وجرى إلقاء القبض على ما يقارب من 1000 مواطن كردي جرى تصفيتهم ودفنهم في قبور جماعية في مناطق نائية من العراق!
العرب.. ما الذي يجمعهم بالأكراد؛ حيث يعتبر المواطن العربي الكرد غير مساهمين وغير حريصين على مصلحة العراق، بقدر حرصهم على مصلحة كردستان؛ حيث يرى العرب أن وطنية الكرد تنبع وتصب داخل حدودهم القومية فقط!
هل كان العراقيون أثناء فترة حكم صدام حسين شعباً واحداً فعلاً حتى جاء من جاء بعده وفرق هذا الشعب الواحد؟!
لا يمكن إيجاد إجابة دقيقة لهذا السؤال، ولعل أفضل ما يمكن الإجابة به هو أن النقاط المشتركة التي جمعت العراقيين في عهد صدام قد فُقدت اليوم.
ففي العهد الماضي تشارك العراقيون الهم معا، وتجرعوا مرارة الظلم معاً، واقتسموا خبز الفقر معاً، جُل ما تغير الآن هو هموم جديدة أخرى أقسى من سابقاتها، فهم الطائفية المقيتة التي لا تُحتمل، والانقسام القومي أصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل، إضافة إلى فساد الأحزاب السياسية وإدارتهم للدولة بشكل أشبه بإدارة عصابة، مما أفسح المجال لعصابة داعش بالسيطرة على مساحة واسعة من العراق، واضطروا إلى استنزاف ميزانية الدولة ودماء الشباب بشكل مرعب من أجل استرجاع الأراضي المسلوبة.
إلى متى سيستمر العراقيون بالكذب على أنفسهم؟!على من يريد إيجاد الحل في العراق يجب عليه أن يعترف بالواقع ومن ثم يسعى الجميع إلى معالجته.على العراقيين الاعتراف بأن بلدهم مقسّم فعلاً، بدلاً من ادعاء الوحدة في كل مناسبة وأخرى، ففي زمن الدم تصبح الوطنية سكيناً إضافياً تحز رقاب الأبرياء، إذاً ما فائدة الأرض الواحدة التي لا تقدس دماء أبنائها؟!حرمة الدم أهم من الجغرافيا

أحدث المقالات

أحدث المقالات