17 نوفمبر، 2024 6:42 م
Search
Close this search box.

تقرير لجنة سقوط الموصل هل له قيمة قانونية ام انه تصفية حسابات وتهريج اعلامي؟ /3

تقرير لجنة سقوط الموصل هل له قيمة قانونية ام انه تصفية حسابات وتهريج اعلامي؟ /3

ونكمل مقالنا في جزئه الاخير ونقول:
المحور الرابع: التقرير تعتريه الصبغة السياسية اكثر من المهنية:
ان قضية سقوط الموصل والانبار وسبايكر والقضايا الأخرى قضايا وطنية وقانونية تستحق التحقيق والبحث عن المتسببين الرئيسيين فيها؛ بعيدا عن التضليل الإعلامي، بعيدا عن التلاعب بمشاعر أهالي الضحايا واستغلالها لتمرير أجنداتهم السياسية.
ان غالبية تقارير اللجان البرلمانية تعتريها الصبغة السياسية وبعيدة عن الموضوعية ولا تحمل أي إلزام قانوني، لأنها تتضمن توصيات، حالها حال أي لجنة تحقيقية إدارية، وغالبيتها ظاهرة إعلامية لامتصاص غضب الشارع والراي العام، ومن الخطأ ان يتم التحقيق في قضايا منظورة امام القضاء العراقي (عسكريا او مدنيا).
ان الاتهامات في التقرير كانت اكثرها سياسية خصوصا بحق النجيفي ونائب المحافظ ورئيس الوقف السني وعضوة في مجلس محافظة الموصل، وبعض القادة الذين لا يتحملون مسؤولية مباشرة في سقوط الموصل، والتهم التي وجهت للسيد المالكي والاسدي اقل ما يقال عنها انها بروتوكولية ويمكن التخلص منها بعدة طرق قانونية وغير القانونية، فاللجنة لم تقم بإدانة المالكي والاسدي بتهم ذات ادلة قوية وفق الذي جرى من وقائع وما ادلى به مهدي الغراوي وغيره من قادة عسكريين.
واللجان التحقيقية في البرلمان ليس لها فائدة على المشهد السياسي وفي قسم كبير منها ما هو الا تصفية حسابات غايته تحقيق مصالح الكتل السياسية وقبلها قضية سبايكر، حيث تم فتح تحقيق قضائي فيها واعلن مجلس القضاء الأعلى ذلك ببيان رسمي على موقعه، لكن اللجنة البرلمانية المشكلة للتحقيق بالقضية تحيل التحقيق لوزارة الدفاع وهي غير معنية بذلك لان الامر موكل الى القضاء العادي، وقد اصدر القضاء العراقي احكامه، ومسالة سقوط الموصل أيضا، كان من المفترض عدم التحقيق فيها وإبقاء الامر محصور بوزارة الدفاع، وبالتالي من المفيد للمشاهد التركيز على التحقيق الذي تجريه وزارة الدفاع لا ما يقوم به أعضاء برلمان لا يفقهوا شيئا بالعلوم العسكرية، وشاهدنا ان مسالة الاستجوابات التي كانت تعلنها لجنتي تحقيق الموصل وسبايكر عبارة عن مشاهد تمثيلية لتحقيق مصالح سياسية وغايات حزبية فقط .
ان الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي سادت مدن عراقية عديدة احتجاجا على سوء الخدمات، وعجز الدولة وفسادها، كان الدافع الاقوى والاسخن الذي دفع لجنة التحقيق البرلمانية لإعلان نتائجها وتحديد بوصلة اتهاماتها لمسؤولين عراقيين كبار على رأسهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء السابق للمثول امامها للتحقيق بتهمة الاهمال الذي ادى الى سقوط الموصل في ايدي المئات من داعش الإرهابي، خصوصا اننا لاحظنا قبل التظاهرات كانت هناك اتجاهات وتسريبات كثيرة تؤكد عدم ادانة المالكي والاسدي، لكن التظاهرات وافرازاتها هي التي جعلت لحنة سقوط البرلمان تنحى منحى باتهام المالكي والاسدي لذلك جاءت اتهاماتهم على استحياء مقصود وله بصمته السياسية الواضحة وذات خلفية حزبية سياسية منظورة.
المحور الخامس: التقرير فاقد لقيمته القانونية:
ان البرلمان يعد الجهة الرقابية، واللجان التحقيقية البرلمانية المكلّفة بأجراء التحقيقات في قضية ما واخرها التحقيق الذي أجرته مع القادة الكبار وضباط الوحدات العسكرية المتواجدة في محافظة نينوى أثناء المعركة، ستكون عاجزةً بالمطلق عن الوصول الى اية نتيجةٍ موضوعية وحاسمة في تحديد مسؤولية التقصير والهزيمة في معركة الموصل او الأنبار، لعدة أسباب:
الأول: شكلي كونها لا تفقهُ شيئاً في الفقه العسكري، بالإضافة الى شجونٍ سياسيةٍ كبرى يتعلّقُ بعضها بالقيادات السياسية ودورها قبلَ وأثناءَ وبعدَ اندلاع المعركة.
الثاني: قانوني (ويشمل كافة اللجان التحقيقية البرلمانية):
ان التقرير لا يعدو كونه خبريا يخلو من أدلة قانونية على ادانة المتهمين، والمادة (61) من الدستور العراقي النافذ قد حددت المسؤولين والأشخاص الذين يحق لمجلس النواب مسائلتهم واستجوابهم، بالرغم من ان النظام الداخلي لمجلس النواب الذي استحدث نصا في المادة(32) منه لا ينسجم ونص المادة (61) من الدستور حيث منح لمجلس النواب حق مسائلة واستجواب رئيس الوزراء والوزراء، واي مسؤول آخر في السلطة التنفيذية، ويحق للمجلس التحقيق مع  المسؤولين المذكورين في نص المادة 61 من الدستور النافذ بشرط ان تكون هناك واقعة لها علاقة بالمصلحة العامة او حقوق المواطنين، ويحق للمجلس في ضوء ذلك طلب حضور أي فرد امامه للأدلاء بشهادة او توضيح امر ما يريده المجلس، واعطت المادة 77 من النظام الداخلي لمجلس النواب حق من خلال لجانه الدائمة وبموافقة اغلبية اعضائها دعوة وكلاء الوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة وبقية الموظفين من العسكريين والمدنيين حق طلب حضورهم (للاستيضاح) واخذ المعلومات منهم على ان يسبق ذلك، اعلام رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء.
لذا نجد ان اللجان البرلمانية ليس لها الحق فيما يتعلق بالأشخاص الذين لم يطالهم نص المادة 61 من الدستور ان تخضعهم للمسائلة فقط ترسل بطلبهم للاستيضاح او تستمع لشهاداتهم، مع العلم ان الذين تستمع لشهاداتهم اللجان البرلمانية تكون شهاداتهم غير ملزمة لمن ادلى بها امام اللجان؛ لأنها تمت وفق إجراءات لم ينص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته النافذ، وليس من صلاحيات اللجان الإحالة الى القضاء؛  بعد انتهاء  الاستيضاح او سماع الشهادة، بل وحتى المذكورين في نص المادة 61 لا يحق للجان البرلمانية احالتهم للقضاء حتى لو تراءى لها هناك جريمة، لان البرلمان ولجانه البرلمانية ليسوا ممن يحق لهم تحريك الشكوى الجزائية تطبيقا لنص المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ.
لذا فان احالة توصيات تقرير لجنة يشكلها مجلس النواب الى مجلس القضاء الاعلى محاولة عبثية لان المحاكم والهيئات القضائية ليست معنية بما تقرره او توصي به جهات غير قضائية، وان المعلومات التي قدمت في التقرير ليس بالضرورة الالتزام بمضامينها كأدلة من الجهات القضائية، كونها ستقوم بإجراء تحقيقاتها بشكل اوسع، والمعلومات المقدمة في التقرير يمكن الاستئناس بها فقط، لكونها لا تمتلك اسنادا قانونيا ولا تعدو ان تكون ادلة ظرفية، والقضاء مخير بالأخذ بها كإجراء اولي على سبيل الاستدلال، مع العلم ان القضاء الجزائي العادي غير معني بتوصيات اللجنة البرلمانية بقدر تعلق الامر بالقادة العسكريين والقضاء العسكري.
وبحدود ما سبق وصفه، نجد ان اللجان البرلمانية التي تشكل للتحقيق في امر ما، لا تمتلك أي صفة قضائية لأنها محددة بنصوص الدستور والقوانين ذات العلاقة، وبذلك فان كافة اجراءاتها ليس لها قيمة قانونية بقدر ما تكون ظاهرة إعلامية لامتصاص غضب الشارع والراي العام.
وأخيرا نؤكد؛ ان اللجنة البرلمانية تغافلت عن أمور لوجستية عسكرية مهمة كان من المفترض ان تذكرها لأهميتها؛ خصوصا ان الموصل سلمت بدون قتال ولو كان الغراوي ومعه قياداته قادة عسكريين حقيقيين مهنيين(من المفترض حراس للوطن) يعرفون بعلوم الحرب وحركة الاحداث ومجاميع العدو وتطورات الميدان واهمية المعلومة الاستخباراتية وكيف يعالجها ويبلغ مراجعه عبر التسلسل العسكري الهرمي الاصولي لكان قد تجاوز هذه النكسة بأقل الخسائر، وأن الجيش العراقي الحالي في كثير من مفاصله، جيش منهك متهالك غير نظامي غير منضبط بأقصى حالاته وغير نظامي بأدنى مستوياته يفتقر للتنسيق والتعاون فيما بين تنظيماته وفرقه وغير مستعد لمواجهة المخاطر المفاجئة بل ليس لديه استراتيجية لتدارك المخاطر والهجمات التي قد تحدق بالبلد كهذه، وكانت هناك ولا زالت عصابات ومافيات تتصارع فيما بينها على المنافع والمكاسب والمناصب دون ادنى وجود لشيء اسمه شرف العسكرية ودون وجود اي عقيدة يؤمن بها قسم كبير من هذا الجيش،  وان الأموال الهائلة التي صرفت على المؤسسة العسكرية صاحبة التأريخ العظيم خلال السنوات الثمان الماضية (ثلث ميزانية العراق)، والتي كانت ولا زالت تأخذ من أفواه الفقراء والمساكين وتُصرف على فِرق وألوية وأفواج يقودها مجموعة من القيادات المنخورة والخاوية والبالية في أداء واجباتها العسكرية، ووزير الدفاع الحالي والسابق بالوكالة لا يعرفون شيء عن ضباطهم وجنودهم كونهم بلا صلاحيات ومعهم رئيس الاركان، والكُل يكذب على الكُل والبعض الآخر يعمل بأجندة خاصّة به ومع أطراف مختلفة بعضها خارجي مرتبط بالإرهابيين والمليشيات والبعض الآخر ملزم بأجندة حزبه أو كتلته التي ينتمي إليها.
ونختم مقالتنا بقول لسيد البلغاء الإمام علي عليه السلام:
 (أﻻ وإن من ﻻ ينفعه الحق يضره الباطل، ومن ﻻ يستقيم على الهدى يجره الضلال الى الردى).

أحدث المقالات