أنهى مجلس النواب في الأيام الماضية تقرير عن نتائج اعمال اللجنة التحقيقية، والتقرير لم يأتي بجديد ولم يكشف لنا اكثر مما كشفه القادة العسكريين في لقاءاتهم العسكرية في القنوات الفضائية التي كان من المفترض وفق السياقات العسكرية ان يحاسبوا وفق قانون العقوبات العسكرية المرقم 19 لسنة 2007 لطرحهم أمور عسكرية يجب عدم تداولها في الاعلام لأنها تؤدي الى اضعاف المؤسسة العسكرية وهو الذي حصل، أنّ عموم الجمهور كان يتابع بألم لقاءات القادة العسكريين والذين ظهروا بهيئة وشخصية لا تتناسب مع شخصية قائد عسكري بقود جيشا تحت راية العراق؛ لانهم ظهروا بشخصيات هزيلة وضعيفة ومشتتة، خصوصا كانوا امام من ادار الحواِر وهم يجيبون وكأنهم تلاميذ امام استاذهم، ان توصيات تقرير لجنة الموصل اكد على ان قضية سقوط الموصل كارثة تاريخية وحوادث ومفارقاتٍ وتناقضات ومداخلاتٍ ومعلوماتٍ جديدة مؤلمة وكارثية تفاجأَ بها الجمهور العراقي والرأي العام والقادة العسكريين القدامى، وسأناقش تقرير الموصل البرلماني من عدة محاور، وفق ما سندونه في ادناه:
المحور الأول / وزارة الدفاع المعنية بالتحقيق في سقوط الموصل وليس البرلمان:
المحور الثاني/ التقرير رافقته أخطاء برلمانية وقانونية:
المحور الثالث/ التقرير تغافل عدة مسببات موجودة قبل سقوط الموصل واتجهت الى زج متهمين ليس لهم علاقة بمسرح عمليات سقوط الموصل:
المحور الرابع/ التقرير تعتريه الصبغة السياسية اكثر من المهنية:
المحور الخامس/ التقرير فاقد لقيمته القانونية:
المحور الأول: وزارة الدفاع المعنية بالتحقيق في سقوط الموصل وليس البرلمان:
ان ثقل الحقيقة ووضوحها في قضية سقوط الموصل ومرور أكثر سنة على ضياع الموصل ووزارة الدفاع والمعنيين بالمؤسسة العسكرية والقضاء العسكري لم يطلعنا على المنجزات التي تحققت في قضية سقوط الموصل ومن هو البريء ومن هو المتهم؟ ومن هو المدان بالخيانة العظمى ومن هو المدان بالتخاذل؟
وخرج علينا تقرير اللجنة البرلمانية ولا نعرف ماذا حدث في تحقيقات وزارة الدفاع؟ ان قضية سقوط الموصل بيد العصابات الإرهابية، لا تحتاج الى هذا التأخير وكان وزير الدفاع، في حزيران عام 2014، كشف عن توجيه القضاء العسكري تهماً بالخيانة العظمى لضباط كبار لتسببهم بسقوط مدينة الموصل بيد عصابات داعش الإرهابية، وقال في مقابلة خاصة له نشرت في 24 من شهر حزيران عام 2014 ان “القيادات العسكرية التي كانت لها علاقة بسقوط الموصل … وكثير منهم احيلوا للمحاكم، وقسم منهم سيحاكمون غيابيا واخرون وجهت لهم تهمة الخيانة العظمى وعقوبتها تصل الى الاعدام والحكم المؤبد وهذا يشمل كثيرا من القيادات، …”، لافتا الى ان “جزءاً من هذه القيادات قيد الاعتقال واخرى كلا”، وفي 7 يناير عام 2014، أكد وزير الدفاع ان القادة الهاربين من معركة الموصل سيحاسبون وفق المادة 29 من قانون العقوبات بتهمة الخيانة العظمى.
ولا نعرف من هم المعتقلين، بعد ان شاهدنا كبار القادة الميدانيين الذين كانوا متواجدين يصرحون في القنوات الإعلامية، ومن هم الهاربين الذين صدرت بحقهم احكام غيابية؟ ( وكتبت مقال عن ذلك)
ان قضية سقوط الموصل والانبار والقضايا الأخرى قضايا وطنية وعسكرية بحتة من غير اللائق عسكريا ان تتنصل وزارة الدفاع عن مهامها الرئيسية في إقامة المجالس التحقيقية للتحقيق في قضايا خطيرة تمس سمعة الجيش العراقي وتقف بانتظار ما ستؤول اليه نتائج تحقيقات لجان برلمانية(توصيات غير ملزمة) استهلكت وقتا وجهد وتلاعبت بمشاعر الناس وسربت اسرار عسكرية وتم النيل من عدة مفاهيم عسكرية كان من المفترض ان تكون محصورة في اضيق الحلقات والدوائر العسكرية لا ان يتم تداولها في الصحف والقنوات، والمؤسف والمثير للسخرية ان وزير الدفاع يقرر في 18/8/2015 (إحالة من وردت أسمائهم في تقرير سقوط الموصل من القادة العسكريين إلى القضاء العسكري) .
اليس ذلك مخزي ومؤسف ان تنتظر وزارة الدفاع سنة كاملة بانتظار لجنة برلمانية تصدر توصيات لا قيمة لها قانونيا لأجل ان يتخذ اجراءاته اين مفاعيل تصريحك الذي ذكرناه انفا وبعد سقوط الموصل؟
كان المفروض ان تكون هناك الان احكام معلنة صادرة من القضاء العسكري بحق القادة العسكريين، خاصة ان الوزير أكد بإحالة ضباط الى المحكمة العسكرية بتهمة الخيانة العظمى، ولا زال المسؤولون عن سقوط الموصل يسرحون ويمرحون ويعقدون اللقاءات والمؤتمرات الصحفية.
ما هي نتائج التحقيقات التي أعلنتها يا وزير الدفاع، خصوصا اننا رأينا المجلس التحقيقي في قضية سقوط الانبار لم يستغرق أكثر من ثلاثة أشهر وتم إحالة الضباط الى القضاء العسكري ولم تكن هناك لجان برلمانية تحقق في قضية سقوط الانبار لان وزارة الدفاع تبنت التحقيق.
ونقل بيان للسلطة القضائية في 08/12/2014عن رئيس الادعاء العام القاضي محمد الجنابي القول إن “التحقيق في موضوع انسحاب الجيش من الموصل وبيع أسلحة وزارة الدفاع في الأنبار وظاهرة ما يسمى بـ[الجنود الفضائيين] هي جرائم عسكرية تخضع إلى قانون العقوبات العسكري رقم 19 لسنة 2007 وقانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم 23 لسنة 1971 وتختص بنظرها المحاكم العسكرية بعد تحريكها من الادعاء العام العسكري”.
ولم نسمع عن دور للادعاء العام العسكري في تقديم كل من كان في المسؤولية الى القضاء للمحاسبة.
ان تصريحات السيد وزير الدفاع تعد تصريحات صادرة من اعلى المستويات وهناك ضرورة ان تكون لها نتائج واثار فعالة في تصويب عمل المؤسسة العسكرية وتطمين للشعب العراقي بأن العقاب يجب أن يكون على أساس أن الجريمة هي بحجم الخيانة العظمى؛ وعندما تكون التصريحات ليس لها نتائج واثار ولا تجد لها تطبيق بعد أكثر من سنة؛ قد توصف بانها، نوع من الأكاذيب وجرعة مسكنة ضد الحقائق ولكنها لا تستمر، لأن عالم الصدق أوسع منطقاً من الكذب، وأسرع وصولاً الى بناء دولة المؤسسات.
ان قضية سقوط الموصل وبعدها الانبار تستوجب إجراءات فعالة ورادعة لوقف التداعيات في العرف العسكري حيث أصبح المهاجم هو الذي يدمر أكثر مما هو متعارف عسكرياً وأصبح أفراد القوات المسلحة يتسابقون في ترك ساحة المعركة بدون أسلحتهم، ان المحاسبة العسكرية القاسية توقف تحول القادة العسكريين إلى حزبيين على حساب مهامهم العسكرية، وتمنع الانسحابات التي لا تليق بسمعة الجيش والقوات الامنية، والقرارات المحدودة التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع لا تكفي، هناك ذنوب لا تغتفر في العمل العسكري، أبرزها الخطط التي تؤدي إلى هزيمة الجيش وانتكاسته.
وعند قراءة مجريات تقرير لجنة الموصل وأسماء المتهمين فيه وربطه مع ما أعلنته وزارة الدفاع العراقية، في (24 ايلول 2014) ان القائد العام للقوات المسلحة امر بإحالة الفريق الركن عبود كنبر والفريق الركن علي غيدان على التقاعد؛ ان ذلك يؤشر لفوضى عارمة في عمل الدولة، هل انتهى التحقيق المزعوم من وزارة الدفاع والقضاء العسكري وأصبحوا أبرياء حتى يتم احالتهم الى التقاعد؟ بالرغم من انهم متهمين وقادة كانوا متواجدين وحسب ما افاد قائد عمليات نينوى؛ ولا اعرف كيف استنتجت (مبكرا جدا) القيادة العامة للقوات المسلحة بأنهم أبرياء وهل انجزت التحقيق بحقهم واتخذت قرارها بإحالتهم الى التقاعد بقضية منفصلة عن قضية سقوط الموصل، التي لحد الان لا نعرف ما هي النتائج؟ والتحقيق لم يكتمل والقضاء العسكري لم يقل كلمته، رغم اكتمال تقرير اللجنة البرلمانية، والذي ادان القادة العسكريين الذين احالهم القائد العام للقوات المسلحة على التقاعد ان تلك مفارقة عظيمة الخطر.
على وزارة الدفاع أن تعي خطورة الموقف وأن تعتبر أن مصير وطن بأكمله مرتبطاً بالمؤسسة العسكرية التي يجب ان تدافع عن وحدتها ووجودها في صف واحد مع المواطنين الذين استهدفتهم جريمة سقوط الموصل؛ لاسيما ان قضية الموصل اثارت الكثير من الشكوك والاتهامات بين العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين.
ان محاسبة المتورطين في قضية تسليم الموصل والانبار وصلاح الدين كان يجب إنجاز التحقيقات فيها واحالتهم الى المحاكم العسكرية ومحاكماتهم وإصدار الاحكام بحقهم سريعا، لأن الذي حدث في هذه المحافظات وتحديدا الموصل خطير جداً، وتداعياته ما زالت قائمة حتى الآن(ثلاثة ملايين نازح)، ولا تستوجب هذا التأخير وتهمة الخيانة العظمى تهمة جنائية عسكرية جسيمة وعظيمة الخطر على البلاد وتستوجب اجراءات عاجلة من القضاء العسكري؛ ليطمئن الشعب ان هناك محاسبة ومحاكمة وعقوبة لمن يتهم بتهمة الخيانة العظمى، والخيانة العظمى في ابجديات قانون العقوبات العسكري معناه هناك متخاذلين من الضباط القادة ويستوجب اعدامهم في ساحات القتال رميا بالرصاص، ووفق اعترافات الغراوي الخطيرة.
ان سجال الحروب الكلامية، يرافقها عدم وجود رغبة حقيقية من قبل الدولة والسياسيين في محاسبة المقصرين بسقوط الموصل والانبار، بسبب التوافق السياسي؛ كان العنوان الأبرز في كل ذلك.
ان إجراءات المؤسسة العسكرية في انجاز قضية الموصل؛ لم تراعي تداعيات الجريمة وبقيت ناراً تحت الرماد، وزاد في اشتعالها تتابع الأحداث، وأية جريمة لا تقاس فقط بتفاصيلها بل تقاس بحجم تفاعلاتها؛ وكان من المفترض ان تعلن وزارة الدفاع رفضها لأي تحقيق تجريه أي جهة خارج المؤسسة العسكرية ؛ لان ذلك سيؤدي الى فضح أمور عسكرية يجب ان تكون سرية وتداولها داخل حدود المؤسسة العسكرية لا خارجها حفاظا على سمعة وهيبة المؤسسة العسكرية، هذه الأمور زادت في إضعاف عامل الثقة، الضعيفة أصلاً، بين المواطنين وبين المؤسسات العسكرية والأمنية، وهذا التأخير ليس له أدنى ما يزكيه او يصدقه من الوجهة العسكرية والسياسية والقانونية، وكان من الموجبات ان تكون المحاكم العسكرية قد أنجزت التحقيق واحالة المتورطين الى المحاكم العسكرية لينالوا عقابهم.
ولا أدرى هل الدعاوى العسكرية خارج السقوف الزمنية المحددة قانونا؟
وهناك ضرورة ان يسعى جاهدا القضاء العسكري والادعاء العام العسكري إلى أخذ الدور القضائي والقانوني وانجاز التحقيقات بكافة الجرائم العسكرية التي سببت انتكاسات للجيش العراق العريق، بعيداً عن اللجان الحكومية أو النيابية التي لم تؤتي أكلها لحد الآن.
ولنا موعد في مقالنا القادم مع المحور الثاني والثالث انشاء الله.