حتى وقت قريب كانت قناة “الحرة” منبرا يُنظّر من خلاله العشرات ممن يتصدرون المشهد السياسي البائس في العراق وأبواقهم المأجورة، للترويج عن مشروعهم التخريبي في العراق، ويقدمون فروض الطاعة والولاء لأسيادهم الذين أسسوا القناة.
التحقيق الاستقصائي الذي أعده الصحفي الشجاع “معن الجيزاني” فضح أقانيم الفساد في المؤسسة الدينية بشقيها “السني والشيعي”، لكنه في الوقت ذاته وحد “الحرامية’ واللصوص في أحزاب العملية السياسية الذين توعدوا “القناة” بالويل والثبور وعظائم الأمور.
فما عدا مما بدا.. ليخرج اليوم قادة وشيوخ القتل المقدس وأذرعهم ليدافعوا عن عمائم الفساد المقدس، ويتوعدون المنبر الذي أوصلهم أصحابه إلى ما وصوا إليه، بعد أن كانوا يتسكعون في شوارع واشنطن كوبنهجن ولندن وطهران، وغيرها من العواصم التي “لملمتهم” ومكنتهم من تصدر المشهد السياسي في العراق!.
التحقيق سلط الضوء على جزء يسير جدا من خفايا فساد مرعب لمؤسسات لا يجرؤ أحد على مراقبتها تقف خلفها رموز من أصحاب العمائم التي تتسلح بعقائد الناس وتتخذ من الدين تجارة ومن رموزه التاريخية سُلّما نحو الفساد حتى أصبحوا رمزا له وبكل جدارة متخمين بثرائه الفاحش.
المجلس الأعلى الإسلامي، أحد أذرع المؤسسة الدينية زعم في بيان أن الهدف وراء “تقرير الحرة”، هو ضرب المؤسسة الدينية التي تمثل “نقطة قوة وحصانة المجتمع العراقي لمواجهة حملات الغزو الفكري والثقافي”، وأشار البيان إلى أن القناة استهدفت “مؤسسات خدمت الشعب في ظروف استثنائية صعبة”.
في حين اعتبر أحد النواب عن مليشيا “صادقون” التحقيق “اعتداء صارخا على مقام المرجعية، وانتهاكا للحرمات والمقدسات بسلسلة تقارير مدفوعة الثمن من قبل الأمريكيين أنفسهم”.
هذا المنطق الذي يتحدثون به يعرّي المؤسسة الدينية التي يدافعون عنها، لصمتها المطبق على الاحتلال الأمريكي للعراق والهيمنة على مقدراته وثرواته، لاسيما وقوفها خلف مليشيات قتلت وغيبت عشرات الألاف من الأبرياء طائفيا بحجة الحرب على تنظيم داعش، متجاهلين عن عمد أن القدسية فقط للوطن ولا قدسية لسواه إن كانوا رجل دين أو غيرهم، فما بالك وهم فاسدون؟.
كان الأجدر بالذين أدانوا تحقيق قناة “الحرة” أن يدحضوا مضمونه بالأدلة ويفندوا الوثائق والشهادات التي وردت فيه من خلال الدعوة إلى إجراء تحقيق قضائي عادل لكشف مصير أموال الأوقاف والاستثمارات وعائديتها بشفافية، والكشف عن الدهاليز التي تم إنشاؤها تحت عباءة الدين التي مكنتهم من الثراء الفاحش على حساب المواطن الذي يتضور جوعا ويعاني الفاقة والعوز في بلد تتعدى ميزانيته المليار دولار سنويا.
يبدو أن الحملة المسعورة ضد الجهد الذي سلط الضوء على خفايا ما يجري في العراق من لصوصية وفساد تتسق مع الجهود الإيرانية التي تريد إبقاء العراق على ما هو عليه، كون معظم ثمار عمليات الفساد واللصوصية التي يقوم بها اتباعها في العراق يعود إليها، تعويضا عن خسائرها بفعل تأثرها الكبير بالعقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران، على خلفية نوويها وعبثها في دول الجوار.
تحية لفريق العمل الشجاع الذي لم يسبقهم بذلك أحد في كشف عورة مافيا الفساد المقدس والمؤسسات الدينية التي تقف خلفها التي أطلقت غربانها للنيل من فرسان الكلمة الساعين إلى كشف الحقيقة.