12 أبريل، 2024 9:55 ص
Search
Close this search box.

تقاعد غير دستوري لاعضاء مجلس النواب العراقي

Facebook
Twitter
LinkedIn

انه من طرائف القول ان البرلمان العراقي قد انفرد وحيدا  في هذا العالم بان يشرع لاعضاءه قانون تقاعد  نتيجة لخدمتهم الطويلة في مؤسسات الدولة كموظفين وهنا لابد ان نبين حقيقة دامغة ومهمة هي ان عضو مجلس النواب العراقي  ليس ( موظفا ) وانما التقاعد يخصص لموظفي الدولة فقط  حيث يستحقون التقاعد  نظير خدماتهم المرضية للدولة بعد قضاء عدد كاف من السنوات  في خدمة الدولة كأن تصل الى 25 او 30 سنة خدمة وظيفية فقانون التقاعد اصلا هو مشرع للموظفين فقط اي السلطة التنفيذية التي تشمل  الحكومة التنفيذية وموظفيها من جميع الوزارات والمؤسسات التابعة لها. كما ان قبول اعضاء مجلس النواب العراقي بالتقاعد معناه انهم يقرون للحكومة التنفيذية بانهم موظفون يعملون لديها وليسو اعضاء برلمان منتخبين لفترة محددة  وبالتالي هو يخرقون مبدا الفصل بين السلطات المقر من قبل الدستور. كما  لايوجد اي برلمان في العالم  يخصص راتب تقاعدي لاعضاءه لانهم ليسوا موظفين وربما البرلمان العراقي هو الحالة الشاذة الوحيدة في هذا العالم حيث يخصصون رواتب تقاعدية لهم.
ولابد من الاشارة   الى انه ليس من المنطق تخصيص راتب تقاعدي لشخص ليس موظف اولا  ولم يخدم الدولة بعدد كاف من السنوات  ثانيا والاهم من ذلك كله فان ميزانية الدولة سترهقها في المستقبل اعباء مالية كبيرة جدا بسبب المبالغ التي تدفع بدون وجه حق لجميع من يشغل منصب عضو مجلس نواب  فبعد عدة سنوات وبسبب العدد الكبير من هؤولاء النواب الاعضاء المتقاعدين لن تتمكن الدولة من اداء واجباتها المالية تجاه افراد الشعب العراقي وستتحمل ميزانية الدولة عدة مليارات من الدولارات لتدفعها رواتب تقاعدية لهم بدون وجه حق واساس دستوري ففي الوقت الذي يقضي موظف صغير حياته  من اول تعيين له في الوظيفة الى ان يبلغ من العمر عتيا ويخرج تقاعد بمبلغ بسيط تجدون ان  عضو مجلس النواب  وهو لم يصدر به امر تعيين وظيفي لانه ليس موظف ياتي لمدة اربع سنوات وبعد انتهاء دورته البرلمانية يعطوه تقاعد 80 بالمئة من راتبه الذي كان يتقاضاه خلال فترة عمله كبرلماني من السلطة التشريعية، وان هذه السرقة العلنية  تحت غطاء قانون غير دستوري هو قانون تقاعد اعضاء مجلس النواب لم ترى اي احد من البرلمانيين من جميع الاطياف سواء كان شيعيا ام سنيا ام مسيحيا ام كرديا ام تركمانيا ينبري للتصدي لها كونها تعتبر  كسبا غير مشروع  لانهم ليسو موظفين وبالتالي لايستحقون تقاعد  وبالاضافة لذلك  فان اغلب اعضاء مجلس النواب كانو موظفين اصلا قبل التحاقهم بالبرلمان وبعد انتهاء عملهم المؤقت كبرلمانيين سيرجعون لوظائفهم الاصلية التي ان استمروا بها الى نهاية العمر سيحصلون على تقاعد كما يحصل عليه باقي موظفي الدولة.

ان هذا الخلل الخطير  لم نسمع اي احد ينبري للتصدي له  من اعضاء البرلمان وتتحمل  رئاسة الجمهورية وفخامة السيد الرئيس باعتباره خريج كلية القانون واعرف بالقوانين  من الجميع  ومجلس الوزراء وهيئة النزاهة  ووزارة المالية  ومديرية التقاعد العامة في البرلمان العراقي واللجنة القانونية فيه  وكافة اعضاء البرلمان امام الله والشعب العراقي هذا الخلل الدستوري الخطير ولابد من جهة واحدة ان تتصدى لهذا القانون غير الدستوري وهي ( السلطة القضائية ) واقصد هنا   المحكمة الاتحادية العليا  ومجلس شورى الدولة حيث ان واجبهم المهني والاخلاقي امام الله والشعب العراقي وبموجب القسم الذي ادوه هو ان يحترمو الدستور العراقي وان لايكون هناك اي قانون مخالف لروح ومبادئ الدستور والقوانين الاخرى ذات العلاقة  ويمكن للجميع ان يسال هذا السؤال ( لماذا نصرف رواتب تقاعدية لاعضاء مجلس النواب وهم ليسوا موظفين ولم يخدمو الدولة لفترات طويلة حالهم حال جميع الموظفين في دوائر الدولة الاخرى؟ ولماذا تصرف لهم مبالغ  تقاعدية وتتم معاملتهم كجزء من السلطة التنفيذية اي الحكومة ويفترض بهم ان يكونوا منفصلين عنها وغير مرتبطين بها؟ لماذا شخص موظف متقاعد افنى عمره في خدمة الدولة لثلاثين سنة او اكثر يعطى مبلغ تقاعد زهيد في حين ان عضو مجلس النواب  وهو ليس موظف واتى لاربع سنوات فقط يعطى راتب تقاعدي غير مشروع اكثر من الموظف في دوائر الدولة؟).
قد يكون من الضروري  كذلك باعتبار ان معظم اعضاء مجلس النواب من الاسلاميين ( الشيعة والسنة  على حد سواء)  وكذلك الاخوة المسيحين وغيرهم ان يستفسروا من المراجع الدينية التي يرتبطون بها عن شرعية التقاعد الذي يقبضوه من عدمه لانهم ليسوا بموظفين وانا مجرد اشخاص انتخبهم الشعب لفترة اربع سنوات لتمثيله في البرلمان للدفاع عن مصالحه  ولابد من قيام الدولة باسترداد كافة  المليارات التي صرفت كرواتب تقاعدية  للبرلمانيين كونها لا اساس قانوني لها  وهي من حق الشعب وانما القانون الذي شرعوه لانفسهم والخاص بتقاعدهم والذي شرع في فترة زمنية قياسية وكان من اوائل القوانين التي قاموا بتشريعها لايوجد له اساس دستوري وقانوني حيث جرى العمل في العالم ان البرلمانيين لايستحقون تقاعد  لانهم ليسوا موظفين  ولكن البرلمان العراقي هو الحالة الشاذة الوحيدة التي شرعت لنفسها هذا القانون غير الدستوري .
 واخيرا نقول اننا شعب العراق الذي وضع اول قانون وضعي على الارض في زمن حمورابي وارنمو يجب ان نكون مثالا للشعوب في احترام الدستور والقوانين ونتطلع الى اليوم الذي نرى فيه  القضاء العراقي يقول كلمته في هذه المسالة  على غرار القضاء المصري الذي نقض قانون العزل السياسي الذي اقره البرلمان المصري لعدم دستوريته كونه يمس بالحريات العامة ، ونرجو من القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية العليا نقض قانون  تقاعد مجلس النواب العراقي لعدم دستوريته كما اننا وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني سنثير هذه المسالة المهمة امام الشعب العراقي بمختلف اطيافه، ولابد للمرجعيات الدينية كذلك من الانضمام لنا في  هذه الحملة لالغاء قانون تقاعد مجلس النواب لعدم دستوريته.

باحث قانوني

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب