رواية (حي بن يقظان ) لابن طفيل تحكي كيف استطاع ان يعيش بين الحيوانات ويتعلم لغاتها وعاداتها حين كان وسط الادغال ولكنه لم يستطع العيش مع البشر رغم ايمانهم بالخالق . مايهمنا ان حي بن يقظان استطاع ايجاد حياة مشتركة مع اكثر الحيوانات شراسة لانه يعيش في نفس المكان ولم يستطيع العيش مع البشر لما يحملون من كراهية , ولولا الخوف من الخالق لاصبحوا اكثر فتك من الحيوان .
حتى الكائنات الغير عاقلة ادركت بفعل تجربة الاف السنين ان عليها ان تتآلف مع غيرها طالما لايوجد ضرر على سلامتها فما بالك بالانسان العاقل .
ماذا لو قلنا انه لايوجد جنة ولانار , هل سَيْكُفر المؤمن , هل سيكفر الانسان الذي يدعو الى السلام والمحبة , ام سيستمر بدعواته لانها السبيل الامثل للعيش المشترك . لماذا كلما اردنا ان نهدي الانسان الى صراط مستقيم نذكره بجهنم او نختلق قصص العذاب !!!.
كم حي امتلك اليقظة وهرب خارج العراق ليعيش مع ناس لايربطه بهم دين او مذهب , كم عراقي حمل حقيبته وهاجر ليبحث عن كرامته التي هدرها المتزمتين الذين يخافون من الخالق ولايحسنون العيش مع باقي البشر, الامام علي قال الناس اثنان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق . الناس اخوة , لماذا اذن تَستبيح دم و عرض ومال اخيك لانه اختلف معك بالرأي.
ماقيمة الانسان الذي يخاف الله ولايحسن العيش مع الناس او ان قلبه ممتلئ حقد وضغينة . ان عبادة الخالق مرتبطة بوحدة الكائنات فأن كان هنالك خلل في العلاقات الاجتماعية والانسانية فهذا يعني ان العبادة مجرد غطاء او زيف مطلق .
لكن هنالك من لم يستطيع الهروب (الهجرة) اعتكف على نفسه وصنع له عالم خاص به , هذا العالم يقيه امراض كثيرة ( الطائفية , الفساد , السرقة , الخطف ) , ولو تخيلنا ان هذا هو (حي بن يقظان) كان يعمل استاذ في احدى الجامعات العراقية واحيل على التقاعد بعد خدمة اكثر من اربعين عام , كان هذا الاستاذ يتوقع ان تقام له جلسة وداعية وتكريم بسيطة , تكريم معنوي , بعد تخرج على يده المئات من الطلبة من هم بدرجة ماجستير والدكتوراة , لكنه تفاجئ , اذ انهم يطلبون منه اعادة جهاز اللاب توب !!! اعطته الجامعة اللاب توب قبل خمسة سنوات تقريبا , قال لهم الاستاذ مستغرباً ( يابه الجهاز عاطل منذ سنتين واعطيته للمصلح والمصلح مات بالتفجير ) , اصرت الجامعة على ضرورة اعادة الجهاز مهما كان حاله .
السؤال : هل تستكثر الحكومة اللاب توب على استاذ خدم العلم على مدى اكثر من ثلاثة عقود , المهم عاد الاستاذ ( حي بن يقظان ) مهموم الى منزله كارهاً نفسه وحكومته . بينما الفضائين الذين دمروا العراق ينعمون بخيرات العراق وفاتورة موبايلات اولادهم تبلغ الملايين .
كم حي بن يقظان يسكن العراق وكم حي بن يقظان يشعر بالمرارة , وكم فاسد بن حرامي متنعم .
