18 ديسمبر، 2024 7:11 م

تقاطع القرآن مع الأحاديث حول ” المسيح “

تقاطع القرآن مع الأحاديث حول ” المسيح “

لا بد لنا كمهتمين بالموروث الأسلامي ، أن ” نقدم العقل على النقل ” في أي نص منقول ألينا . لأنه في النقد العلمي ، ليس من مقدس – ولا يوجد خطوط حمر لأي بحث – ما دمنا نتبع الطرق والأساليب العلمية الرصينة ، وفق الأصول في البحث.
الموضوع : قيل عن المسيح في القرآن ، ما لم يقال عن أي نبي أو رسول أو أنسان ، وسأعرض نصين / آية وحديث ، الأول يتعلق بالمسيح ، والثاني يعني أتباعه – مع تفسير مقتضب / مع نصوص أخرى وفق مقتضيات المقال ، وذلك لأبين التقاطعات الشائكة في الموروث الأسلامي .. ومن ثم سأسرد قراءتي العقلانية .
1 . جاء في القرآن عن المسيح ، التالي – على سبيل المثال وليس الحصر ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ.. / 171 سورة النساء ) ، أنه من أبدع الأوصاف التي قيلت بحق المسيح ، وهو النص القرآني ، القائل : أن المسيح رسول الله و” كلمة الله ورح منه ” . ولكن المفسرون شطحوا في التفسير ، وذهبوا بعيدا عن فحوى ومضمون ، وما يرمز أليه النص ، فقالوا ، وفق تفسير بن كثير / موقع القرآن ، التالي ( ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء ، وهذا كثير في النصارى ، فإنهم تجاوزوا حد التصديق بعيسى ، حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها ، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه ، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ، ممن زعم أنه على دينه ، فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه ، سواء كان حقا أو باطلا أو ضلالا أو رشادا ، أو صحيحا أو كذبا .. ) . * المفسرون ، غفلو من أن المسيح ليس مجرد رسول كباقي الرسل ، وبذات الأمر ، أنه ليس له مواز من أي رسول أو نبي ، وله صفات لم تكن لغيره ، لا من قبل ولا من بعد ، فهو لم يقبر ، لأنه حي لم يمت . ومن جانب أخر ، كيف لكلمة وروح الله ، أن تتماثل أو أن تتشابه مع الغير ! .

2 . ولكن رسول الأسلام ، يورد حديثا أشكاليا ( وعَن ابن عُمَر ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ / مُتفقٌ عليه ) ، أن محمدا بهذا الحديث ، يقاتل العالم كله ، أن لم يسلموا .. ، بما فيهم أتباع المسيح – الذي وصفه القرآن ب ” كلمة الله وروح منه ” ! . وتفسير الحديث ، وفق موقع الأمام أبن باز ( أما إذا امتنع من الشَّهادتين أو إحداهما ، أو من الصلاة أو الزكاة فإنهم يُقاتلون حتى يُنيبوا إلى هذا ، وحتى يعبدوا الله وحده ، وحتى يُقروا للرسول بالرسالة ويتَّبعوه ، وحتى يُؤدوا الصَّلوات الخمس ، وحتى يُؤدوا الزكاة ، فإذا كان مع المسلمين فلم يُقاتل ولكن بخل بالزكاة تُؤخذ منه جبرًا ، تُؤخذ بالقوة ، فإذا قاتلوا دونها قُوتلوا ، كما فعل الصديقُ والصحابةُ .. ) . * الحديث مطلق وعام ، أن محمدا يقاتل كل من لم يؤمن برسالته ، ومنهم المسيحيين ، أتباع المسيح كلمة الله وروح منه .

القراءة : أولا – سائل يسأل ، ماهي ” العلاقة ” بين النص القرآني 171 من سورة النساء ، الوارد في أعلاه ، وبين حديث الرسول ( أمرت أن أقاتل الناس ) وما هو ” التقاطع ” بينهما ، وحتى نجيب على هذين التساؤلين ، لا بد لنا ، أن نفسرهما عقلانيا.

ثانيا – بأختصار ، عندما يكون المسيح كلمة الله و روح منه ، هذا يعني أن الروح والكلمة مرتبطان مع الله منذ الأزل ، والله الذي يقول كن فيكون ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ / ١١٧ سورة البقرة ) أنما يكون هذا بكلمة الله – الذي هو المسيح . ولكن هذا التفسير قاطع للآية التالية ( أن مثل عيسى عند الله كمثل أدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون / 59 سورة آل عمران ) ، فكيف المسيح الذي هو كلمة الله وروح منه / منذ الأزل ، أن يكون مخلوقا من تراب كغيره من البشر ! .. ومن موقع / النور ، أنقل التفسير التالي ، حول تلازم الروح والكلمة مع الله ( فالقرآن يدعو المسيح كلمة الله وروحاً منه ، وهذا يدفعنا إلى أنْ نتساءل : أكان الله قبل أن يبدع هذا العالم ذا روح وكلمة ، أم لم يكن كذلك ؟ فإن قيل هو روح وكلمة منذ الأزل ، قلنا أهُمَا ذات الله أم غيره ؟ فإن قيل هما غيره ، قلنا ، إذاً فمع الله اثنان ، ومن كان معه غيره فهو ليس واحداً . وهذا باطل . وإن قيل : إن الروح والكلمة مخلوقان وليسا موجودَيْن منذ الأزل ، كان هذا مناقضاً للاعتقاد في الله تعالى من أنه الكائن الأزلي الحي الناطق ، لأننا لم نصفه بهذه الصفات إلا لأننا نعتقد فيه الحياة والنطق منذ الأزل ، وليس من سبيل للاستدلال على الحياة والنطق إلا بالروح والكلمة ، لأن الروح جوهر الحي ، والكلمة كنه الناطق . فلم يبق والحالة هذه إلا أن نقول إن الروح والكلمة هما ذات الله ، لهما صفاته كلها ، دون تعدد أو إنفصال حتى نتقي شر الشرك به تعالى ، والطعن في ذاته المقدسة الكاملة بحرمانها النطق والحياة حيناً من الزمن . ) .

ثالثا – الرسول ذاته ، بحديث له ، يقول لا تطروني كالمسيح ، ، فأنا عبد لله ، وهذا أعتراف غير مباشر منه ، بقدر ومكانة المسيح العليا ، مقارنة بوضع محمد البشري ( قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم قال : زعم الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، عن عمر : أن رسول الله قال : ” لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد الله ورسوله “) .

رابعا – أما حديث الرسول ( أمرت أن أقاتل الناس .. ) ، فهو يقاطع الكثير من النصوص ، وخاصة النص 171 من سورة النساء المشار أليه في أعلاه ، فكيف لمحمد ، أن يقاتل الناس أجمعين ، ومنهم أتباع المسيح – وهوروح الله وكلمة منه ! . من جانب أخر ، أن الحديث ذاته يقاطع النص القرآني التالي ، المتعلق بالأنتماء العقائدي ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ / 6 سورة الكافرون ﴾ ، ويقاطع أيضا نصا أخرا / المتعلق بحرية الأيمان ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ / 29 سورة الكهف ) .

خامسا – التساؤل المهم ، أن محمدا ، وفق العقيدة الأسلامية ، يتكلم بوحي من الله ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى / 3 ، 4 سورة النجم ﴾ ، فكيف لمحمد يورد حديثا ( أمرت أن أقاتل الناس .. ) ، بخلاف النص القرآني ! ، ونطقه موحى له من الله .

سادسا – أتباع المسيح لهم مكانة خاصة ، ووصفهم القرآن وصفا دقيقا منزها عن الأخرين ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ / 55 سورة آل عمران ) .. فكيف لمحمد أن يقاتلهم ، وهم فوق الذين كفروا ! .

خاتمة : من كثرة التقاطعات والتناقضات والخلافات في النصوص والأحاديث ، الأمر الذي جعل من المفسرين ، أن يرقعوا النصوص ، وما تلبث أن تنفتق ! . وذلك لأن الوضع بات واضحا ، من أن كتبة القرآن ، غير متفقين فيما بينهم ، أو أن ما كتبه الأولون لم يقرأه أو يطلع عليه اللاحقون .. والله أعلم .