وافقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي على توجيه ضربة عسكرية لسوريا ، بـ (10) اصوات مقابل (7) بعد جلستي استماع مطولتين عقدتهما مع وزيري الخارجية والدفاع جون كيري وتشاك هيغل اضافة الى مارتن ديمبسي رئيس الاركان ، الامر الذي يفتح الطريق لمجلس الشيوخ ( الكونغرس ) بكامل هيئته للتصويت على تفويض شن العدوان الاسبوع المقبل .
لكن التفويض جاء على درجة اقل مما طلبه اوباما ، اذ نص مشروع القرار على حظر نشر قوات امريكية على الارض ووضع حد زمني ( 60 يوماً ) للعمل العسكري ، ومده لمرة واحدة لشهر واحد اذا لزم الامر .
المراقب لمجريات جلستي الاستماع يجد ان الاسئلة التي طرحها اعضاء اللجنة على اعضاء الحكومة الامريكية كانت واضحة ومباشرة ووصلت الى حد الاحراج في كثير من الاحيان عند المطالبة بالادلة على استخدام السلاح الكيمياوي ومصدره ، الامر الذي تهرب من الاجابة عليه لاكثر من مرة وزير الدفاع ولف ودار ، واعيدت عليه الكرة ليقول ان روسيا من زودت دمشق بها وهي اصلاً موجودة لدى الجيش السوري ، مركزاً على تكلفة الحرب الباهضة .
و لا بد من القول ان التسويف والمراوغة المقصودة والكذب الذي لم يعد مستساغاً ابداً هو جوهر التعامل الامريكي مع العالم لاستقطابه وتحقيق المآرب التوسعية المشبوهة ، اذ لم يستطع هيغل ان يقنع حتى طفلاً صغيراً ، ففي الوقت التي يتحدث به الساسة الامريكان بهذه الطريقة والتي قال عنها احد اعضاء اللجنة اثناء الجلسة (( ان العالم لم يعد يفهم ما هي السياسية الامريكية في الشرق الاوسط )) يتبين لنا ان السبب وراء ذلك يعود الى امرين :
الاول ، ان الادارة الامريكية وطبقاً لاستراتيجيتها الامنية فأنها لا تسمح لاي دولة قريبة او مجاورة ( لاسرائيل ) بأمتلاك اي نوع من اسلحة الدمار او المحرمة دولياً وفق المعاهدات والاتفاقيات التي اثقلت بها العالم تحت مسمى ( الامم المتحدة ) ، كما انه اتهام غير مباثر للادارة الامريكية بتلفيق هذه الادعاءات لان ثوابت ( العم سام ) لا تتغير .
والثاني ، هو الانقسام الواضح بين اعضاء الكونغرس الذي اخذ بالاتساع والذي سببه الاختلاف في التعامل مع الازمة السورية منذ بدايتها ، الامر الذي يتضح جلياً في سؤال لاحد اعضاء اللجنة لكيري : لماذا يطلب اوباما تفويض الكونغرس لضرب سوريا ولم يفعل ذلك عند ضرب ليبيا ؟ .
وحتى جواب كيري عن هذا السؤال يفضح الازدواجية في التعامل مع الاحداث في العالم وفق المصالح وما تفرضه من متطلبات على الارض ، اذ اجاب بأن ضرب ليبيا كان بتفويض من مجلس الامن ونحن لا نتدخل في تغيير الحكومات .
لقد نسي كيري هذا ، او تناسى ، ان القرار 1973 الصادر من مجلس الامن في 17 اذار 2011 لم يجز للقوات الدولية تغيير نظام القذافي بل فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا ، ولكن الولايات المتحدة ومن ورائها الذنب المطيع بريطانيا ، وبالضرورة (الناتو) فعلت العكس تماماً ، واسقطت النظام بعد تسليح المعارضة ودعم الاقتتال الداخلي ، الامر نفسه يسعى اليه اوباما بوضوح في سوريا . وقد كشفت مصادر عسكرية غربية في تقارير – وصفت بالمهمة – عن نية الرئيس الامريكي شن عمل عسكري واسع النطاق في سوريا في حال موافقة الكونغرس بحجة الرد على الهجوم الكيمياوي المزعوم ، كما ان وجود ديمبسي في جلسات الاستماع هذه الى جانب وزير الدفاع يعطي مؤشراً قوياً على ان العملية ليست فقط بالصواريخ والطائرات . ومما لا شك فيه ان الديمقراطيين يسعون لحفظ ماء وجه صاحبهم ( الاسود ) بتدعيم قراراته خصوصاً فيما يتعلق بتنفيذ سياسات الهيمنة على الشرق والتي خطط لها – صقور – البيت الابيض .
وعلى الرغم من ذلك ، فأن الحسابات الامريكية هذه المرة خرجت عن المألوف وحتى عن السيطرة ، اذ ان امن ( اسرائيل ) مهدد وانظمة الخليج ليست في مأمن الى جانب الحسابات الرأسمالية التي تستدعي وصول المدمرات والبوارج وحاملات الطائرات ليعج بها البحر المتوسط في انتظار اطلاق شرارة الحرب ، ومنها اكتشاف النفط بكميات كبيرة في المنطقة ، لا سيما في المناطق البحرية المقابلة لفلسطين ولبنان وصولاً الى اللاذقية ، اضافة الى خطط واشنطن الحثيثة في السيطرة على خريطة الغاز في ساحل البحر المتوسط ، بعد ان ادركت ان الغاز القطري اصبح عاجزاً عن المنافسة في السوق الاوروبية ، كما ان النفوذ الروسي يزداد في اوروبا مع ازدياد الطلب .
ان الولايات المتحدة سوف تتفادى مجلس الامن لتأمين الغطاء الدولي لشن العدوان للافلات من (الفيتو) الروسي المحتمل خصوصاً بعد استخفاف موسكو بالكذب الامريكي المفبرك .
ان تجاوز الامريكان للمنطق وكل الاعراف الدولية يُبرر حجم المؤامرة وعدم احترام ما ستؤول اليه الامور من قساوة وخطورة وتأثير على الدول المجاورة لسوريا ، ومنها العراق الذي حذر من تبعات التهور الامريكي المتسرع وطرحه مبادرة شاملة لدرء الخطر المحدق بالعرب وفق رؤى جدية تجنب المنطقة ويلات جمة تنعكس بالضرورة على الظروف الامنية والاقتصادية بشكل سلبي لا يقبل الشك او اللبس .