18 ديسمبر، 2024 11:11 م

تفكيك سليم الحسني في ضربه للمرجعية

تفكيك سليم الحسني في ضربه للمرجعية

١ *الخلفية*
المتابعون لأجواء وسائل التواصل الاجتماعي يعرفون الكاتب سليم الحسني عضو حزب الدعوة (والمنشق عنه كما يدعي) والمستشار السابق لإبراهيم الجعفري فترة رئاسته للوزراء، وهو لا يشغل أي منصب حكومي حالياً ويكتب من لندن في المملكة المتحدة. وقد شرع هذا الكاتب مؤخراً في كتابة سلسلة مقالات ضد السيد محمد رضا السيستاني نجل المرجع الديني السيد علي السيستاني وثقته ومدير مكتبه، وفحوى مقالاته أن السيد محمد رضا يستغل اسم والده ويفرض حصاراً عليه بحيث أن كل ما يصدر من جهته لا يمثل رأي والده وإنما يمثل مصالحه الخاصة وعزا إليه نفوذاً جباراً أدى إلى إسقاط رؤساء حكومة كالجعفري وتعيين آخرين كعادل عبد المهدي وعلاوي. وصوره على أنه يملك أذرعاً كالصافي والكربلائي ومصالح متشابكة مع القوى السياسية وقوات الاحتلال وأنه يملك جيوشاً الكترونية ومثقفين مرتزقين يهاجمون خصومه كالحسني. وأنه يفرض حصاراً على والده المرجع بحيث لا يمكن لأحد اللقاء به إلا عن طريقه وبحضوره بل حتى أنه قذفه بأنه من المروجين للاحتفال باستشهاد السيد محمد باقر الصدر مع أن عمر السيد المذكور لم يتجاوز ١٧ سنة حينها وغيرها من الاتهامات التي يطول تعدادها.

والمتابع للحسني يعلم أنه يرسل اتهاماته وادعاءاته جزافاً ارسال المسلمات دون ذكر الشهود قط مع ارفاقها باستنتاجاته الخاصة وهذه مدعاة كافية للشك عند القارئ الحصيف. وليس غرضي من هذا المقال تفنيد اتهاماته والوقائع التي يذكرها (وقد ثبت لدي بالقطع كذب بعضها)، ولكن الغرض من هذا المقال هو تفكيك وتحليل الخطوط والأجندة المخفية التي يحاول ترويجها تحت غطاء الدفاع عن المرجع ضد ابنه وذلك بالنظر إلى مجمل مقالاته.

٢ *الحسني يعين نفسه ناطقاً باسم المرجع*

المتابعون لتأريخ مرجعية السيد السيستاني منذ ترقيه سلم المرجعية بعد وفاة السيد الخوئي سنة ١٩٩٢ يعرفون أنه لا يحبذ الخطابات المسجلة أو العامة، ومواقفه تصدر ببيانات مكتوبة ومختومة أو منشورة على موقعه الرسمي أو من خلال منبر الجمعة في كربلاء، وقد صدر منه تكراراً أنه لا يمثله غير ذلك. ومن خلال هذه القنوات صدرت مواقفه المحورية بعد الاحتلال، ومنها ما صدر من خطبة الجمعة بفتواه بالجهاد الكفائي والتطوع في الجيش والشرطة لمواجهة انهيار الدولة في موجهة تنظيم داعش سنة ٢٠١٤ مما أوقف المد الداعشي وكان بداية انحساره وفنائه.

أما سليم الحسني فإنه يتهم السيد محمد رضا السيستاني بامتلاك ختم المكتب والتصرف به كما يشاء والتصرف بالموقع وكتابة خطبة الجمعة في كربلاء بنفسه دون علم أبيه، وكرر زعمه أن هذه القنوات لا يمكن الاعتماد عليها في التعرف على رأي المرجع بل أعطى لنفسه الحق في تحليل ما هو ”الأصيل“ (حسب زعمه) من مواقف المرجع (كالبيان الصادر بعد لقائه الممثلة الخاصة للامين العام للأم المتحدة قبل أيام) وما هو ”الدخيل“ (كخطب الجمعة)، فأصبح ينتقي ويلتقط ما يشاء من مواقف ويحللها ويعزوها للمرجع مع أنه ليس له تواصل به البتة (إلا بلقاء يتيم قبل عقد من الزمان حسب دعواه).

وينتج مباشرة من ذلك أنه يرفض عملياً ما يصدر عن المرجعية من مواقف، ويرفض قبول ما اختاره المرجع بنفسه من قنوات للتواصل مع الأمة وما يصدر عنه من بيانات. وهذا يعني أنه يدعو الناس إلى عدم الثقة وعدم التفاعل مع ما يصدر من المرجعية من مواقف لكي يسلبها تأثيرها وقوتها بين الناس.

لذلك يتضح بأدنى تأمل أن الحسني يهدف (بوعي أو بدون وعي) إلى تحييد المرجعية عن الشأن العام بدعاوى مزيفة حتى لو أقسم ألف مرة أنه يقدّس المرجع، فآخر كلامه ينقض أوله.

٣ *الحسني ومثال ابن نوح*

قد يعترض المتعاطفون مع الحسني على عنوان المقال بتكرار ما يزعمه وهو: أنه لا يريد إلا الدفاع عن المرجع عن سيطرة ابنه عليها ويضرب لك الأمثلة من ابن نوح الذي عصى والده وجعفر ”الكذاب“ وأمثلة آخرين من أبناء المراجع وأحفادهم من غير مستقيمي السيرة، وأنه لا يجوز أن تنتقل القدسية لابن المرجع.

لكن أدنى تأمل في هذه الدعوى يجد أنها مغالطة جلية والأمثلة المذكورة لا تشمل إلا من توفي آباؤهم أو من لم يصدر بحقهم توثيق بل صدر فيهم ذم كابن نوح. فلم يزعم أحد أن ابن المرجع يمثل المرجع بصفته ابنه، بل لأن المرجع قد جعله ثقته وولاه إدارة أموره والمرجع حي يرزق ولم يصدر منه ما يخالف ذلك مع أنه يلتقي بالناس من العموم والخصوص يومياً.

ومثال ذلك من التأريخ الشيعي هو عثمان بن سعيد السمري السفير الأول والذي كان ثقة الإمامين الهادي والعسكري ع ومن بعدهما الإمام الحجة المنتظر (مع ملاحظة الفارق أن المرجع حاضر غير غائب) وقد صدره بحقه التوثيق من الإمام الهادي ع كقوله «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون» وغيره. فإذا جاء شخص مع علمه بالتوثيق المذكور ورفض كلام السمري وطعن فيه وفي وثاقته فإنه من الطبيعي أن ذلك يعني رفض من وثقه وهو الإمام. فحتى لو زعم هذا الشخص طاعته للإمام لكن المعنى الملازم لطعنه بمن وثقه الإمام وهو طعنه بالإمام نفسه، ولكنه يغلفه بطعنه بالثقة.
وهذا نظير ما يفعله الحسني، فهو لا يجرؤ على الطعن بالسيد السيستاني ولكنه يستبدل ذلك بالطعن بكل المحيطين به ورفض أي كلام يصدر من مكتبه ومن عينّه المرجع بنفسه مديراً لشؤونه ، وهذا عملياً يفضي إلى رفض المرجع إما باعتباره ”متواطئاً“ مع ابنه أو باعتباره غائباً عن دوره القيادي عاجزاً عن القيام به.

٤ *صانع الملوك؟*

صب الحسني جام غضبه على السيد محمد رضا السيستاني وألقى عليه اللوم بتولي أياد علاوي رئاسة الوزراء ومن ثم تنحي الجعفري سنة ٢٠٠٦ ومن ثم في تولّي عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء مؤخراً، وذكر في ذلك حكايات وقصص لا شهود لها بل ولا تنهض بالمطلوب. والقاسم المشترك بين هذه الأحداث أنها نحّت أفراداً من حزب الدعوة عن رئاسة الوزراء. لذا فإن الحسني يصوّر القوى السياسية الشيعية مؤتمرة بأمر السيد محمد رضا السيستاني منصاعة لما يريد. ويمكن ملاحظة أن أن الحسني لم يذكر إقصاء المالكي ل جاء برسالة موقعة من المرجع نفسه فلم يستطع استعمال تكتيك الهجوم على المرجعية تحت غطاء مهاجمة نجله.

ولكن إذا أردنا النظر بعين تحليلية لدور المرجعية في اختيار رئيس الوزراء فإن نلاحظ أولاً أن المرجعية الدينية لا حيثية دستورية لها وإنما هي جهة مدنية لها ثقل روحي في الشارع العراقي وليست لديها أدوات تنفيذية. وثانياً أنه ليس للمرجعية ذراع سياسي ولا أصوات في البرلمان. فالأحزاب الناشطة في الساحة بمختلف أطيافها لا ترجع فقهياً لمرجعية النجف ولا تأتمر بأمرها من حزب الدعوة والتيار الصدري وغيرهم، بل أن المرجعية سدت بابها في وجوههم منذ سنين.
لذا ينتج من ذلك: أن دور المرجعية ينحصر في أن الأحزاب يحسبون لرصيدها الروحي حساباً من الناحية البرغماتية وليس رجوعاً حقيقياً منهم إليها، والمرجعية تستثمر هذا الرصيد في حدود، منها مثلاً إصرار المرجعية على تنحية المالكي عام ٢٠١٤ في الرسالة المعروفة لحزب الدعوة.
وبما أن هذا الرصيد محدود والإسراف في استعماله يفقده فعاليته. لذا فإن المرجعية لا تستطيع تحريك الأحزاب كما تشاء وتوافق الأحزاب على مرشح قد لا يعني إلا أن “المرجعية لم تعارضه بقوة” لا أكثر. وشبيه ذلك ترشيح الجعفري والمالكي والعبادي سابقاً، فلا أحد يعتقد أنهم مرشحو المرجعية بأي نحو من الأنحاء وهكذا حال عادل عبد المهدي. لذا فإن تحميل المرجعية مسؤولية اختيار عادل عبد المهدي مع فقدانها أي ذراع سياسي للحصول على الأصوات اللازمة كلام لا معنى له. فعادل عبد المهدي انتخب بتوافق صدري إيراني وبعد انشقاق جناح من حزب الدعوة بقيادة الفياض وكل هذه الأطراف لها مرجعياتها الأيدلوجية المستقلة عن مرجعية النجف.

وإذا رجعنا في التأريخ للوراء فإن تنحي الجعفري كذلك كان نتيجة طبيعية لحالة الشلل التي أوقفت تشكيل الحكومة لرفض الاكراد والسنة العرب له وإلقاء اللوم بذلك على المرجعية تزوير للتأريخ. أما اختيار علاوي فكان قراراً أمريكياً وصوّت عليه مجلس الحكم ومعروف أن المرجعية كانت معارضة أشد المعارضة لتولي رئاسة الحكومة من قبل رئيس غير منتخب ولكن قوات الاحتلال أصرت على تأجيل الانتخابات العامة ومررت قانون الدولة المؤقت دون موافقة المرجعية.

٥ *ميزانية المرجعية*

من دعاوى الحسني العريضة هي أن السيد محمد رضا وشبكته المزعومة تسيطر على مبالغ هائلة من الأموال ” تكفي لأن تجعل شيعة العراق يعيشون في خير وكرامة من دون الحاجة الى مرتبات الوظائف وأجور العمل“ حسب زعمه.
كالعادة لم يذكر الحسني مصادراً لدعواه ولا للأرقام أو الاحصاءات التي استعملها للحصول على هكذا نتيجة من مقعده الوثير.

ولكن يجدر الذكر أن الحقوق الشرعية من العراقيين لا تساهم في ميزانية المرجعية بشيء لأن المرجع قد أجاز لسكان العراق دون غيرهم بإيصال الحق الشرعي إلى مستحقيه مباشرة، وهذا مذكور على الموقع الرسمي للمرجع.
وهذا يعني أن عمدة ميزانية المرجعية تموّل من قبل الحقوق الشرعية من خارج العراق وتصرفها على المشاريع الدينية والإنمائية ومنها المدارس الدينية في النجف والمستشفيات ومؤسسة رعاية الأيتام (مؤسسة العين) التي تصرف لوحدها سنوياً ما يقارب المليون دولار في إعالة الأيتام الذي تكاثروا من سنوات التفجيرات وحرب داعش.
لذا فإن المرجعية قد تولت بعض المسؤوليات التي تخلت الحكومة عنها والتي أساء إدارتها رفاق درب الحسني لمدة ١٢ سنة، ومع ذلك يجد الحسني في نفسه الجرأة بمطالبة المرجعية الدينية (والتي تشمل مسؤولياتها كل شيعة العالم) أن تكون بديلة عن الحكومة في تمويل شيعة العراق لتعويض الفشل الحكومي.

٦ *كل معارض مأجور*

مع نقاط الضعف الواضحة في منشورات الحسني فإنه يتهم كل من يكتب تعليقاً معارضاً له بالاسترزاق وبالانتماء للجيوش الالكترونية المزعومة، ويمكن تحليل ذلك من خلال عدة زوايا:

أولاً: هذا يشير إلى نزعة ديكتاتورية لا تتقبل الرأي المخالف وتحاول قمعه بشتى الطرق. فكما كان نظام البعث وما يشبهه من الأنظمة الدكتاتورية تتهم من يخالفها بأنه عميل أو مأجور أو مدفوع، فإنا كذلك نجد أن نفس العقلية موجودة لدى الكاتب.
ثانياً: هذا يشير إلى ضعف العقلية التحليلية لدى الكاتب بحيث يؤمن بنظرية المؤامرة فهو لا يمكنه أن يتصور أن توجد آراء مخالفة له فيلجأ إلى التبسيط بزعم أن كل من يخالفه مأجور. العقول البسيطة لا تستطيع أن تفهم أن التنوع من صفات العالم الخارجي
ثالثاً: هذا يشير إلى أن الكاتب مصاب بالنرجسية فهو يظن أن الدنيا كلها تدور حوله فتخصص خطبة الجمعة وتتجيش الجيوش الإلكترونية ويتم تجميع الكتاب ورجال الدين وصرف الأموال من أجل الرد على مقالاته.
رابعاً: قد يمكن فهم ذلك بأنه من قبيل (رمتني بدائها وانسلت). وإن زعم الحسني أنه قد ترك حزب الدعوة فإن الحرارة التي يدافع بها عنهم والحرقة التي يكابدها نتيجة خسارتهم رئاسة الوزراء تشير إلى غير ذلك. إضافة إلى أنه دوماً ينشر أخباراً عن كواليس السياسة (إذا فرضنا صحة ما ينقل) في حين أنه يقول أنه معزول وليس له منصب حكومي فمن أين تأتيه الأخبار؟ فلا بد أن جماعته القدامى من حزب الدعوة يزودونه وهذا يدل على علاقة مستمرة.

يبدو أنه يصعب على الحسني تصور أن الناس يكتبون حباً للمرجعية أو إيماناً بما يكتبون أو إرضاءً لضمائرهم أو دفاعاً عما يرونه حقاً. لذا فإنه يتهمهم بالاسترزاق من تعليقات فيسبوكية أو مقالات انترنتية. فهل هذا يعني أن الكاتب لا يعرف معاني الحب والضمير والدفاع عن الحق؟ وهل هذا يعني أنه لا يتصور أن الكتابة لا تكون إلا من أجل المال والمصلحة؟ أترك للقراء الحكم.

٧ *الخلاصة*

في هذه المقالة قد حللنا الخطوط العريضة المنطوية في مقالات الحسني وبيّنا أن النتيجة الأساس لذلك هو سلب ثقة الجماهير بالمرجعية وتحييدها عن الشأن العام. وإني أترك للقراء الكرام الحكم على هذه النتيجة.

https://www.facebook.com/semi.mathematician