دعي احد الدكاترة لالقاء محاضرة في مركز للمدمنين ، فاحضر معه حوضين زجاجيين ، الاول فيه ماء والثاني فيه خمر ، ووضع دودة في الماء فسبحت وخرجت ، ثم وضعها في الخمر فتحللت وذابت ، حينها نظر الى المدمنين سائلاً : هل وصلت الرسالة ؟ ، فكان الجواب : نعم ان الذي في بطنه دود يشرب الخمر لكي يشفى !! ، هذا الدكتور نظر الى التجربة من خلال تفكيره الخاص به ، ولم يحاول الخروج الى تفكير المدمنين
السلطان اردوغان بعد فشل الانقلاب التركي قبل ايام ، تعامل مع الأمور بنفس طريقة تفكير هذا الدكتور ، اذ اقتصر تفكيره على كيفية تحقيق انتقامه من المنقلبين ، وأغفل ان الانقلابات العسكرية هي ثقافة مترسخة في الفكر العسكري التركي ، وعددها الكبير الذي وصل الى (٥) انقلابات منذ انقلاب ١٩٦٠ ، اذ لم يحتوي الامر ليحافظ على مؤسسته العسكرية التي لطالما كانت هي المؤسسة الاقوى في تركيا
الاذلال الذي تعرض له الجيش التركي في المحاولة الانقلابية الاخيرة ، لم يكن يتوقعه احد ، اذ من غير المعقول ان يقوم حاكم وأن كان دكتاتوراً بكسر قوة جيشه كما فعل اردوغان ، بعد ان دعى جمهوره ( الاخواني ) الى الهجوم على قطاعات الجيش ، وما قام به هؤلاء بفعل عقليتهم وتفكيرهم العدواني المترسّخ بفعل ما يحملونه من آراء ومعتقدات تمتاز بالعنف ، وهو ما ظهر على تصرفاتهم ومعاملتهم مع افراد الجيش حتى ان تصرفاتهم وصلت الى ذبح الجنود !
المؤسسة العسكرية تبنى على أساس التراتبية ، والانضباط الشديد ، ووجود القيادات التي كان لها الأثر الكبير في هذه التراتبية والانضباط ووهج المؤسسة العسكرية ، والنظام التركي استمد قوته ولا يزال من مؤسسته العسكرية ، التي كانت هي الفاصل في كل الأزمات والانقسامات والانقلابات ، وهذا ما تغافل عنه اردوغان ، اذ بين ليلة وضحاها قام بسجن ما يقارب ( ٨ ) آلاف عسكري ، وبينهم نسبة كبيرة من القادة ، ويعتقد انه قام بأعدام نسبة كبيرة منهم ،مما سيترك فجوة كبيرة وعميقة في المؤسسة العسكرية ، لن تستطيع التخلص منها لسنين ، اذ المؤسسة العسكرية لا يمكن اعادة بنائها بين ليلة وضحاها ، وان أعيد ببنائها فهيبتها التي كُسرت هي الخسارة الاكبر
التأثيرات الاجتماعية للانقلاب ، او بالأحرى ما تلا الانقلاب من سياسات وتصرفات بحق العديد من القيادات التي تملك ثقلاً وتأثيراً اجتماعياً كبيراً ، كالقضاة الذي قام بعزلهم ، والذين تجاوز عددهم ( ٣ ) آلاف قاضي ، وما لهم من تأثير على مراكز القوى الاجتماعي ، وما يترتب على ذلك من انقسامات مجتمعية بين مؤيد ومعارض ومحايد وما يتلوا ذلك من تفتت وانقسام داخلي ، زمكانية الحدث تركت اثرها في نفوس العامة نتيجة الظروف والقوة المفرطة التي استخدمها اردوغان ، هذه الظروف لن تدوم طويلاً ، وستنخفض نسبة تأثيرها في نفوس الجماهير ، وهو ما سيمهد لنتائج كبيرة وتحركات قد تتسبب لأردوغان بمشاكل كبيرة ، وعلى رأسها القضاة والقادة العسكريين الذي لم يحفظ لهم هيبتهم وكرامتهم ، وما ستكون ردود افعالهم بعدما ذهبت هيبة المؤسسة العسكرية ، ولم تعد رادعاً يخشى منه من يريد التغيير .