مباحث في شعرية عبد الرزاق الربيعي
على الرغم من إشكالية التغيرات النقدية التراثية السالفة
الذكر و جديتها الغير مأخوذ بها حداثويا ، و هذه التغييرات
النقدية التراثية كانت تقر و تنص حينذاك من إن علاقة النص الشعري لابد و أن تكون قياسا حاويا لجل المواصفات الأجتماعية المعيشة في الواقع اليومي . طبقا للمفهوم المادي
الماركسي للمادية التاريخية و نزاعاتها المشروطة في دخيلة كل أنتاج أجتماعي لاجذور له إلا من جهة المحسوسية المادية . تبعا لهذا التعليل من هيئة مفكرة النقدية التراثية القديمة ، يلزم على القصيدة أن تتحرك في فضاء مساحة أيقونية من الحادثة المعيشية المادية اليومية ككائن منسوخ في الصوت و الهوية و العلامة و الشرط و الروح و الكيفية الذاتية ، إذ بمعنى ما أن الشاعر لابد له أن يدون أصوات عجلات السيارات و اشارات علامات السير المرورية في الشارع و لابد له أيضا من أن يدون حجب و طبقات دخان أواعي قدور و أطباق أطعمة المأكولات في المطاعم الشعبية ،كما و يسجل حركة المارة عبر وتيرة حكاية حب عجائزية شفاهية مباشرة تنقل على لسان العجائز من على عتبات أبواب بيوتهن النائية
.. لا لا ليس هكذا صورة القصيدة ؟ ولا تسمح بذلك شاعرية الكلمات و المنطلق الأنشائي في الرؤية من تسجيل هكذا
( حدوتات !!) أنا شخصيا أعيب على ما قاله نقاد التراث حول الأنتاج الشعري و التفسير لكافة حالاته الموضوعية و البنائية و الفنية و المنظورية . بل هم في الواقع ليسوا بنقاد شعر بكل ما تقتضيه عجلة إدارة التسمية و آثارها الدراسية و الرؤيوية للنص الشعري إجمالا .. كما أن التحليل النفسي للشعر و النص الشعري في كافة أنساقه التشكيلية قد لا يتعدى مؤشرات أيقونة الأشارة و التلميح و قصدية تشظيات المشهد الإيحائي لموضوعة القصيدة .. على هذا الأساس تبقى مديات واقعة النص الشعري عبارة عن فورات زئبقية خاطفة من خطابية لا يدعمها سوى حسن التأويل و مقابلاته الإيحائية و الإحالية . أننا في هذه المقدمة المدخلية نود دراسة مكونات و مجالات و بنى و فضاءات عوالم شاعرنا الكبير ( عبد الرزاق الربيعي ) هذا الشاعر العراقي اللامع الذي أسهم الى حد بعيد في تدوين أنشط و أروع و أدق فلسفة البراعة الشعرية في دوائر تنصيصاتها المتفوقة في رسم مشهد جغرافيا القصيدة العراقية و العربية إجمالا و على مساحة دلالية تفردية من الرؤية و التطبيق و المنظور و المعالجة و الاشتقاق و المحاكاة و المرجعية .. و ليس كل ما قرأناه للشعراء حصرا من شعر و توصيف و حسية ، كما الحال في ما وجدناه في ما كتبه هذا الشاعر الفذ .. لا أحبذ الإطالة في مقدمة دراسة مباحث هذا المقال ، و لكن فقط أردت الأشارة تحديدا بالقول مني خاصة ، أن الكلام الجميل ماهو إلا صورة فائضة في كل بيئة حياتية و ذاتية و موضوعية و شيئية ، و لكن الصعوبة التامة تكمن في كيفية صياغتها حسيا في خطية من مشروعية الداخل و الخارج و كيفية الإيحاء بشرطيتها ،
أنطلاقا من أصواتها المرجعية المغيبة في كهوف مقابر النصوص و الدوال الحفرية اللامباشرة في صنيع التشكيل و العلامة الأنشائية الوافدة في بنية ملكة الدال المشهدي في شكله و مضمونه و فلسفة حياة مدلوله النصي .
( سيميائية الدال في شيفرة التبئيير التعليقي )
المبحث الأول :
لو تعرفنا على شكل الكتابة الشعرية لدى نصوص الشاعر عبد الرزاق الربيعي لوجدنا ثمة خاصية تفاصيلية عجيبة في تذويب الواقعة الإحالية بين إيحائية القصيدة و قصدية علامات النص الدوالية ، كما و في تذويب موضوعة التلقي الشكلي للنص عبر حدود محكى تفاصيل تأويلات الأمكانية الأخراجية الجاعلة من مادة الحلم الشاعري صفة ذات مؤشرات حادثية خاصة تشق لذاتها طريقا نحو لحظة جريان الحلم الشعري و التوصيفي على لسان شاشة تعليقات ملكات الشكل و المحتوى من زمن الدال الموجه في موحى أندماجي شيفري نحو محاكاة مرجعية تاريخية في جل بحوثها الاشتقاقية المستخلصة أصلا من جذور إجرائية واقعة نصية مصدرية التكوين و الإزاحة المرجعية . فعلى سبيل المثال و التدليل نقرأ مثلا هذه القصيدة :
عشية خروج القرن ( قصيدة : خيول المهلهل )
من حانة الألفية الثانية
تكون حرب البسوس
التي أندلعت عام 1961 بصرخة لا معنى لها
بكل خرائط هزائمها
بكل ما ثكلت الأمهات
من أحلام رضيع .
هنا بالرغم من الاشارة الصريحة الى موضوعة مرجعية و مصدرية من قبل حسية الشاعر في فكرة النص ، إلا أننا في الوقت نفسه نعاين أفق سلطة تبئير مادة ( الحلم ) في حدود سلطة إيحائية القصيدة و قصدية علامية علائقية أنساق التنصيص الدال في النص التي من شأنها الإفادة من مجالية موحيات تلك الواقعة التاريخية الى جهة التركيز نحو أظهار معادلة التداعي و التعليق الشعري و ذلك أستنادا الى صوت الشاعر / السارد ولاشك أن في آلية التمركز المحوري المتمثل في ( من حانة الألفية / خروج القرن / حرب البسوس / خرائط هزائمها ) ثمة إحالة واضحة في أصل حلمية أدلة استنباط الشاعر لمجمل استعادة الخلفية التصويرية في مرجعية شيفرة التبئيير الصاعدة من قوة حضور ( الأنا / الحلم / إيحائية القصيدة / قصدية النص ) وتواصلا مع هذا التوظيف لمشروطية النص نلاحظ حضور شكل هذه الترسيمة الأفتراضية منا ( الألفية الثانية + حرب البسوس = مقولة أدوات التبئيير / خرائط هزائمها = التصديق لصورة هيمنة الواقعة الوصفية / بكل ما ثكلته الأمهات = دليل = حلم / رضيع = أداة تموضع مؤشرية =استعادة = تذويب اتصال = معلن تشبيهي مخالف ) و هكذا يحصل الاتصال و الانفصال و تمظهر الحالة المرجعية عن وجهها الدلالي الأصلي و تكوينها الحلمي من جهة ما .
المبحث الثاني :
في ذاكرة أي شجرة ( قصيدة : الأخضر )
آلاف الشواهد
على هيئة ندوب سوداء
لأوراق صفراء سقطت
وحده الأخضر
يمسك بزمام الأمور
لذلك فم التاريخ
يتمضمض بكلمات خضراء .
أن السارد المثالي في مروى إيحاء القصيدة و قصدية النص
لا يستطيع دوما ان يتجاوز حدود طبقة التخالف في الوعي المرجعي أصلا إضافة الى أنه لا يخالف الرؤية الانشائية في رحم درجة زمنية المسافة الدلالية المرسلة بين المرجع و المحاكاة الواقعة في معالجة الحالة التبئيرية في حبكة النص . فالقارىء لقصيدة ( الأخضر ) حتما سوف يتنبه الى مستوى متغيرات الحالة الحضورية و الغيابية في زمن متوسط شيفرة الدال القصدي ( في ذاكرة أي شجرة = النقطة الأولى زمنيا /
آلاف الشواهد = ازدواجية مكرر الأصوات الأستشهادية / ندوب سوداء = اظهارية + حملية = توتر مساحة عرض = علامة إيصال = دليل = مرجع = توصيف / لأوراق صفراء سقطت = إيحاء استطرادي + مواصفات = منسوج علامي مشاكل الثيمة في المصدر / وحده الأخضر = معاودة دلالية في مغاليق الموقف الاشاري / يمسك بزمام الأمور = خصيصة اطلاقية في فسحة الاستشراف الأولي النابع من
فكرة التساوق و التوازي التبئيري / يتمضمض بكلمات خضراء / فم التاريخ = علائقية التموذج المرجعي مقابل حلمية الحالة الواصفة و الموصوفة ) الى حد بعيد تذكرنا هذه القصيدة بمقولة ( شتايجر ) في كتابه الكبير (أسس الشعر) و ذلك في قوله ــ أن ما يحفظ القصيدة من خطر التحلل و التشرذم ما بين المرجعي و صوت الأنا المحاكاة الحضوري في معالجة واقعة دليل النص هو ذلك التركيز و التكرار و المراجعة في وحدات الزمن الحاضر و الشاهد في رقعة درجات التوقع التبئيري الكامن في ضمير روح الفاعل الذاتي في أنسنة واقعة النص الشعري ــ . ولابد هنا من الأشارة الى أن قصيدة الشاعر الربيعي تؤسس للرؤية المرجعية صيغة ثنائية تتقاسمها إيحائية القصيدة و قصدية صوت التنصيص في علاقات دوال النص في كافة مناحي الحلمية الخطابية وصولا الى ترحيل المفارقة التوثيقية و الذاكراتية و التاريخية في اطروحة صيغة المتعدد الوصفي و الموضعي و في أطروحة أيضا تفعيل واقعة الإحالة بين مؤشرات القصيدة و أسئلة الشاعر الذاتية في تجريبية مناصات ذاتية لغة الأشياء في خطاب الدلالة .
المبحث الثالث :
حين أهترأت
ألواح سفينتنا المعطوبة ( قصيدة : السندباد )
و أسود الشفق
لملمنا أدمعنا
و رسائل من غرقوا
و تساءلنا
ــ أنزلنا بلدان ؟
أم أشعلنا في الليل مواقدنا
فوق ظهور الحيتان ؟
أن علامات الاستفهام الخطابي في دوال هذه القصيدة و مساحتها الكتابية من التعليق تسلط من جهة حركية القول الشعري نحو فضاء الصورة اللحظوية المحالة نحو شرطية الفضاء الأنسيابي في اطلاق الملفوظ . لذا نجد دلالتها ترتبط و تتجه نحو ( فضاء التخييل ) فالخطاب هنا يتوقف لالتقاط انفاسه التشكيلية وصولا الى ثيمة التمهيد الانفتاحي على صورة مدخلية فاعلية شعرية الارتباط بين تفعيل آلية الحلم و كاميرا الفاصل الحلمي المرتبط بجسور بلاغة فواصل تكثيف و محاور شاعرية الذهن الانتاجي في قلب دلالات الارتفاع بشعرية الواقعة النصية .
( تعليق القراءة )
يعشق جدي ( قصيدة : بيت )
صخب الأحفاد
بحوش البيت
طريق المسجد
حيث يؤدي الفرض به
تلو الفرض
و ينسى أثقال السبعين
أن السؤال الشعري التوصيفي في عوالم تفعيل الواقعة الإحالية بين إيحاء القصيدة و قصدية النص في تجربة عبد الرزاق الربيعي لا تستهدف في الحصول على الإجابة المعرفية بقدر ما تسعى الى كشف قابلية و فاعلية المرجع في دوائر حسية مبنى الداخل و الخارج من زمن القصيدة ، لذا نجدها بهذا الشكل و كأنها تقنية في الرؤية و حداثة السؤال و تمرين ناشط في دلالة عنوانية الاستمرارية و الديمومة في هواجس الذاكراتية و المرجعية و الحلمية وصولا الى القيمة التعبيرية و التشكيلية و السيميائية الفائضة في مساحة استقلالية التجربة الشعرية الكاملة في مخزون النص الشعري.