18 ديسمبر، 2024 10:01 م

تفعيل اطر التكامل بين الاعلام والدولة لمواجهة التحديات

تفعيل اطر التكامل بين الاعلام والدولة لمواجهة التحديات

يلعب الاعلام دورا كبيرا في تعزيز واستقرار امن الدولةوالمجتمع  عندما يمارس مهامه ومسؤولياته  الحقيقية  بمهنية ووعلى اكمل وجه  كعضيد للدولة  ومنبر لحريتها وصوت شعبها ليعزز  شعور الناس بانتمائهم الوطني وتصبح الأنظمةوالقوانين وروح المواطنة فوق اي اعتبار، لكن ما نشهده منفوضى  واجتياح للأفكار الهدامة التي تعج بها بعض الوسائلالاعلامية  في العراق بات يهدد امن الدولة والمجتمع، ويشاركفي صنع  الازمات التي تنعكس بشكل مباشر على الراي العام بسبب الاخبار الكاذبة والمفبركة والسطحية الهدامة، وكذلكالادعاءات المغرضة التي تقوم بنشرها العديد من تلك الوسائلالتي تعمل جاهدة على احباط الجمهور ووضعه في حالة منالتخبط والازدواجية وعدم الثقة بالدولة وقراراتها بعد ان تحولتالعديد من فضاءاتنا ومؤسساتنا الإعلامية بشكل متعمد او غيرمتعمد  من  ادوات لبناء العقول وانارتها الى آلة هدم وتجريفللثوابة الوطنية والقيمة   واصبح  الاعلام  العامل الاكبروالاخطر الذي يعمل على تفكيك الأسرة والمجتمع  بسبب نشر الشائعات والاكاذيب المسيئة لكل مواطن عراقي بل للوطنوالدولة، واصبحت بعض اجهزة الاعلام العراقية غير المهنيةوالمؤدلجة اداة لشرعنة الإرهاب والفساد  وقلب الحقائقوتزويرها للأضرار بالعراقيين وتعطيل حياتهم و دورهم الوطنيوالاجتماعي والانساني وتشجيع التجاوز على الأنظمة والقوانينلا سقاط هيبة الدولة.

ميثاق شرف

ومن المؤسف، بل من المحزن، ان نجد العديد من كبار قيادات الدولة والحكومة على علم ومعرفه بخيوط وخبايا المخططات الاعلامية الفاسدة والمشبوهة ومن يدعمها، ويقوم بتمويلها     ويدركون مخاطر ونتائج سياساتها، لكنهم يلتزمون الصمتويقفوا مكتوفي الايدي تجاه كل ما يحدث او يصدر عنها، الامرالذي جعلنا بأمس الحاجة اليوم لوجود انظمة وقوانين اكثرفاعلية وواقعية  لتنظيم الاعلام والعمل الاعلامي  وتفعيل دورالمؤسسات المعنية بمحاسبة المعنين بالفساد الاعلامي، وهنانتساءل، لماذا ولمصلحة من هذا السكوت تجاه تلك الاجهزة اوالوسائل ؟ ولمصلحة من هذا الخراب وشراء الذمم؟ والمصالحالشخصية والحزبية  التي اصبحت مفضله على المصالح الوطنية، بل لماذا هذا التراخي من قبل الدولة تجاه اصلاحالاعلام الفاسد وتهذيبه   واعادته لجادة الصواب ووضعه ضمنالاطر المهنية للعمل الاعلامي ليتحمل مسؤولية رسالته ؟ .

نحن اليوم بحاجة حقيقة لإرساء قواعد ميثاق شرف العملالاعلامي، وتنظيم العلاقة بين الدولة واجهزة الاعلام اكثر مناي وقت مضى، وهذا ما طرحه رئيس الوزراء عادل عبد المهديخلال الاجتماع الحكومي الاخير، ووضعه ضمن انظمة واسسشديدة التفصيل والوضوح، مع مراعاة حرية العمل الاعلامي واشراك الرواد الاعلامين واصحاب الخبرة والتجربة ليقوموابدورهم في الدفاع عن ثوابه واخلاقيات مهنة الاعلام ومواجهة(الفساد الاعلامي) الذي بات هوية لبعض الوسائل.  

ولا ننسى ايضا نقطة اساسية ومهمة، وهي ان المطالبة بتفعيلالانظمة والقوانين التي تنظم حرية الاعلام هي ليست دعوةلتقيد الحريات، مطلقا،  بقدر ماهي  دعوة الى  انضباط اداءهامن خلال التدقيق والتحقيق في المعلومات التي تطرحها، لاناكثر معاناة المواطنين تأتي بسبب عدم الانضباط المهني فيالصاق التهم واشاعة الاخبار دون وجود ادلة واضحة .

ان وجود انظمة وقوانين يضعها او يشارك في وضعهاالاعلاميون من الرواد واصحاب الخبرة والاختصاصوالمصداقية والتاريخ والمقومات المهنية من داخل الوسط، سيكوناكثر فاعلية وتأثيرا من حيث النتائج، بغية قطع الطريق امامبعض وسائل الاعلام من التشكيك بها، او اتهامها بمزاجيةالقرارات وتعسفها فيما لو ارادت تلك الانظمة ادانة وسيلة ما،او الغاء بثها، او معاقبتها لسبب او لآخر.

ان حالة الفوضى الاعلامية التي نعيشها لها اسباب عديدة،منها  سيطرة رأس المال الخاص على توجهات الاعلام فيمحاولات لهدم واسقاط منابر الاعلام المهني الدمقراطي الحر،بعد ان اصبح الاخير في مواجهة شرسة مع بعض اجهزةالاعلام الخاصة المشبوهة وغير المهنية التي تحاول ارباك الرايالعام وتظليه والتأثير عليه، وهذه الظروف والتحديات تضعالدولة امام مسؤولياتها وبكل قوة لمساعدة المنابر المهنية، لتكونالعون  الحقيقي للأعلام العام الممول من الدولة.

ان دعم الاعلام العام ضرورة، وعلينا ان نستفاد في ذلك منتجارب دول العالم المتقدم، لنتمكن من معرفة نقاط الضعفوالخلل في اعلامنا الوطني (العام والخاص) وبخاصة بعد اناصبحت برامجنا التلفزيونية والاذاعية بحاجة الى طرقواساليب فاعلة ومهنية تتناسب وحجم مسؤولياتها، وخير دليلعلى ذلك عندما احتل العراق من قبل الامريكان واسقط نظامهبالكاميرات والاعلام  الذي مهد لدخول الجيوش ونجحوا فيتحقيق اهدافهم في اسقاط النظام من خلال اعداد البرامجالرصينة، والتي كان بمقدورها بناء رأي عام ضد النظامالدكتاتوري وصناعة برامج تعتمد على فرق عمل اعلاميةمتمرسة، تتميز بإبداعها الفاعل والمؤثر في المجتمع  اما ما نحنعليه اليوم في العراق فهو الاعتماد على بقايا جهد بعضالموهوبين  و انصاف المهنين  في عمليات الاعداد  والتقديم دون التدقيق والالتفات لأهمية ودور العمل الاعلامي المكتمل،ولو نظرنا لحال قنواتنا الاعلامية الوطنية التابعة للدولة والقطاع الخاص سنجد انفسنا في عالم مختلف لا يمت بصلة مهنيةللقواعد التي يقوم عليها الأداء الإعلامي الصحيح.

وزير الاعلام

هناك من يجد ان احد اهم اسباب فوضى الاعلام في العراقهو  الغاء منصب وزير الاعلام خاصة في ظروفنا الراهنة،البعض يجد اننا بأمس الحاجه الى اعادة هذا المنصب ، لكنبشخصية  وعقلية سياسية غير ملوثة بأفكار النظام الدكتاتوريواساليبه المتحجرة، ولم يلبسه فساد الحاضر وامراضه الطائفيةوالعنصرية والمذهبية، بل بوزير متنور بثقافة المهنة الإعلاميةواخلاقياتها وقيمها وقواعدها ومنطلقاتها الوطنية الإنسانية، لانالمنصب الاعلامي هو منصب وطني معتدل، هذا فضلا عنمسؤولية البرلمان الرقابية والتشريعية، وكل هذا من اجل تنظيمالعمل الاعلامي وتحجيم العديد من القنوات والصحف غيرالفاعلة، ولابد  من اخضاع ادائها للمعاير المهنية بعيدا عنالاهواء والمزاجات التي يتلاعب بها من قبل المال الخاص، وهذاالامر  يتطلب العمل على تقديم مشروع لتنظيم واعداد شراكةتعزز و تأكد على رأسمالية الدولة، بجانب القطاع الخاصلإدارة العمل الاعلامي وتنظيم عمله، دون محاولات تجييره الىاعلام سلطة، لان انفلات الاعلام والقنوات بهذا الشكل  يؤثرتأثيرا كبيرا وخطرا على الراي  والسلم الاهلي بشكل عام وامنالدولة بشكل خاص، بسبب انفلات البرامج على عشراتالقنوات العراقية التي تديرها الاحزاب السياسية والعديد مناصحاب رؤوس الاموال، بحيث اصبح الخروج على ثوابتومنطلقات المهنة ومعايرها في تقديم البرامج من الامور الشائعةفيه، وبالتالي فأن الغاء منصب وزير الاعلام  وغياب الرقابةعلى المشهد الاعلامي وعدم وجود قوانين تضبط ايقاعها،اصاب المشهد الاعلامي المهني الرصين بالخلل، وتحول الاعلام الى غول اقتحم بيوت العراقيين واسرهم ليفكك ويمزققيمهم  الروحية والانسانية والاخلاقية  وحتى مبادئهم الوطنية.

مسؤولية شبكة الاعلام

واليوم تتحمل الدولة، وبكل مؤسساتها الاعلامية، المسؤوليةالكاملة في تصحيح مسار الاعلام وتحجيم كل هذه الفوضى،بكل وسائلها المرئية والمسموعة والمقروءة، كما يتحمل البرلمانبشكل خاص تعزيز دور الاعلام العام المتمثل بشبكة الاعلامالعراقي من خلال تطبيق قانونها المصادق عليه من قبل رئاسةالجمهورية ليتمكن الاعلام العام (وهو ملك الشعب) من الردوالتصدي لحالة الفوضى الاعلامية التي تسود الساحة الوطنية،ما شجع على انتشار الاعلام الهابط الذي يعكس تنافسالاحزاب والتجار واصحاب رؤوس الاموال المالكين للعديد منالقنوات والاذاعات والصحف.  

كما لا يفوتنا التذكير بان الاعلام العام (المتمثل بشبكة الاعلامالعراقي) اصبح لديه انظمة خاصة به تسهل سرعة اتخاذالقرارات ومعالجة الامور والاخفاقات، وله حرية التنصيبوالعزل وتبديل الادارات حسب القانون وضمن المعايرالديمقراطية، والتي افضت مؤخرا الى اختيار الدكتور فضلفرج الله رئيسا لتلك المؤسسة بكل سلاسة، ايمانا بضرورةالتغيير والوقوف بوجه التحديات، وما تعاني منه شبكة الاعلامالعراقي اليوم، هو اعداد العاملين الفائضين عن حاجة العملوالذين تم تعينهم لاعتبارات معينة، على الرغم من توسع قاعدةقنوات الشبكة المرئية والمسموعة والمقروءة، كما تعاني من قلةالدعم، ومن كثرة التدخلات من شتى الاطراف في شؤونها، ما سيؤدي الى خلق اعلام سلطة، وليس اعلام دولة،  والعراق اليومفي اوضاع انتقالية بأمس الحاجة الى سيادة اعلام وطني علىالمشهد بصورة عامة، وهذا يتطلب اعادة تنظيم  وبناء شبكةالاعلام العراقي بالشكل الذي يكفل لها حرية الحركةوالاستقلالية والالتزام بقانونها وعدم التجاوز عليه،  وهكذاسينتج(بكل تأكيد) اعلام عام رصين وبهوية وطنية  يحظىباحترام الجميع، قادرا على مواجهة كل التحديات .

ان الحديث عن دعم شبكة الاعلام العراقي لا يقتصر على المالفقط، بل هناك الدعم المعنوي الذي تشمل التواصل من قبل كبارالمسؤولين في الدولة بدءا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلسالوزراء و رئيس مجلس النواب وغيرهم، من خلال زيارتهم لشبكةالاعلام العراقي والوقوف على نشاطاتها وامكانياتها ومعرفةاحتياجاتها كونها تمثل اعلام الدولة، لأن نجاح شبكة الاعلامهو نجاح لمشاريع الدولة ونشر ثقافة احترام الانظمة والقوانين والحفاظ على المال العام والهوية الوطنية.

كما ان على الدولة ان تعمل على وضع صمام امان للسيطرةعلى الاعلام الخارجي، بعد انتشار الاعلام الفضائي بشكلسريع ومتطور، من خلال تنظيمه ضمن اليات وضوابط تأطرنمط المشاهدة   وهذا ما يحدث في العالم المتطور   من خلالشبكات  للكوابل منظمه بقوانين منها منع تركيب الاطباق(الدش)،  والمقصود  منع  اي قناة تريد النفاذ  لمثل هذه الدول الا من خلال الاتفاق مع احدى شبكات الكوابل لاستقبالقناتها وإعادة بثها إلى المشتركين وبشرط ان  تكون برامج هذهالقنات لا تتقاطع مع الثوابت الوطنية والقانونية مع تلك الدولة،وبالتالي سيمكن السيطرة على افكار الارهاب ودعوات تهديمالدولة والمجتمع، وليس كما هو معمول به اليوم بحث فضاءاتنامفتوحه حتى للقنوات المعادية والمشبوهة بسبب انعدام صمامالامان .

ومن هنا جاءت المطالبة بضرورة وضع الاطر واحكام صمام امان العمل الاعلامي دون المساس بحريته ووصوله الى ابعدنقطه للحصول على المعلومة الدقيقة والصحيحة لوضعها بين يدالمواطنين وتنوير الناس بالحقائق من اجل بناء راي عام وطنيرصين، امام من يحاول التلاعب بالحقائق وتزويرها باسم الدمقراطية وحرية الراي وصولا لتخريب عقول ومشاعر البسطاء من الناس، وعلى سبيل المثال نجد ان المشاهد باتعقله مفتوحا لقنوات الجن والعفاريت  والسحرة التي غزتالفضاءات  الاعلامية اكثر من القنوات الرصينة، اضف لذلكالعبث والخراب الناتج عن هذه الممارسات وما تبثه من يأس فينفوس البسطاء  وهذه كلها اهداف خطرة يراد تحقيقها فيالمجتمع، واليوم الحاجة ماسة الى قوة الدولة، بالتعاون معالمواطنين، لتطويق هذه القنوات  والحد من مشاهدتها ، وعدمالتهاون معها،  وهذ الدور  يتطلب ايضا من الاعلام المهنيالشريف القيام به من خلال بث البرامج الثقافية والتربويةوبرامج مشتركه مع قوى الامن  الداخلي ، من اجل رفعمعنويات المواطنين وتعزيز ثقتهم بقدرة الدولة على التصدي لمثلهذه الاوضاع، وتقديم البرامج  التي تنطلق من قواعد مهنةالاعلام واخلاقيتها ورسالتها  كسلطة رابعة.