22 ديسمبر، 2024 11:48 م

تفضيلات العمل والاستخدام وكلفة الفرصة البديلة

تفضيلات العمل والاستخدام وكلفة الفرصة البديلة

في العام ١٩٧٩، فاز الاقتصادي البريطاني آرثر لويس بجائزة نوبل في الاقتصاد .. كانت نظريته ومساهماته العلمية تتركز حول موضوع التنمية الاقتصادية مع وجود فائض العمالة وبالذات في دول جنوب وجنوب شرق آسيا ..
تحدث عن فرضيات تختلف عن فرضيات النيوكلاسيك ، حيث افترض عرضاً غير محدود من العمل …
الدول المشار اليها تعاني من ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات نمو السكان وضعف نمو القطاعات غير التقليدية ( كالصناعة والخدمات والنقل والاتصالات وغيرها .. ) مما جعل القطاع الزراعي يختنق باعداد كبيرة من القوى العاملة ليس بحاجة لخدماتها بسبب عدم وجود فرص عمل في القطاعات الاخرى …
لذلك اصبحت الانتاجية الحدية لقسم منهم سالبة مما يعني ان القطاع الزراعي سيكون في وضع افضل بدونهم. اي ان وجود العمالة الفائضة اصبح يعرقل الانتاج بدل المساهمة فيه.
هذا يعني ان اي دخل تحققه العمالة الفائضة في حالة انتقالها الى قطاعات أخرى ، يعتبر أضافة جديدة للفرد وللاقتصاد الوطني.
من هنا جاءت النتائج التالية :
-بداية هجرة اعداد من العمالة الفائضة ( ومعظمها غير ماهرة او قليلة المهارة) الى دول الخليج العربي التي بدأت نهضتها مع اكتشافات النفط والغاز وارتفاع اسعارهما..
ساهمت هذا العمالة لاسيما في قطاع البناء والبنى التحتية ، في بناء هذه الدول وتسهيل مشاريعها التنموية الضخمة.
-انخفاض اجور هؤلاء العمال وانضباطهم ورغبتهم في الاستمرار بالعمل ، ادى الى زيادة اعدادهم وبلوغها الملايين في دول الخليج العربي اضافة الى وجودهم في دول أخرى مثل هونغ كونغ وسنغافورة ..
-التحويلات المالية الضخمة التي تحولها تلك العمالة الى بلدانها الاصلية ، وفرت مورداً ضخماً من العملة الصعبة لتلك البلدان ساهم في دعم عملية التنمية فيها.
-نتيجة ضعف وتساهل اجراءات التدقيق على كفاءة العمالة الوافدة وسلامة مؤهلاتها العلمية نتيجة الحاجة المتصاعدة لخدمات هؤلاء العمال ، ذلك الواقع سهل عليهم اكتساب مهارات جديدة او تطوير مهاراتهم الاصلية للاستفادة منها عند عودتهم الى بلدانهم.
-مع كل تلك الحقائق ، تتصاعد احياناً بعض الدعوات لانصاف هؤلاء العمال
بحجة ان اجورهم منخفضة ، وهذا يعني حرمانهم من ميزة تنافسية مهمة وهي ميزة الاجور المنخفضة التي تجعلهم يكسبون المنافسة مع غيرهم من العمال سواء من مواطني الدول المضيفة او الوافدين من دول أخرى كالدول العربية .
هؤلاء العمال ليست لديهم فرصة بديلة توفر لهم اجوراً اعلى ( او مايعرف بكلفة الفرصة البديلة).. اذ ان كلفة الفرصة البديلة لهم تساوي صفراً.
-اجورهم التي تبدو منخفضة تعتبر عالية مقارنة بما يحصل عليه اقرانهم في بلدانهم .. اضافة الى انخفاض كلفة المعيشة في بلدانهم قياساً بتلك التي يعملون فيها .. مما يجعل ادخاراتهم وتحويلاتهم الى بلدان ذات قيمة كبيرة.
-تحويلات هؤلاء العمال الذين يأتون في معظمهم بدون عوائلهم ،تساعد عوائلهم في الوطن على الاستمتاع بحياة افضل وتأمين التعليم لابنائهم والعلاج الطبي ومساعدة اقاربهم.
-بعض العمال البسطاء تحولوا الى أثرياء نتيجة مثابرتهم واستغلالهم للفرص المتاحة.
-تناول هذه القضية من قبل أفراد ومنظمات ،ولدوافع انسانية وعاطفية ، بحجة ان اجور هؤلاء العمال منخفضة
فيه تجاوز على الحقائق والقوانين الاقتصادية . الاقتصاد ليس ميداناً لتقديم المساعدات والصدقات بل هو حسابات تكاليف ومكاسب والتدخل السياسي في علاقات الاقتصاد يسبب ضرراً في كثير من الاحيان.
-دول مثل دول الخليج العربي ، تسعى لجذب الاستثمارات الاجنبية ، ولكي تأتي تلك الاستثمارات يجب ان تكون هناك مزايا نسبية جاذبة للاستثمار لدى تلك الدول ، وان قرب دول الخليج من مصادر العمل الاسيوي الرخيص يعتبر ميزة مهمة.
-ختاماً ، سوف استعرض حالة حصلت أمامي في العراق اثناء الحصار لكي تكون شاهداً واقعياً على كيفية تأثير ظروف البلدان على خيارات وتفضيلات العمل لمواطنيها.
اتصل بي أحد الاصدقاء وكان يحمل درجة الماجستير في علوم الحاسبات ويعمل استاذاً جامعياً، وكان يطير من الفرح قائلاً : حصلت على فرصة العمر : سوف استقيل من الجامعة واذهب الى اليمن حيث حصلت على وظيفة في الجامعة ، وسوف اسكن انا وزوجتي في شقة من غرفة وصالة ولدينا كهرباء ٢٤ ساعة ونأكل ثلاث وجبات . وفوق كل ذلك الخير والبذخ سوف أوفر مئة دولار شهرياً..
وبعد سنتين من العمل هناك سوف اجمع ٢٤٠٠ دولار اي ما يعادل ثلاثة ملايين ونصف مليون دينار عراقي تكون كافية لشراء بيت صغير !!!
ختم كلامه قائلاً : ” لو استمر بالعمل في العراق مليون سنة ما اشتري بيت”.