18 ديسمبر، 2024 6:15 م

تفشي الاجرام المنظم في العراق والعالم

تفشي الاجرام المنظم في العراق والعالم

ممارسة النشاط الإجرامي يتطلب نوع من المؤهلات التي لا تتوفر لدى الجميع لأن أغلبية الناس لا تستطيع المخاطرة في ارتكاب الجريمة لاعتبارات منها دينية و منها أخلاقية، و منها اجتماعية، و لهذا فإن من يعمل ضمن إطار الجريمة المنظمة و يقبل المخاطرة فانه يحتاج إلى الاحتراف والقدرة على التوظيف و الابتزاز. إن هذه الخاصية مرتبطة بطبيعة الجرائم المنظمة ، لان المجرم لا يستطيع أن يقوم بعمله إلا عن طريق تسخير العناصر لتمكينه مما يريد ، و هو يستعمل في ذلك كل الوسائل الممكنة لإخضاع الأفراد الآخرين لقاء خدمات أو مصالح مادية أو معنوية ، وبالتأكيد فان أهم هذه الإمكانيات هو المال . وعملية تجنيد الأفراد داخل المنظمات الإجرامية لا يتم بشكل عشوائي وإنما يكون دائما مدروس ، فليس كل شخص يصلح للالتحاق بهذا التنظيم. فالمجرمون غالبا ما يكونوا أذكياء في اختيار الأشخاص الذين يتعاملون معهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، فهم قادرون على بسط سلطانهم على هؤلاء ، وابتزازهم ، و حتى تصفيتهم جسديا.                                  
والجريمة المنظمة شكل من الأشكال الحديثة للإجرام يرجع إلى الأسلوب المنظم والمتطور في ارتكاب المؤسسة الإجرامية الذي تأخذ فيه المنهج العلمي في إدارة الأعمال والذي تتجه المؤسسات المشروعة كما أنها تتبع أنماط السلوك وتستخدم الوسائل التقنية المتطورة وتظهر في السوق وكأنها مشروعة, وقد يقتصر نشاط المؤسسة الإجرامية على المجال الوطني وقد تزدهر ويتعدى نشاطها حدود إقليم دولة إلى أقاليم دول أخرى وفي هده الحالة تكون الجريمة عابرة لحدود دولة أو عابرة للقارات, وقد تتعاون عدة مؤسسات إجرامية وتتكامل من حيث أنشطتها مثلا أذا كان النشاط الرئيسي للجريمة المنظمة هو الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة سواء كانت طبيعية أو مصنعة, وزاد الطلب على المخدرات والمؤثرات العقلية التي تتاجر فيها فقد تتحد عدة مؤسسات إجرامية بعضها ينتج المخدرات وبعضها يصنعها والبعض الثالث يقوم على توزيعها ونفلها وترويجها عبر الحدود.                    
تعريف الجريمة المنظمة غامض ومختلف عليه من جانب فقهاء الجريمة إلا أن هذا التعبير يراد به بصفة عامة الخارجون على القانون والجماعات التي ينتمون إليها وأنواع الأنشطة غير المشروعة التي يقترفونها, إنهم يتخذون من الجريمة سبيلا للحياة وإجرامهم إجرام المغامرين الأقوياء الذين يعتمدون على سمعتهم السيئة في حل أي نزاع أو أي مشكلة كما أنهم يهدفون إلى الربح عن طريق مشروع آو غير مشروع فلا بأس من أنهم يدخلون السوق المشروعة بأعمال مشروعة يسترون وراءها أعمالهم غير المشروعة, وعلى أية حال تقتضي التعدد والتنظيم والتبعية وسبق الإعداد والتخطيط للأنشطة واستمرارها واحترافها وهدفها الربح والسيطرة وتلجأ إلى الفساد والتهديد لتفادي الملاحقة والعقاب.        
وإذا رجعنا إلى القانون الفدرالي للرقابة على الجريمة المنظمة الأمريكي لسنة 1970م لانجد فيه تعريفا للجريمة المنظمة وهي بمعناها الفني مشروع إجرامي له نوع من الديمومة يحوي أنشطة إجرامية ويقوم عليه متعددون متفقون ومتعاونون على الاستثمار المخطط والربح في السوق غير المشروعة ويربط بعض فقهاء الجريمة بين أعضاء الإجرام المنظم والأصول العرقية أو صلة القرابة بين أعضاء الإجرام المنظم فيعرفونها بأنها جماعة نشأت   في ايطاليا من أسرة أو عدة اسر مشكلة على هيئة شركة أو اتحاد أو هيئة ترأسها لجنة لها قواعد متفق عليها فيما بين أعضائها ثابتة تنفذ عن طريق العنف ويربط بين أفرادها تآمر وتعاون ويهدف أعضاؤها إلى جني أرباح طائلة على أساس قاعدة التكلفة والربح وعن طريق احتكار العديد من الانشطة غير المشروعة وهم بهذا التعريف يجدون صلة وثيقة بين المافيا المنتشرة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وتلك التي نشأت في إيطاليا بجزيرة صقلية.                                                  
الجريمة المنظمة هي جريمة يضمها تنظيم إجرامي بالغ الخطورة، حيث يتحول فيها المجرم إلى عضو دائم في خلية إجرامية، ويقوم بمهمة إجرامية متخصصة ولعمل إجرامي يشغل به وظيفة داخل هيكل المنظمة الإجرامية. تقوم هذه العصابة على تنظيم إجرامي محكم قائم على بناء هرمي يضم خلايا لمجموعات المجرمين المنتشرين على مستوى الدولة. وتعد الجريمة المنظمة أكثر تنظيماً ولكن معايير تنظيمها مختلفة عن المعايير المنظمة لأسلوب الجريمة العادية أو أسلوب الاحتراف، فالرابطة التي تجمع المجرمين العاديين والمحترفين رابطة إدارية، تمتد طوعاً وبرغبة المجرم وهي رابطة أساسها التعاون، وهي خالية من كل تدرج وتسلسل في المرتبة الاجتماعية، لهذا فالجريمة المنظمة من أسس تنظيمها، تركيز القيادة، والتدرج في المراتب والإدارة المعقدة والضوابط الاجتماعية الممنوعة، وتعدد مجالات العمل وتقسيمه والتخصص فيه.
                          
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية:                          
لقد نجحت لجنة الامم المتحدة في تخطي العقبات، و خرجت الى النور اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة،و عرضت للتوقيع في مؤتمر رفيع المستوى استضافته ايطاليا في بالي رمو، في الفترة من 12الى15ديسمبر2000، بناءا على قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم129/54 المؤرخ في17ديسمبر1999، و بقي البروتوكول مفتوحا للامضاء، و المصادقة من باقي الدول و ذلك ما نصت عليه المادة21من الاتفاقية، و المتعلقة بالامضاء، و المصادقة، و الموافقة و الانضمام، التي لم تمض بعد عليها الى غاية 12ديسمبر2002، بمقر الامم المتحدة بنيويورك.                                       
المادة 2                                                                                
المصطلحات المستخدمة                                                                                  
لأغراض هذه الاتفاقية:                                     
(أ) يقصد بتعبير “جماعة إجرامية منظمة” جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متظافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرّمة وفقا لهذه الاتفاقية، من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى؛
(ب) يقصد بتعبير “جريمة خطيرة” سلوك يمثل جرما يعاقب عليه بالحرمان التام من الحرية لمدة لا تقل عن أربع سنوات أو بعقوبة أشد؛
(ج) يقصد بتعبير “جماعة ذات هيكل تنظيمي” جماعة غير مشكلة عشوائيا لغرض الارتكاب الفوري لجرم ما، ولا يلزم أن تكون لأعضائها أدوار محددة رسميا، أو أن تستمر عضويتهم فيها أو أن تكون ذات هيكل تنظيمي؛
(د) يقصد بتعبير “الممتلكات” الموجودات أيا كان نوعها، سواء كانت مادية أم غير مادية، منقولة أم غير منقولة، ملموسة أم غير ملموسة، والمستندات أو الصكوك القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود مصلحة فيها؛
(هـ) يقصد بتعبير “عائدات الجرائم” أي ممتلكات تتأتى أو يتحصل عليها، بشكل مباشر أو غير مباشر، من ارتكاب جرم ما؛
(و) يقصد بتعبير “التجميد” أو “الضبط” الحظر المؤقت لنقل الممتلكات أو تبديلها أو التصرف فيها أو تحريكها أو إخضاعها للحراسة أو السيطرة المؤقتة بناء على أمر صادر عن محكمة أو سلطة مختصة أخرى؛
(ز) يقصد بتعبير “المصادرة”، التي تشمل الحجز حيثما انطبق، التجريد النهائي من الممتلكات بموجب أمر صادر عن محكمة أو سلطة مختصة أخرى؛
(ح) يقصد بتعبير “الجرم الأصلي” أي جرم تأتّت منه عائدات يمكن أن تصبح موضوع جرم حسب التعريف الوارد في المادة 6 من هذه الاتفاقية؛
(ط) يقصد بتعبير “التسليم المراقب” الأسلوب الذي يسمح لشحنات غير مشروعة أو مشبوهة بالخروج من إقليم دولة أو أكثر أو المرور عبره أو دخوله، بمعرفة سلطاته المختصة وتحت مراقبتها، بغية التحري عن جرم ما وكشف هوية الأشخاص الضالعين في ارتكابه؛
(ي) يقصد بتعبير “منظمة إقليمية للتكامل الاقتصادي” منظمة شكّلتها دول ذات سيادة في منطقة ما، أعطتها الدول الأعضاء فيها الاختصاص فيما يتعلق بالمسائل التي تنظمها هذه الاتفاقية وخوّلتها حسب الأصول ووفقا لنظامها الداخلي سلطة التوقيع أو التصديق عليها أو قبولها أو الموافقة عليها أو الانضمام إليها. وتنطبق الإشارات إلى “الدول الأطراف” بمقتضى هذه الاتفاقية على هذه المنظمات في حدود نطاق اختصاصها.
فالجريمة المنظمة هي فعل أو أفعال غير مشروعة ترتكبها جماعة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج، وتتمتع بصفة الاستمرارية ويعمل أعضاؤها وفق نظام داخلي يحدد دور كل منهم، ويكفل ولاءهم وإطاعتهم للأوامر الصادرة من رؤساؤهم وغالبا ما يكون الهدف من هذه الأفعال الحصول على الربح، وتستخدم الجماعة الإجرامية التهديد أو العنف أو الرشوة لتحقيق أهدافها كما يمكن أن يمتد نشاطها الإجرامي عبر عدة دول.    وقد يتبادر إلى أذهاننا إن ظاهرة الجريمة المنظمة هي من الظواهر الإجرامية الحديثة أو الدخيلة على مجتمعنا, إلا أنها في واقع الأمر ظاهرة إجرامية قديمة المنشأ بدأت مع بداية وجود الإنسان فهي مرتبطة بوجود الإنسان دائرة معه وجودا وعدما.     
التدهورالامني والسياسي في العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري في نيسان 2003 شجع على تنامي الجريمة المنظمة وبرزت شبكات متخصصة في تهريب الاثار وبتنسيق مسبق مع شبكات عالمية متمرسة ,كما برزت في العراق مافيات لتهريب المخدرات واصبح العراق الممر الرئيس لها. والجريمة المنظمة فرضت نفسها كظاهرة عالمية تثقل كاهل الدول لما تتطلبه من نفقات، إذ عرفت تطورا ملحوظا نتيجة لظاهرة العولمة والانفتاح، ومن بين الدول التي تحتل الصدارة في قائمة جماعة الجريمة المنظمة إيطاليا حيث يرجع تاريخ ظهورها إلى 1945.                
تاريخ عصابات الإجرام المنظم مرتبط باستخدام العنف كوسيلة رئيسية لسلب المال، فضلا عن تهديد وقتل الأشخاص الذين يشكلون خطرا على مصالحها غير الشرعية، كما تعطي التنظيمات الإجرامية الأولوية لرشوة الموظفين العموميين لتوسيع أنشطتها الإجرامية وعرقلة جهود الدولة في مكافحة هذه الأنشطة، وتحقيق الربح المالي ,ويبقى الهدف الأول لجماعات الجريمة المنظمة التي ارتبطت نشأتها التاريخية بالظروف الاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، ولكن الملاحظ ان حجم الأرباح المالية للجريمة المنظمة الذي كان في الماضي متواضع اإلى حد ما وينفق جزء كبير منه للحفاظ على بقاء التنظيمات الإجرامية، إلا أنه مع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة التي شهدها العالم واتجاه تلك التنظيمات إلى استثمار أموالها المحصلة من الجريمة فقد تزايدت القوة الاقتصادية للجريمة المنظمة فأصبحت تشكل خطرا كبيرا على الاستقرار الاقتصادي والمالي بل وحتى السياسي للدولة.
الجريمة المنظمة تشكل تهديدا مباشرا للأمن و الاستقرار على الصعيدين الوطني و الدولي، وتمثل هجوما مباشرا على السلطة السياسية و التشريعية، بل تتحدى سلطة الدولة نفسها، وهي تهدم المؤسسات الاجتماعية و الاقتصادية، و تضعفها مسببة فقدانا للثقة في العمليات الديمقراطية، وهي تخل بالتنمية، وتحرف مكاسبها عن اتجاهها الصحيح و تلحق الضرر بمجموع العالم كله. و لقد ساعدت الظروف و التغيرات العالمية على زيادة حجم التنظيمات الإجرامية عبر الدول و خاصة في ظل العولمة الاقتصادية، وثورة الاتصالات و المواصلات و انعكس ذلك على زيادة أنواع الأنشطة التي تمارسها الجريمة المنظمة عبر الدول.                                                  
برزت مسألة مكافحة الجريمة المنظمة في النطاق الدولي، و في العالم العربي، نتيجة تطور سبل الإتصالات، و اختصار المسافات، مما سهل عملية الانتقال و الاتصال، بحيث أصبح العالم و كأنه مدينة كبيرة يعيش فيها الناس بدرجات متفاوتة من الغنى، و الثقافة، و التنظيم، و الرفاهية، و ظروف إقتصادية، و إجتماعية متباينة، و بذلك يبدو التفاعل و التأثير المتبادل في المجتمعات المعاصرة، التي من أهم مميزاتها انها لم تعد معزولة عن بعضها البعض، كما كان الحال في العصور الماضية، و باتت إهتماماتها و مشاكلها متقاربة، لذلك عمدت على إرساء سبل التعاون فيما بينها من أجل محاربة ظاهرة الاجرام المنظم، و القضاء على آثاره السلبية المدمرة التي أصبحت تطال هيبة الدول، و سلامتها، و استقرارها، و ترمي بظلالها القائمة على حضارة الإنسان، و تطوره في الحياة.  
بالرغم من أن ظاهرة الجريمة المنظمة، تضاعفت في العشر سنوات الأخيرة، و تعددت آثارها السلبية حدود  الدولة، إلا أنها ظاهرة ليست حديثة بالمعنى الكامل، فهي وإن تعددت الجرائم التي ترتكب عن طريقها، إلا و زاد كمها، إلا أنها معروفة منذ وقت طويل، بدأ بالمافيا و بالعصابات المنظمة في أمريكا، منذ بداية القرن العشرين ، هذا المجتمع الذي يموج بالمتغيرات السريعة، و يعيش حالة غليانا، بعكس المجتمع الأوروبي الذي حدثت فيه المتغيرات بشكل منسجم و متدرج. و لكن منذ أن بدأت أوروبا تتأثر بالنموذج الاجتماعي و الاقتصادي الأمريكي في النصف الثاني من القرن العشرين فأثرت المتغيرات الأمريكية على الحياة في أوروبا فأصبحت الظاهرة الإجرامية للجريمة المنظمة في أوروبا تقترب من مثيلتها في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، و أصبحت الدول النامية مسرحا مشتعلا بالخطر من جراء الآثار المدمرة للجريمة المنظمة كما يحدث في أفغانستان و الهند و مصر و العراق. ويمكن مكافحة الجريمة المنظمة من خلال التعاون المتبادل بين الدول وإبرام الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف لمحاربة هذه الظاهرة، وإصدار التشريعات القانونية اللازمة لذلك، وتقرير عقوبات صارمة لمن ينتهك هذه الأحكام، ونشر الوعي الوطني والثقافة بين الأفراد والجماعات والتنبيه على خطورة ظاهرة الجريمة المنظمة محلياً ودولياً.