23 ديسمبر، 2024 6:41 ص

القسم الثالث
إذا كان طلب التفسير قائم على القناعة برجاحة العقل وسداد الرأي وحسن الإستشارة ، مع كونه ليس حكرا على شخص أو جهة معينة أو محددة ، فمن الأولى عدم التمسك به إلى حد إعتباره من وسائل التخلي عن المسؤولية بصيغة القول الشائع ( ذبه براس عالم وإطلع منها سالم ) ، لأن مسؤولية السلطات الثلاث مشتركة في إدارة الدولة وشؤون المواطنين وتحقيق مصالحهما ، وتتطلب الإستئناس برأي الجهات المختصة فيها وإن تعددت ( وأمرهم شورى بينهم ) ، ثم يترك القرار لمن هو مخول بإتخاذه ، بشرط مراعاة نفاذه بأقل الخسائر الممكنة ، تحوطا لتغييره وتبديله بما هو أفضل وأحسن ، إن إستجد من الموضوع ما يستوجب ذلك ، وليس هو كما في التفسير التالي مثلا ، حين خول مجلس الوزراء بموجب المادة (3/ثانيا) من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008- المعدل ، صلاحية تعديل مبالغ الرواتب المنصوص عليها في جدول الرواتب الملحق به ، في ضوء إرتفاع نسبة التضخم ، لتقليل تأثيرها السلبي على المستوى المعيشي العام للموظفين ، وعلى أن يجري التعديل باعتماد سنة الأساس الأولى (2008) حسب نص المادة (3/ثالثا) منه ، لغرض تحديد رواتب الموظفين العاملين في الوزارات ، ومنهم من هو بعنوان مدير عام ووكيل وزارة ومن بدرجتهما ، في ضوء المتغيرات الجارية على مقادير الرواتب والمخصصات الممنوحة لأقرانهم في الرئاسات الثلاث ، مع الإحتفاظ بهامش من التمييز غير المخل بين مستوى مقادير الرواتب والمخصصات الممنوحة لكلا الطرفين ، إلا إن عدم قيام مجلس الوزراء بإعادة النظر بمقادير تلك الرواتب في حينها ، وعدم نص القانون رقم (27) لسنة 2011 على شمول المذكورين من العاملين في دوائر الدولة الأخرى بأحكامه ، مثلما نص القانونين المرقمين (26و28) لسنة 2011على ذلك ، لا يبرر قيام الأمانة العامة لمجلس الوزراء/ الدائرة القانونية ، بإعلان تفسيرها الذي تضمنها كتابها المرقم (ق/2/5/27/1255) في10/1/2012(1) بالنص على :-

أولا – نطاق تطبيق القانون : على الرغم من أن عنوان القانون لا يتطابق بصورة دقيقة مع مضمونه ، وكأنما يوحي عنوانه بأن نطاق تطبيقه يقتصر على أعضاء مجلس الوزراء ، ولكن أحكام القانون تنطبق على أصحاب المراتب الوظيفية العليا في الدولة وعلى نحو ( رئيس مجلس الوزراء / نواب رئيس مجلس الوزراء / الوزير ومن هو بدرجته / من يتقاضى راتب وزير ومخصصاته / وكيل الوزارة ومن هو بدرجته ومن يتقاضى راتبه / المستشار / أصحاب الدرجات الخاصة من غير المذكورين في الفقرتين ( 5 و 6 ) ، مثل السفير ورئيس الجامعة ومن في حكمهم / المديرون العامون ومن هو بدرجتهم ومن يتقاضى راتبهم .

*- إن من أبجديات تطبيق أحكام التشريعات بالإحالة أو تعديلها أو إلغائها ، أن يصار إلى إصدار ما يماثلها بالقوة التشريعية ، ولا يجوز بل ويحرم المساس بمضمون التشريع الأعلى بما هو أدنى ، ولا ندري كيف يجري القلم لتشويه وتحريف تطبيق مضمون قانون بموجب كتاب ، ولا يقابل ذلك برفض السلطة التشريعية ، مع الإقرار بوجود الأخطاء وإمكانية معالجتها وفقا للإجراءات القانونية الصحيحة والسليمة ، إلا إن عدم الإهتمام واللامبالاة من تداعيات التطبيق الخاطئ أسبابا ونتائج ، أدى إلى قيام بعض الوزارات بمنح شاغلي تلك الوظائف وكالة ، ذات مقادير الرواتب والمخصصات المقررة لشاغليها أصالة ، مما يعد إنتهاكا آخر وصارخا للقانون ، وخروجا للتنفيذ عن أسس القواعد القانونية المعتمدة ، حيث لا أصل ولا سند في قواعد الخدمة العامة منذ نشأتها وحتى إحتلال العراق عام 2003 ، ما يجيز صرف راتب الوظيفة الأصلية لشاغلها وكالة وإن كان مرشحا لإشغالها أصالة ؟!، كما لا يجوز إطلاق صفة ( المراتب الوظيفية العليا في الدولة ) على الموظف وغير الموظف ، حيث يوصف كل من رئيس مجلس الوزراء ونائبه والوزير ب ( عضو السلطة التنفيذية ) خلال مدة توليهم لتلك المناصب ، وعليه نجد في تكرار ما نصت عليه الأسباب الموجبة لإصدر القوانين المرقمة ( 26 و27 و28 ) لسنة 2011 ، ضرورة تمليها مبررات خضوع مقادير الرواتب لمكاييل الغرف من بحر الخزينة العامة على وفق ما تشتهيه كل وزارة منذ بدء الإحتلال ، وشيوع الفوضى بتطبيق أوامر سلطة الإحتلال مرورا بقرارات مجلس الحكم وإنتهاء بقانون الرواتب رقم (22) لسنة 2008 ، حيث شكل التفاوت في مقادير رواتب موظفي القطاع العام بين وزارة وأخرى وبين موظفي الوزارة الواحدة ، حالة من التذمر وعدم الرضا من قبل الموظفين ، لشعور أصحاب الرواتب المتدنية بالغبن مقارنة بآخرين يتقاضون ضعف رواتبهم ، على الرغم من تساوي سنوات الخدمة والتحصيل الدراسي ، ليتبين بعدها الخداع والتضليل الذي لا يخفى على مختص في الشؤون الإدارية والمالية ، ومن أجل ذلك وبغية الوقوف على حقيقة الموضوع ، ثبتنا الأسانيد القانونية والإدارية التي منحت بموجبها مكافآت ورواتب ومخصصات غير مرئية الإستحقاق ومجهولة التفاصيل والسند ؟!، في مقالاتنا السابقة ، مع عدم الفصل بين مفاهيمها وما تعنيه على وفق ما ينسجم والمعايير الوظيفية غير المتطابقة معها ، لتصبح من أسس وقواعد وأعمدة وأركان وأهداف وغايات الوصول إلى تحقيق مصالح ومنافع شخصية بأقل جهد ووقت ، وليس خدمة الشعب من خلال إمتلاك مؤهلات الخبرة والقدرة العملية في التشريع أو التنفيذ ، وكما هو واضح من خلال الإطلاع على موضوع دعوى الشكوى التي تقدم بها وزير الخارجية إلى المحكمة الإتحادية العليا ، طعنا بقانون رواتب ومخصصات مجلس الوزراء رقم (27) لسنة 2011 ، وما اتضح من حقائق مقادير الرواتب التي لا أساس أو سند قانوني لمنحها ، كما لم يتم الإعلان عن مقاديرها إلا بعد تخفيضها رسميا ، حيث قدرت تلك التخفيضات حينها من قبل خبراء مجلس ‏النواب ، بأنها كانت بنسبة (80% ) من الرواتب والمخصصات السابقة ؟!،‏ وبإلغاء المحكمة الإتحادية العليا لقانون رواتب ومخصصات مجلس الوزراء ، عاد المعنيون إلى تقاضي الرواتب والمخصصات الشهرية المليونية مجهولة التفاصيل والحدود والسند ؟!.

ومع إن القانون رقم (27) أقر بتأريخ 10/10/2011 وأصبح نافذا بتأريخ نشره في الجريدة الرسمية في 24/10/2011 ، إلا إن قرار مجلس الوزراء المرقم (54) في 29/11/2011 ، قضى بالتريث في تطبيق قوانين تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث إلى حين ‏قيامه بتقديم مشروع قانون تعديل القوانين المذكورة ، ولكن عدم القدرة على الوفاء بتقديم البديل بالوعد ولأي سبب كان ؟!، أبقى على حالة التريث في عدم تطبيق القوانين حتى إصدار المحكمة الإتحادية قرارها المرقم (48/إتحادية/2012) في 25/2/2013 بإلغاء القانون رقم (27) لسنة 2011 ، ولكن إمتداد تأثيره على المنافع الشخصية سلبيا ، نال من شرعية القانونين (26 و28) لسنة 2011 بإلغائهما ، بموجب قراري المحكمة الإتحادية العليا المرقمين (19و31/إتحادية/2013) في 6/5/2013 ، المتعلقين بتحديد رواتب ومخصصات كل من رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ، لعدهما غير دستوريين بسبب تشريعهما دون إتباع السياقات الدستورية في التشريع ، مما أدى إلى إستمرار رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه وأعضاء مجلس النواب ورئيسه ونوابه ، بتسلم مكافآتهم ومخصصاتهم السابقة لإصدار القوانين الثلاثة المذكورة ، ولا يزال الموضوع رهين قرار مجلس الوزراء المرقم (333) لسنة 2015 ، خلافا لما يقتضي ويتوجب من إصدار قانون خاص بتحديد المكافآت والمخصصات التي يستحقونها ، لعدم تخويل مجلس الوزراء صلاحية البت النهائي بالموضوع ، وكما أوضحنا ذلك في مقالتنا المؤرخة في 27/7/2018 بعنوان ( هذه رؤيتنا … فماذا ترون ) ؟!.