تنص المادة (76) أولا من دستور العراق لعام 2005 على أن: “يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية”.
وهذا النص مبهم في تعبيره وإصطلاحه لمفهوم الكتلة الأكبر، حيث يقصر تعريفها على أنها (الأكثر عدداً) ولم يكمل الدستور عبارته لتوضيح هذا المفهوم. فهل يقصد الأكثر عدداً في الأصوات الانتخابية، أم الأكثر عدداً في المقاعد البرلمانية.
وإزاء هذا الغموض، فقد كانت مشكلة تحديد مفهوم الكتلة الأكبر تثار دائماً بعد كل انتخابات برلمانية. وقد أثيرت للمرة الأولى بعد انتخابات عام 2010، وتم اللجوء إلى المحكمة الإتحادية العليا لتفسير هذا المفهوم. فذهبتالمحكمة إلى إن تعبير “الكتلة الأكبر” يعني: إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكبر من المقاعد، أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجاس النواب، أيهما أكثر عدداً، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء استناداً إلى أحكام المادة (76) من الدستور”. (25/اتحادية/2010).
والملاحظ إن قرار المحكمة لم يكن قطعياً كما يفترض بالأحكام القانونية، فقد إستخدم عبارة (إما أو إما)، وهذا ما ترك الباب مفتوحاً لإجتهادات سياسية أكبر. والحقيقة، إن قرار المحكمة المذكور قد جاء تلبية للأحزاب الموالية لإيران وإنتزاعاً لحق الفائز بأكبر عدد من المقاعد آنذاك أياد علاوي، ومنحها لنوري المالكي. وفي انتخابات 2014 أثير مفهوم الكتلة الأكبر مجدداً، وآنذاك كررت المحكمة تفسيرها المبهم لهذا المفهوم في قرارها 45/ ت. ق/ 2014 فأنتزعت هذا الحق من الفائز رسمياً آنذاك وهو نوري المالكي وأعطي إلى حيدر العبادي.
وتكررت المسألة مرة أخرى في انتخابات عام 2018 والتي قاطعها 82% من الناخبين العراقيين، لتنتزع من كتلة سائرون الفائزة وتعطى إلى عادل عبد المهدي الذي لم يكن مرشحاً لأي كتلة، وقد تكرر الفشل مرة أخرى، فأضطر إلى تقديم إستقالة حكومته في 1/12/2019 إثر إندلاع الإحتجاجات في العراق وضغط الشارع. وبدا إن تفسير المحكمة لمفهوم الكتلة الأكبر كان بدعة قانونية تذكرنا بالحديث النبوي القائل: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
ثم جاء بيان المحكمة الأخير في 22/12/2019 مكرراً لما جاء في قراريها السابقين. ولذا فقد كان بيان المحكمة مبهماً مما زاد المشكلة تعقيداً بدلاً من أن يحلها. وذهب البعض إلى إن بيان المحكمة الاتحادية سياسي بامتياز، ولا يمت إلى القانون أو القضاء بصلة، لأن القضاء لابد أن يصدر قرار واضح وقطعي، وترشيح أسماء معروف عنها الولاء للخارج بكل تأكيد سيفجر الأوضاع بين الكتل البرلمانية، لأنه تحدي لاسيما أن مرشح البناء قصي السهيل تابع للصدر وتم إبعاده واستطاع المالكي إعادته للحياة السياسية نكاية بالصدر، والصدر وسائرون رفضوا ترشيحه لذلك سيكون زلزال سياسي بين أطراف العملية السياسية. وأخيراً فان تفسير المحكمة لم ينه الصراع القانوني، وعلى رئاسة المجلس أن تبت في شأن الكتلة الأكبر. في الوقت الذي يرمى الرئيس صالح مسؤولية تحديد الكتلة الأكبر في ملعب البرلمان في كل مرة. وتحت ضغط الكتل السياسية فقد هدد صالح بالإستقالة، أو أنه يلجأ أخيراً إلى خرق المادة 76 أولا من الدستور وتكليف مرشح مستقل أخر يرتضيه الشعب.
ومن الناحية الفعلية، فقد كلّف رئيس الجمهورية في ثلاث حالات سابقة مرشحين من خارج الكتلة الأكبر، كما أسلفنا، وبالتالي لا يوجد ما يمنع الكتل الفائزة من أن تقدم مرشحاً أو عدة مرحين لرئيس الجمهورية ليختار أحدهم وفقاً لمتطلبات المتظاهرين وشروطهم في أن يكون عراقياً وطنياً مستقلاً من خارج الأحزاب السياسية، وأن لا يحمل أي جنسية أخرى غير العراقية، وأن يكون كفوءاً ومشهوداً له بالنزاهة والإستقامة، ويقدم برنامجاً لإنقاذ العراق وإنتشاله من حالة الفوضى والفساد والتبعية. ولا يشترط في ذلك أن يكوم من دين معين أو مذهب محدد، فالدستور لا يشترط أن يكون رئيس الجمهورية كردياً، وان يكون رئيس الوزراء شيعياً، وأن يكون رئيس البرلمان سنياً، فلا يمكن لأتباع أي دين أو طائفة أن يحكموا العراق لوحدهم ويقصوا غيرهم مثل الأقليات العراقية، كما لا يمكن ترشيح أي شخص إلا بحكم المواطنة فقط.