قد يظن البعض إن تفجيرات اربيل شكلت مفاجأة أو صدمة للذين راهنوا على حالة الأمن المستديمة في الإقليم .
وقد يعتقد البعض الأخر إن الإقليم أصبح بمنأى عن مرمى العصابات التكفيرية والإرهابية ، ولكن ما حدث أبطل اعتقاد وظنون هؤلاء وكشف حقيقة لا تقبل الجدل وهي إن الجميع مستهدف من قبل الإرهاب.
نعم إن أحداث اربيل آلمتنا وأحزنتنا كما آلمتنا التفجيرات السابقة التي حدثت في جميع المحافظات ،
ولكن دعونا نتوقف للحظة أمام هذا التطاول المخيف والاستهداف الذي خلا من أي استثناء لأي مكون من مكونات الشعب العراقي.
وعلينا أن نكون واقعيين ونتجاوز مرحلة خلط الأوراق ونشخص الأمور بعيون ثاقبة لا بعيون تنهمل دمعاً .
فلو كان المستهدف فئة معينة أو طائفة محددة لأمكن تشخيص الفاعل وفق معطيات التعامل مع الحدث باعتباره حالة استثنت فئات وطوائف معينة .، ولكن أن يقع الجميع تحت طائلة الاستهداف فهذا الأمر يدعونا للبحث عن الفئات المستفيدة من هذا الاستهداف .
وبحكم كون الاستهداف العشوائي أصبح حالة ملازمة للعصابات الإرهابية فالأمر هنا يخرج عن منظور تحديد الفئة المستثناة ويضع الترجيح أمام دول لها غايات وأهداف وأجندات في عملية الاستهداف .
وقد لا نحتاج للبحث عن أدلة تثبت تورط تلك الدول لان الدليل واضح ومشخص بالعلن .
فها هي دولة الشر والفساد والفجور السعودية تقدّم وبدون حياء كلابها المسعورة لتنهش أجساد أطفالنا ونسائنا وشيوخنا تحت مظلة مسميات مقدسة ولكنها ماجنة أمام العقيدة التي تتبنى تنفيذها .
فالقتل والتفجير والاغتيال كلها تجري تحت مسمى الجهاد وأصوات الله واكبر الذي تبرأ من أفعال هؤلاء الذين فاقوا بإجرامهم أجدادهم الصهاينة وإسلافهم البرابرة والمغول .
إن التفجيرات الأخيرة التي طالت اربيل وبغداد وباقي المحافظات نفذت بأسلوب اعتدنا عليه وهو أسلوب التكفيريين من القاعدة والبعثيين وفصائلهما الارهابية ، وهو الأسلوب الذي تبناه غربان السعودية من هيئة الأمر بالمنكر والنهي عن بالمعروف .
كما لا يفوتنا أن نضع اللوم على خنزير قطر المدعو القرضاوي الذي بات أنسانا قارضا لكل القيم والشرائع السماوية والوضعية ، فهذا الذيل القطري أصله نابع من مدارس التكفير والتحريض السعودية وهنالك الكثير من قرود التكفير السعودي والقطري الذين يدعون لقتل العراقيين بحجج طائفية كاذبة .
ففي الوقت الذي يدعون فيه إلى قتال الرافضة ( الشيعة ) نجد إن تفجيراتهم تطال السني والشيعي والكردي والتركماني وبقية الطوائف وهو ما يعطينا دليلا على إن دعاة القتل لا يعنيهم أمر أي طائفة فالكل مشروع للقتل.
وعلى الجميع أن يعي خطورة هذا الأمر ولا ينخدع بتخرصات هؤلاء المارقين بما يدعونه من حماية لأهل السنة وهم يفتكون بهم يوميا وهو نفس الخطاب الذي تتبناه مرتزقة منصات التظاهر في الأنبار وباقي المحافظات التي تقوم بالضحك على المواطن باسم التظاهر للمطالبة بالحقوق المشروعة .
ولكن هنالك سؤال ربما يفرض نفسه بخصوص هجمات اربيل وهو هل جاءت تفجيرات اربيل مصادفة أم إنها انعكاسا لعدة عوامل ؟ .
ربما نقول يخطأ من يتصور إن تفجيرات اربيل جاءت بالصدفة أو عملا إرهابيا غير مقصود أو خطأ إرهابي لان الحقائق تدل على العكس من ذلك تماما.
فالإرهاب الذي طال اربيل يحتمل عدة احتمال منها قد يكون انعكاسا للسجال السياسي الذي صاحب العملية الانتخابية ، أو هو نتيجة الاسترخاء والثقة المفرطة التي أصيبت بها أجهزة الأمن الكردية ، أو جاء انعكاسا للسياسة الكردية ومواقفها إزاء الأزمة السورية ، ولكن مهما تعددت الأسباب فالموت الذي طال الأبرياء واحد .
وهنا أجد إن حكومة الإقليم بات عليها أن تتجه صوب اتخاذ عدة تدابير مهمة لعدم تكرار ما حصل وأولها أن تعزز التعاون الأمني مع حكومة المركز ، وان تتبنى نظاما معلوماتيا يرتبط مباشرة مع الأجهزة الأمنية في المركز،
وان تبتعد عن فكرة إنشاء نظام امن الدولة الكردية المحتملة بمفردها دون التعاون مع المركز لأنها ستدرك عاجلا أم آجلا إن استقرارها يرتبط مباشرة باستقرار العراق حتى لو كانت قد رتبت أوضاعها الأمنية بالاعتماد على تلك الدولة أو بالتعاون مع جهات معينة من خارج العراق لإبعاد شبح الإرهاب عنها ،
لان ما حدث اثبت خطا اعتماد هذه الاستيراتيجية التي قد تستمر لفترة معينة ولكنها قابلة للانهيار في أي لحظة إذا ما حصل تقاطع أو اختلاف بين الجهة الضامنة والجهة المستفيدة .
كما يتوجب على الطرفين حكومة الإقليم والمركز إنشاء قيادة مشتركة لمكافحة الإرهاب استخباراتيا وعسكريا ولوجستيا تكون مهمتها التصدي بكافة الوسائل والطرق للعناصر الإرهابية وتجفيف منابع تمويلها وإمداداتها .
كما يتوجب على طرفي المسؤولية (المركز والإقليم ) أن يحددوا الدول الداعمة للإرهاب والتعامل معها وفق سياقيين الأول تقديم الأدلة التي تملكها إلى المحاكم الدولية والمنظمات الإنسانية والإعلام والثاني التعامل بالمثل وبدون تردد لان المواطن العراقي لا يقل أهمية عن أي مواطن آخر في أي دولة بالعالم بل انه أثمن منهم.
إن الإرهاب الذي يضرب العراق الآن بات إرهابا دوليا مدعوما من دول فتحت خزائنها ومواردها لتمويل تلك العصابات لأسباب طائفية وسياسية متمثلة بان نجاح العراق في تجربته الديمقراطية قد يغري شعوبها على الاقتداء بتلك التجربة ،
وهذا جل ما تخشاه تلك الدول التي تبعث برعاعها إلى التفجير في أماكن اقل ما يقال عنها إنها لا ترتبط من بعيد أو قريب بالحكومة والسياسة كالأسواق والمحال التجارية والكازينوهات ومطاعم وأماكن تجمع العمال الفقراء .
وهذه كلها مؤشرات تعطينا انطباعا بان المستهدف الأول والأخير هو المواطن العراقي الذي يجب أن يدفع الثمن لأنه كان الأداة الأولى والمتصدي الوحيد لإفشال مخططات تلك الدول وأولها الحرب الطائفية.
ومهما تكن الأسباب التي تدعونا لوضع الكثير من التهم على هذه الدولة أو تلك إلا إن نزيف الدم العراقي سيبقى مستمرا ما لم تتخذ الحكومة إجراءات رادعة وقوية تتمثل بضبط الحدود والسيطرة التامة على المنافذ الحدودية وخصوصا العاملين في تلك المنافذ لان اغلبهم من الفاسدين والمرتشين الذين يمكن لهم أن يمرروا كل شيء مقابل ثمن بخس فكيف الحال إذا كان ما يدفع لهم بسخاء وبآلاف الدولارات ،
كما يجب أن تتم ملاحقة المهربين وتنفيذ أحكام الإعدام بهم لأنهم اخطر من الإرهاب نفسه وخاصة مهربي المناطق الغربية .
و على الحكومة تنفيذ أحكام الإعدام فورا وكما يقول المثل الشعبي ( كص رأس وموت خبر) وعدم إفساح أي مجال للتدخل في عمل الجهتين التنفيذية والقضائية وعرقلة مهامهما تحت أي مبرر .
ويبقى الأمر الذي يثير أكثر من علامة استفهام بعد تفجيرات اربيل هو سلسلة التفجيرات التي طالت بغداد في اليوم التالي وبماذا يمكن أن يفسر الأمر خصوصا وانه أتى كرد فعل سريع على تفجيرات اربيل ؟ .